إعداد: مركز سيتا

أولت الأوساط الإعلامية العالمية إهتماماً واسعاً حول الإحتجاجات الشعبية التي تشهدها مدن عدة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية على خلفية قرار رفع الدعم عن مادة الوقود في البلاد، إذ يرى خبراء أن تلك الإحتجاجات فتحت باب “ربيع فارسي” لن ينتهي، فيما رأى آخرون أن نظام إيران المؤسساتي لن تهزه مثل تلك التحركات.

دعم للفقراء

إندلعت الإحتجاجات الشعبية بعد إعلان الحكومة، على نحو غير متوقع، أنها تعمل على تقنين سعر البنزين ورفع الدعم ما أدى إلى زيادة الأسعار بنسبة 50%، حيث إعتبر هذا الأمر، في ضوء العقوبات الإقتصادية والحصار الأمريكيين، ورقة ضغط إضافية على الوضع المعيشي، فيما رأت الحكومة أن رفع الدعم سيوفر الأموال ويتيح مجالاً أكبر لمساعدة الفقراء في البلاد. وبموجب الإجراءات الجديدة، يسمح لكل سائق بشراء 60 لتراً من الوقود شهرياً بسعر 15 ألف تومان مقابل اللتر الواحد، أي ما يعادل 0.13 دولار، بينما يكلف كل لتر إضافي 30 ألف تومان، أي ما يعادل 0.26 دولار، إذ كان يسمح للسائقين في السابق بحد أقصاه 250 لتراً بسعر 10 آلاف تومان لكل لتر.

في هذا السياق، تقول الحكومة إن عائدات تخفيض الدعم عن الوقود ستستخدم في الدفع النقدي للأسر ذات الدخل المنخفض، إذ باتت قدرة الإيرانيين على شراء لوازمهم أضعف بشكل واضح، منذ العام 2018، بعد إنسحاب الولايات المتحدة من الإتفاق النووي، وعودة العقوبات الأمريكية عليها من جديد.

تأزيم الموقف

طرحت الحالة التي بدا عليها الشارع الإيراني، مع تفجر تلك الإحتجاجات، أسئلة عما إذا كانت الضغوط المتواصلة التي تمارسها قوى دولية، على رأسها الولايات المتحدة، هي السبب وراء تأزيم الموقف الإيراني الداخلي. وفي آخر الدلائل على الإستنفار الرسمي تجاه تلك الاحتجاجات، نقلت وكالة “فارس” الإيرانية للأنباء عن رئيس البرلمان الإيراني، علي لاريجاني، قوله إن البرلمانيين ناقشوا “القضايا المطروحة هذه الأيام والدعم الحكومي، كما قدم أمين المجلس الأعلى للأمن القومي تقريراً عن الوضع الراهن.”

في المقابل، يعتبر مراقبون أن الضغوط التي تمارسها واشنطن، عبر عقوبات قاسية تستهدف الإقتصاد، قد أسهمت في تأزيم الوضع، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، يعتبر معارضو النظام أن توتر الوضع يعود إلى أسباب داخلية بفعل عدة عوامل سياسية ناجمة عن “دكتاتورية” النظام القائم، وأن رفع أسعار الوقود ربما كان “القشة التي قسمت ظهر البعير”، بالنسبة للمواطنين الإيرانيين. ويشير هؤلاء المعارضين إلى أن النظام يطالب المواطنين بسداد فاتورة “طموحاته” الإقليمية من خلال الدعم المالي الذي يقدمه لحلفائه في عدة دول بالإقليم، وأن المواطنين الإيرانيين هم أولى بتلك الأموال التي تنفق، بيد أن الجانب الرسمي ومؤيديه يرون أن آراء من هذا القبيل ربما تحمل نوعاً من المبالغة الكبيرة.

مواجهة الإضطرابات

أعلن رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية، في البرلمان الإيراني، أن عدداً من النواب سيقدمون مقترحاً لإلغاء وإيقاف هذا القرار، لكن المجلس الأعلى للتنسيق الإقتصادي، المكون من رؤساء السلطات الثلاث، أكد أن قرار رفع الدعم سيؤدي إلى تحقيق العدالة الإجتماعية ومكافحة تهريب الوقود ومعالجة استهلاك البنزين حيث سيتلقى أكثر من 60 مليون مواطن، من الشرائح الإجتماعية المحرومة، دعماً وإمدادات مالية من عوائد تنفيذ هذا القرار.

في هذا الصدد، قال حسام الدين آشنا، مستشار الرئيس الإيراني حسن روحاني، إن “الإنتهازيين داخل البلاد وخارجها ارتكبوا خطأ إستراتيجياً آخر لأن إيران ليست العراق أو لبنان”، مضيفاً، في تغريدة على موقع “تويتر”، أن “الإيرانيين لن يسمحوا لوسائل الإعلام العميلة بتحديد مصير إيران”.

وفي السياق ذاته، إتهم مسؤولون إيرانيون أطرافاً خارجية بأنها على صلة بالإحتجاجات الحالية، وهو ما صرح عنه مدعي عام طهران، محمد جعفر منتظري، بإن المحتجين “لهم جذور خارج البلاد”.

تداخل إقليمي

مع إنتشار الإحتجاجات في أكثر من بلد، خرج آلاف المتظاهرين في إيران إلى الشوارع. إن الشعار المعلن لهذه الإحتجاجات يكمن في رفض رفع أسعار البنزين، لكن في العمق قد تتوحد مطالب الإيرانيين مع مطالب اللبنانيين والعراقيين ضد النظام السياسي ككل لا سيما مع وجود قواسم كثيرة بين البلدان الثلاثة.

في هذا الصدد، يرى الأستاذ نجاح محمد علي، المحلل السياسي من لندن، أن “إيران تملك قاعدة شعبية واسعة في كل من العراق ولبنان، وعندما تخرج مجموعة من الشيعة للإحتجاج ضدها، فهي لا تعكس توجهات الطائفة ككل”، كما يؤكد علي على أن “الوجود الإيراني في العراق، قام بدور كبير في محاربة داعش وفي تقديم الدعم اللازم للبلاد، فيما تتحمل واشنطن جل المشاكل، فهي من إحتلت العراق وأنشأت النظام السياسي، وهي من جاءت بالطبقة الفاسدة للحكم.”

فيما يخص الشق الأمني، يعلق علي بالقول أن “طهران اختارت عمداً هذا التوقيت، لأجل تنفيذ قرار تقنين إستخدام البنزين ورفع الدعم عن بعض أصنافه، حتى تقوم بجر جماعات تعمل مع دول خارجية إلى الفخ، فيتم فرز المتظاهرين الذين يرغبون بتقويض النظام.”

في المقال، ترى صحيفة “نيويورك تايمز” أن “إيران ستتأثر سلباً في حال نجح المتظاهرون العراقيون واللبنانيون في إضعاف الأحزاب السياسية المرتبطة بطهران”، لذلك سعت وسائل الإعلام الإيراني، حسب الصحيفة، إلى تصوير المظاهرات الإيرانية، كما تلك في لبنان والعراق، بشكل سيء واصفة إياها بـ “التحريضية”، فضلاً عن اتهام كل من الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية بتأجيجها بغية إضعاف طهران.

أجندة خارجية

لم يُخفِ المسؤولون الأمريكيون فرحتهم بما يجري في إيران متطلعين إلى سقوط هذا النظام. لكن السؤال: هل هم من أطلق الإحتجاجات إذ من الصعب ربط الأمر بالمؤامرة الخارجية بهذا الشكل. لقد شهدت البلاد مظاهرات متعددة كتلك التي وقعت في العام 2018 عندما خرج المتظاهرون على خلفية ارتفاع أسعار المواد الغذائية.

من هنا، يرى العديد من المراقبين بأن الإحتجاجات في إيران ولبنان والعراق غير مرتبطة ببعضها بالضرورة، فالعالم ككل يشهد مظاهرات متعددة في دول أخرى سواء المنطقة العربية، كالجزائر والسودان، أو أمريكا اللاتينية، وتحديداً الإكوادور وبوليفيا والتشيلي، أو حتى في دول شرق آسيا، كهونغ كونغ وكوريا الجنوبية، مع عدم نسيان تظاهرات “السترات الصفراء”، في فرنسا والتي إحتفلت بمرور عام على إنطلاقها، التي خرجت لأسباب اجتماعية متسببة بإحراج كبير للرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون.

في هذا الصدد، يقول كلاوس ديتر فرانكنبيرغر، من صحيفة “فرانكفورتر ألغيماينه تسايتونغ” إن هناك بالتأكيد آثار عدوى بين كل هذه الإحتجاجات، لأن الحكومة الجيدة غائبة في الكثير من البلدان، مقابل تفشي الفساد وسوء الإدارة، إذ لم يعد مقبولاً الإقصاء السياسي والحرمان الإجتماعي والإقتصادي، وأنه إذا لم تتجاوب الحكومات مع مطالب المتظاهرين بشكل مبكر، فإن التطرف والعنف سيكون هو النتيجة.

أخيراً، يبدو أن هناك رهانات دولية وإقليمية كثيرة على دور الإحتجاجات الشعبية في إسقاط أنظمة الحكم بعد تجربتها في دول كثيرة، كمصر وليبيا وتونس وبوليفيا وغيرها، معتمدين تكرار التجربة مع كل بلد يخالف السياسات الغربية، بيد أن الواقع يقول إن السبب الرئيس وراء كل هذه الأزمات المتداخلة على إمتداد العالم يعود إلى إشعال الولايات المتحدة، بشكل أو بآخر، لفتيل الأزمات؛ إن لم يكن بفعل التدخل العسكري ودعم المعارضات، فعبر العقوبات الإقتصادية التي تهدد ملايين البشر حول العالم من أجل الضغط على حكومات الدول لتطويع أنظمتها بما يتناسب مع رغباتها.

من هنا، يمكن القول بأن أمام إيران، وكل الدول التي تعاني، فرصاً قليلة لإستدراك الأوضاع الحالية وإلا فستتعرض لهزات داخلية قد تقوض سلمها الداخلي، أو على الأقل ستهدده؛ وإذا إستطاعت إنهاء المظاهرات اليوم كما أعلنت الحكومة، فمن الأفضل أن تعمل على منع خروجها غداً.

مصدر الأخبار: سيتا+ وكالات.

مصدر الصور: بي.بي.سي – الجزيرة.

موضوع ذو صلةتأثير العقوبات الأمريكية على الداخل الإيراني