إعداد: يارا انبيعة

سلطت روسيا الضوء على نجاحها في تجاوز العقوبات الغربية من خلال تنظيمها “منتدى يالطا الإقتصادي الدولي”، المنعقد للمرة الخامسة، حيث استضافت حكومة شبه جزيرة القرم أكثر من أربعة آلاف مشارك من حوالي 90 دولة ليناقشوا أهم تحديات القضايا الإقتصادية، من 18 إلى 20 أبريل/نيسان 2019.

فرص للحوار والإستثمار

رأى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في رسالة وجهها للمشاركين أن المنتدى فرصة للمستثمرين ليقيموا الإمكانيات الغنية لشبه جزيرة القرم إضافة لكون الفعالية منبراً شعبياً للنقاش معترفاً به ومطلوباً لإجراء حوارات مباشرة مهمة في القضايا الرئيسية لجداول الأعمال الإقتصادية الإجتماعية.

كما رأت الناطقة بإسم الخارجية الروسية، ماريا زخاروفا، أن تشكيلة المشاركين في المنتدى تثبت عدم جدوى تسييس العلاقات الإقتصادية الدولية والنتائج العكسية لمساعي تطبيق عوائق العقوبات، وأضافت أن كل ما تحدثوا عن عزل القرم كانوا يناقضون أنفسهم بأنفسهم.

إلى ذلك، رأى مدير قناة “القرم 24” التلفزيونية، دميتري شتين، أن هذا المنتدى الإقتصادي أصبح تقليداً في شبه الجزيرة مشيراً إلى اعتماد حوالي ألف إعلامي لتغطية هذا الحدث من جميع أنحاء العالم، متساءلاَ عمن يقول بأن القرم منطقة مقفلة تقع تحت العقوبات، فكيف ذلك وقد قدم إليها هذا العدد الهائل من الزائرين الذين يتمنون لها الخير والتفاهم؟

خط القرم – سوريا

شاركت سوريا بصفتها عضواً فخرياً بوفد ضم العديد من رجال الأعمال والفعاليات الإقتصادية، وعلى رأسهم وزير الإقتصاد، محمد سامر الخليل، الذي أشار إلى أن المنتدى ساهم بالإضاءة على واقع سوريا بعد سنوات الحرب الأخيرة وعلى حالة اقتصاد الدولة اليوم وفي المدى المنظور قائلاً “هناك عدد كبير من ممثلين ومشاركين من دول عالم مختلفة اطلعوا من خلالنا وخلال المشاركين الأساسيين في الحوار على واقع الإقتصاد السوري وعلى التطورات التي رافقت الحرب الإرهابية التي تعرضت لها سوريا خلال السنوات الثمانية الماضية.”

وأضاف الخليل “كذلك، قيمنا الواقع الإقتصادي السوري وعرضناه وتكلمنا عن الفترة القادمة وعن برنامج سوريا لما بعد الحرب، وأن سوريا حتى في أصعب سنوات الحرب عليها كانت تعد خططا لمرحلة ما بعد الحرب لمرحلة إعادة الإعمار وما يحب أن تتضمنه وتهيئة البيئة والأرضية المناسبة لهذه المسألة”، مشيراً إلى أن المشاركون حرصوا على “الإستفسار عن الأمور التي تخصهم، بالإضافة إلى المداخلات التي كانت هامة وتظهر المحبة لسوريا، وطرحت أيضاً أبواباً أخرى للتعاون مع عدد من الدول، ورأينا تفاعلاً إيجابياً كبيراً من الحاضرين وهذا ما توقعناه أساسا من هذه المشاركة.”

إلى ذلك، بحث رئيس جمهورية القرم، سيرغي اكسيونوف، مع الوفد السوري التعاون الاقتصادي بين الجانبين، وأشار إلى أنه تم تشكيل مجموعات عمل في مختلف اتجاهات التعاون وجرى تسجيل بيت تجاري مشترك وجاري العمل على إنشاء شركة ملاحة بحرية، ولفتاً إلى استعداد المعاهد والجامعات في شبه الجزيرة لتدريس طلبة سوريين واستقبال 50 طفلاً سورياً وكذلك نحو 50 من الجرحى العسكريين السوريين للاستراحة وإعادة التأهيل في المؤسسات الصحية في شبه جزيرة القرم خلال موسمي الصيف والخريف للعام الحالي.

وفي مسألة التعليم، أكد النائب عن حزب “البديل من أجل ألمانيا” (AfD) اليميني المتطرف، فالديمار جيردت، على هامش المنتدى انه يريد لقاء الوفد السوري للبحث معه في قضية تعليم اللاجئين السوريين الموجودين في بلاده ومدى إمكانية تعليمهم في شبه جزيرة القرم، وإعدادهم للعودة إلى ديارهم. وأشار جيردت إلى أن العديد من اللاجئين يريدون الحصول على شهادات لتأمين مستقبلهم، مؤكداً أنه يجب حل قضية تعليمهم في شبه جزيرة القرم لأن التعليم هناك أقل تكلفة وجيد، وهذه رسالة إنسانية جيدة جداً.

أما أبرز النقاط التي تضمنها البيان الختامي عن العلاقات المشتركة تمثلت في إقرار آلية التسويات المتبادلة لضمان التبادل التجاري بين القرم وسوريا، كما بحث المنتدى إجراءات استكمال تسجيل الشركة المشتركة للبيت التجاري سوريا – القرم، وتم الاتفاق بين الطرفين على تحديد نوع وكم السلع والخدمات المتبادلة، مثنياً على أهمية التنسيق الفاعل المشترك لوضع آلية للتحويلات المالية ومواصلة العمل لتحديد هيكل أسطول سوريا – القرم التجاري والموانئ والمنافذ وحجم الشحن.

إضافة إلى ما سبق، تم التطرق إلى أهمية تسريع إبرام اتفاق تعاون بين الموانئ البحرية في القرم والشركة العامة لمرفأ اللاذقية، وتم الاتفاق على ضرورة تعزيز التعاون في مجال السياحة والترفيه، إضافة إلى تبادل الوفود في مجال العلوم والتعليم العالي.

أهمية العمل التطوعي العربي

على هامش المنتدى، عقدت جلسة تحت اسم “العالم من منظور الشباب” تم الحديث فيها على مختلف المواضيع التي تهم الشباب حول العالم، وتكلم خلال الجلسة العديد من الشباب من مختلف الجنسيات، ومنهم الناشط المدني والمتطوع الدولي العراقي، محمد إحسان، الذي تحدث عن تجربته كمتطوع في مناطق الحروب ومخيمات النازحين.

يقول إحسان عن المشاركة الروسية في تقديم المساعدات إلى المخيمات والمناطق التي تشوبها النزاعات “تصل إلى العراق مساعدات روسية عن طريق منظمات محلية تعمل هناك، والتي تملك علاقات مع روسيا، ويمكن القول إن هذه المساعدات لا تصل إلى المستوى الذي نطمح إليه”، ويتابع “روسيا لا تملك الخبرة الكبيرة في المجال التطوعي، وفي هذا النوع من المنظمات، لكنهم يعملون الآن على جذب الخبرات الشابة، كما حصل في مهرجان الشباب وكأس العالم الماضيين، حيث كان العام التطوعي كما أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهذا ما جعل من روسيا الآن فرصة لإكتساب الخبرات.”

واعترف إحسان بأن العمل التطوعي لا يزال متواضعاً في العالم العربي، كون الشعب العربي لا يؤمن بالعمل التطوعي حتى الآن، لذلك “نحاول دفع الدول العربية لفتح مراكز تطوعية، واستقطاب المتطوعين من مختلف أنحاء العالم، وإن كانت قد ظهرت هذه الأمور بشكل بسيط في بعض البلدان، فهذه الثقافة موجودة منذ زمن في أوروبا، وقد بدأت روسيا بالإهتمام بها مؤخراً، لما له فائدة على المجتمع من الناحية الإجتماعية والثقافية.”

إنطلاقة سياسية

تسعى القرم إلى تفعيل التعاون الإقتصادي على أكثر من صعيد مع دول خليجية حيث كشف نائب رئيس مجلس إدارة حكومة القرم والممثل الدائم لحكومة شبه الجزيرة لدى الإدارة الروسية، غيورغي مورادوف، عن خطط لفتح دور تجارية في عدد من الدول العربية بما فيها البحرين والسعودية لتفعيل الحركة التجارية مع تلك الدول وغيرها، مثل لبنان والأردن، كما أكد على أن سوريا من أهم المناطق التي أسست روسيا فيها داراً تجارية إقتصادية، نهاية العام 2018.

يبدو أن روسيا تحاول أخذ اعتراف واقعي دولي بضم القرم حيث وصلت إليها وفود أوروبية، على الرغم من عدم إعتراف الدول بالسيادة الروسية عليها، ضمت برلمانيين ونشطاء إجتماعيين وخبراء إقتصاديين وتقنيين ورجال أعمال من دول عدة أبرزها ألمانيا وإيطاليا وسلوفاكيا واليونان والنمسا. يأتي ذلك ايضاً في جو يسعى فيه الرئيس بوتين الى كسب الإعتراف التركي بهذا الضم، لا سيما مع وجود اغلبية تترية فيها، من خلال النية بدعوة الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، الى افتتاح اول مسجد فيها.

عن هذه المشاركات وتأثيراتها، يرى العديد من المتخصصين في القانون الدولي بأنها تعتبر مؤشراً، او مقدمة، على اعتراف دولي بالأمر الواقع، خصوصاً إذا ما قبلت الدول بفتح مكاتب تجارية روسية بإسم القرم كما تم ذكره آنفاً مع سوريا حالياَ وبعض دول الخليج مستقبلاً، ما يشكل نهاية للمقاطعة الدولية لروسيا، وإلغاء للعقوبات التي فرضت عليها منذ العام 2014. 

مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.

مصدر الصور: سبوتنيك – روسيا اليوم.