إعداد: يارا انبيعة

في محاولة للبحث عن موطئ قدم بمنطقة الشمال الأفريقي، وخاصة الجزائر والمغرب لتعزيز نفوذها على ضفاف البحر المتوسط ولو سياسياً، اختتم وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، جولته المغربية حيث ناقش فيها ثلاثة ملفات أساسية، هي دعم المساعي لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، والأزمة الليبية، ونزاع الصحراء.

عودة سوريا

خلال جولته، جدد الوزير لافروف التزام بلاده بمواصلة مكافحة الإرهاب في سوريا، والمساهمة في الحل المستدام للنزاع في هذا البلد في ظل احترام القانون الدولي، وعلى أساس اللوائح السديدة لمجلس الأمن الأممي، وأكد أن بلاده تؤيد تسوية الأزمة السورية على أساس القرار 2254 لمجلس الأمن الأممي، من أجل احترام سيادة الجمهورية العربية السورية، وسلامة أراضيها واستقلالها.

وفي معرض لقائه مع الصحفيين بحضور نظيره التونسي خميس الجهيناوي، أشار لافروف، ومع اقتراب استقبال تونس للدورة الثلاثين للقمة العربية في مارس/آذار 2019، أن عودة سوريا إلى الجامعة العربية أمر ضروري، إذ قال “مثلما تحدثت في الجزائر والمغرب فإنني تحدثت مع الأصدقاء التونسيين عن ضرورة العمل لعودة سوريا إلى الجامعة العربية”، ورغم أن عدد اللاجئين السوريين في تونس لا يتجاوز 400 شخص، إلا أن الوزير الروسي قال إنه متأكد أن الأصدقاء التونسيين مهتمون بإعادتهم إلى بلادهم قريباً.

من جهته، اعتبر وزير الخارجية التونسي أن قرار عودة سوريا إلى الجامعة ليس قراراً تونسياً، وإنما هو قرار يهم الجامعة العربية، التي ارتأت سنة 2011 تعليق عضويها، مضيفاً أن وزراء الخارجية العرب سيجتمعون وسيقررون ما يريدونه بالنسبة لسوريا “وما يهمنا هو خروج سوريا من الأزمة والمحافظة على وحدتها الوطنية.” على مستوى آخر، أكد الوزير الجهيناوي أن لبلاده بعثة وسفارتها مفتوحة في سوريا على مستوى قائم بالأعمال يرعى مصالح التونسيين الموجودين فيها.

في نفس الإتجاه، صرح وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، أنه من اللازم تشكيل موقف عربي منسق بشأن عودة سوريا للجامعة العربية، وذلك في ظل دعوات من دول عربية عدة لإعادة العلاقات مع دمشق، بما في ذلك دعوات لإعادته إلى الجامعة العربية.

كما دعا الوزير لافروف، من تونس، إلى بذل المزيد من التنسيق الثنائي والدولي لإرساء جبهة دولية لمكافحة ظاهرة الإرهاب العابرة للحدود والتي تهدد الأمن والسلم في العالم، حيث أكد خلال لقائه بالرئيس التونسي، الباجي قايد السبسي، دعم بلاده لجهود لتونس في مجال مكافحة الإرهاب.

ليبيا حاضرة

شكّلت الأزمة السياسية والأمنية في ليبيا أهم محاور المشاورات بين روسيا وتونس، لما تحظى به تونس من مكانة استراتيجية في علاقتها مع الدولة المجاورة، وإمكانية مساعدتها على حلحلة الأوضاع المتأزمة، والسعي إلى إقناع الأطراف المتناحرة بضرورة اجراء انتخابات نزيهة وشفافة تنهي الصراع الدائر هناك منذ نحو ثماني سنوات.

من ناحيتها، تسعى روسيا إلى المساهمة في حل الأزمة الليبية، قبل دخول مرحلة إعادة الإعمار، التي تعتبرها عدة دول غربية منافسة، ومن بينها فرنسا وإيطاليا، فرصة سانحة تشكل إنفراجة اقتصادية مهمة لعدد من الشركات التي ستسهم في إعادة الإعمار، والمحافظة على عدد من المصالح الإقتصادية المهمة، وعلى رأسها موارد الطاقة الهائلة المتوفرة في ليبيا.

وفقاً للدبلوماسي التونسي السابق، توفيق وناس، توجد معضلة في المغرب العربي وهي المعضلة الليبية. البحث عن حل تكون فيه روسيا طرفاً هو من الأهداف الأساسية لزيارة لافروف لدول الجوار، خاصة تونس والجزائر وكذلك المغرب معنية بموضوع ليبيا. وبشأن النتائج المنتظرة من الجولة، رأى وناس أنها قد لا تتوصل إلى كل النتائج، لكن على الأقل ستساهم في تحقيقها فالنتائج المرجوة تأخذ وقتاَ. وأضاف “الواضح أنه لن يكون هناك حل سياسي في ليبيا وسوريا من دون روسيا”، واعتبر وناس أن روسيا أصبحت فاعلاً مؤثراً في القضايا الدولية عامة، ومنها الوضع في ليبيا ومالي ومكافحة الإرهاب.

في المقابل، قال طفرج معتوق، الأستاذ المختص في تاريخ العلاقات الدولية بجامعات تونس وباريس، من أهمية التأثير الروسي في المشهد الليبي، قائلاً “إن روسيا تتحسس طريقها في ليبيا، وهي لم تقبل ما وقع في ليبيا من تدمير”، في إشارة إلى التدخل العسكري الغربي للمساعدة على الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي.

وأضاف معتوق أن البلدان الغربية تخوض صراعاً من أجل النفط، وقد تجد روسيا نفسها فعلاً أقرب إلى المشير خليفة حفتر لأنه الأقرب إلى مصر وسوريا، متابعاً “روسيا خسرت ليبيا، وتحركها بطيء، الجزائر وتونس ومصر لها حدود مع ليبيا. استراتيجياً تعتبر الزيارة مهمة لروسيا في طريق البحث عن كيفية الدخول إلى ليبيا، البلد الذي خسرته.”

نزاع الصحراء

في الوقت الذي كان المغرب في السابق يولي أهمية أكبر لحلفائه التقليديين، مثل فرنسا والولايات المتحدة من أجل دعم الموقف المغربي بخصوص ملف الصحراء في مجلس الأمن بالنظر إلى أن كلا الدولتين تتمتعان بصفة العضو الدائم في مجلس الأمن، أصبح المغرب يسعى أيضاً إلى تليين موقف روسيا من الملف، انسجاماً مع الدبلوماسية التي دشنها الملك محمد السادس، في العام 2016، التي استهدفت كل معاقل البوليساريو، من قبيل جنوب أفريقيا وكوبا وأنغولا.

وعن المقارنة بين ملف الصحراء بالقضية الفلسطينية، أوضح الوزير الروسي بأنه لا مقارنة بين القضيتين إلا في طول الأمد الذي مر عليهما من دون حل، مضيفاً “أن حل القضية الفلسطينية يكمن في حل الدولتين وفق المبادرة العربية للسلام، تطبيقاً لقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، بينما يتبع حل ملف الصحراء مسلسلاً يوجد في يد مجلس الأمن فقط”، مؤكداً “أن الحل يجب أن يكون بإشراك جميع الأطراف.”

الخبير في العلاقات الدولية، الدكتور محمد عصام لعروسي، رأى أن زيارة رئيس الدبلوماسية الروسية إلى المغرب تكتسي أهمية بالغة في تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين وفتح آفاق جديدة للتعاون الوثيق بينهما. ويضيف لعروسي أنه رغم اعتبار المغرب من البلدان ذات النهج الليبرالي الحر الذي كان ولا يزال يدور في فلك منظومة الدول الغربية، ويتخذ من الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة كشريكين أساسيين للدفاع عن مصالحه الحيوية وفي مقدمتها قضية الصحراء، فإنه من الملاحظ منذ زيارة الملك الأخيرة لموسكو، العام 2016، أن هناك تقارباً لافتاً بين المغرب وروسيا الإتحادية.

ويشرح المحلل السياسي أن ما يعزز هذا الطرح ما تشهده الساحة الدولية من تطورات إقليمية وأزمات دولية تلعب فيها روسيا دوراً أساسياً، وأصبح واضحاً أن موسكو تساهم في صياغة القرارات الدولية، خاصة عبر بوابة العلاقات المتعددة الأطراف في المنظمات الدولية مثل مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة.

ويرى لعروسي أن المغرب يحاول الإستفادة من لعبة تناقضات المصالح، بين واشنطن وموسكو، لإحراز المزيد من الدعم لقضاياه الوطنية، بداية بقضية الصحراء المغربية، حيث من المناسب في الظرف الحالي استشعار الموقف الروسي من المفاوضات المباشرة القادمة تحت رعاية الأمين العام للأمم المتحدة.

ووفق المحلل السياسي، فإن الرباط قد تحاول اقناع الطرف الروسي بالموقف المغربي، بعد استصدار قرار مجلس الأمن الأخير الذي حمل جبهة “البوليساريو” مسؤولية الإختراقات الحاصلة في منطقة الكركرات والبئر لحلو، ودعا الجزائر وموريتانيا لحضور المفاوضات كطرفين أساسيين وليس كملاحظين فقط.

من جهة أخرى، يبدو أن موقف الإدارة الأميركية إزاء قضية الصحراء غير مطمئن للمغرب، خاصة مع المواقف المتذبذبة لإدارة الرئيس دونالد ترامب بخصوص النزاع، وتعيين جون بولتون على رأس مجلس الأمن القومي الأميركي، وهو أحد صقور الإدارة الأميركية الذي لا يتوقع منه التعامل بحياد في قضية الصحراء، ما يدفع الدبلوماسية المغربية للعب بورقة الشريك الروسي الذي يملك بدوره بعضاً من مفاتيح ومخرجات الصراع المفتعل حول الصحراء.

يقول نوفل البعمري، الخبير في ملف الصحراء، إن موقف موسكو بقي داعم للمسار الأممي وللحل السياسي، وفي مرات عديدة كان موقفها، خاصة مع إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، يصب في مصلحة المغرب عندما كان هناك تلويح بتوسيع مهام بعثة “المينورسو”، بعثة الأمم المتحدة لتنظيم استفتاء في الصحراء الغربية، لتشمل مراقبة حقوق الإنسان حيث ظلت متحفظة إزاء تغيير طبيعة مهمة البعثة.

توسيع النفوذ

تحاول روسيا أن تعزز العلاقات مع دول شمال أفريقيا بهدف حماية مراكز نفوذها، فمن الناحية الإستراتيجية لا يمكن لروسيا أن تحمي نفسها، إذا لم تتقدم على مستوى البحر المتوسط، ويكون لها حلفاء تطل بلدانهم عليه. وبحكم عضويتها الدائمة في مجلس الأمن الدولي، قد تتمكن موسكو من القيام بدور الوساطة إزاء الخلافات بين دول المغرب، وبالتالي استغلال تلك الصراعات من أجل أن يكون لها نفوذ أكبر بالمنطقة، اقتصادياً وعسكرياً.

مصدر الأخبار: وكالات.

مصدر الصور: سبوتنيك – نيل نت – الجزيرة.