إعداد: مركز سيتا

يعتبر الضغط السياسي ممارسة مشروعة وقانونية في الولايات المتحدة الأمريكية، فلقد صدر في العام 1945، تشريع يُلزم مجموعات الضغط بتعريف أعضاء الكونغرس عن أنفسهم وأنشطتهم وفقاً لشروط ضيقة جداً تحدد الجهة التي عليها التصريح عن نشاطها. تلا ذلك صدور حكم من المحكمة العليا الأمريكية، العام 1954، يُلزم العاملين في هذا المجال بالتصريح عن أنفسهم فقط إذا كانوا يتواصلون مع أعضاء الكونغرس، وحصراً بشأن تشريعات جارٍ العمل عليها، كما صدر تشريع آخر العام 1995 يُلزم جماعات الضغط بتسجيل بياناتهم وأنشطتهم إذا تلقوا أجراً يزيد على 10 آلاف دولار.

هذه التشريعات ملزمة حصراً للعاملين بمجال “الضغط السياسي” نيابة عن زبائن أمريكيين. أما بالنسبة لمن يعملون نيابة عن زبائن أجانب فلهم تشريع خاص يُعرف بإسم “فارا” ويختص بالجهات غير الأمريكية؛ سواء كانوا دولاً أو أحزاباً أو شركات وشخصيات أجنبية، مثل: الجهات الإستخباراتية أو المعارضتين السورية أو الإيرانية أو غيرها.

ما هو قانون “فارا”؟

هو قانون تسجيل الوكلاء (الممثلين) الأجانب، المعروف بـ “فارا”، وهو أهم قانون أمريكي ينظم الضغط السياسي لصالح جهات أجنبية، غير أمريكية. وضعت نسخته الأولى العام 1938، بسعي من الرئيس الأمريكي آنذاك، فرانكلين روزفلت، لتخوفه من وجود تمويل من الحزب النازي الألماني يقدمه للحركة النازية داخل أمريكا.

فالخوف من إنتشار الفكر النازي كان السبب الأساس في صدور هذا القانون، لكنه اليوم بات يستهدف كل مؤسسة أو منظمة غير تجارية تعمل في مجال السياسة وتمولها جهات أجنبية، وهو ما ينطبق على عدد كبير من المؤسسات العاملة في الولايات المتحدة بما فيها عدد من وسائل الإعلام الأجنبية، فقد وظفت السلطات الأميركية هذا القانون ضد مؤسسات إعلامية في السابق.

يُلزم القانون أي شخص داخل الولايات المتحدة يعمل لصالح جهات خارجية أن يفصح عن أنشطته وطبيعته، والجهات التي يتواصل معها، وكيفية الإتصال بها، كما هو ملزم بالإفصاح عن موضوع التواصل وتاريخه. بالنسبة للجهات، عليها التصريح عن الأموال التي تتلقاها أو موظفوها، والأموال التي يستعملونها لإتمام عملهم، أو تبرعاتهم للحملات الإنتخابية لسياسيين أمريكيين.

من جهتها، تقوم وزارة العدل الأمريكية بنشر كل سجلات أنشطة الضغط السياسي الموجودة لديها في قاعدة بيانات مفتوحة ومتاحة للإطلاع عليها من قِبل العامة، وهي تقوم بتحديث قاعدة البيانات بشكل يومي. ورغم ذلك، تظل مساحة التلاعب مفتوحة وواسعة للعاملين ضمن جماعات الضغط السياسي، فهم المسؤولون عن ملء السجلات بالطريقة التي تناسبهم، ونادراً ما تجري محاسبة المتخلفين عن الإفصاح.

ضغط لتحقيق الثروة

يعمل بمجال الضغط السياسي أشخاص من خلفيات عدة، ولكن أهمهم على الإطلاق من عملوا سابقاً داخل الحكومة الأمريكية أو الكونغرس، بحيث تزيد أهمية الفرد كلما كان منصبه السابق أعلى. مثلاً، كبير موظفين عضو في الكونغرس أهم من مساعد التشريعات في مكتب العضو. وبالمثل، مساعدو زعماء اللجان وزعماء الحزبين في الكونغرس، أهم من غيرهم.

لذا، يكمن الخوف من إستهداف الجهات الأجنبية المسؤولين الحكوميين السابقين، ممن عملوا في البيت الأبيض أو وزارات مثل وزارة الخارجية أو الخزانة الأمريكية. على سبيل المثال، استأجرت جهة إماراتية، تابعة لإمارة أبو ظبي، شركة أمريكية يعمل فيها مسؤولون سابقون بوزارة الخزانة الأمريكية، ودفعت لهم أكثر من 41 مليون دولار خلال 8 سنوات، وأتى هذا التعاقد مع المدير التنفيذي للشركة الأمريكية فور استقالته من وزارة الخزانة.

الحال نفسه بالنسبة للمسؤولين سابقين في وكالات فيدرالية أمريكية، مثل وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية – سي.آي.إيه أو مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي – إف.بي.آي.

يتركز الإهتمام هنا حول مدى إرتباط هولاء المسؤولين السابقين، الذين يعملون ضمن العامليين حالياً، مع زملائهم الذين ما زالوا يعملون داخل الحكومة أو انتقلوا لمناصب جديدة فيها، بحيث أنه كلما كان المنصب رفيعاً ارتفعت كلفة العقود. مثلاً، وبعد فوز الرئيس السابق، دونالد ترامب، بإنتخابات الرئاسة الأمريكية العام 2016، دفعت جهات سياسية مختلفة من منطقة الشرق الأوسط مبالغ هائلة لشركات يعمل فيها عاملو ضغط سياسي مقربون من الرئيس الجديد، معظمهم من الفريق الذي عمل معه أثناء الانتخابات سابقاً، وتحصّل الكثير منهم على مبالغ طائلة نظير علاقاتهم بالرئيس ترامب ودوائره.

لماذا الدوحة؟

منذ فترة، أمرت وزارة العدل الأميركية إحدى وسائل الإعلام التابعة لمؤسسة الجزيرة القطرية، والمسماة “آي.جي+”، البدء في إجراءات تسجيلها كوسيلة إعلام ممولة من الحكومة القطرية لتعمل تحت طائلة قانون “فارا”، المنظِّم لعمل المؤسسات المرتبطة بحكومات دول أخرى على الأراضي الأمريكية، حيث شكلت الخطوة الأمريكية “صدمة” للدوحة نظراً لعدة عوامل، ذكرها بيان شبكة الجزيرة الذي أشار إلى أن هذا القرار “تشوبه دواع أمنية” تجعله مختلفاً عن أية حالات أخرى تم فيها تسجيل مؤسسات أجنبية عاملة على الأراضي الأمريكية وفق قانون “فارا”.

ففي حالة “آي.جي+”، تم التواصل مع شبكة الجزيرة من قِبل رئيس وحدة مكافحة التجسس في وزارة العدل، وهو أحد المسؤولين المختصين بشؤون الأمن القومي، ما إعتبرته الشبكة أنه “أمر غير عادي”. وقد حاول البيان تسييس المسألة من خلال ضم إسم دولة الإمارات، مبيناً أنها شريك أساسي في قرار وزارة العدل لأنه تم في اليوم الذي سبق توقيع الإمارات معاهدة السلام مع إسرائيل.

لكن ما يظهر من خلال برقيات ويكيلكس الخاصة بوزارة الخارجية الأمريكية، والتي يرجع تاريخها إلى العام 2009، يشير إلى عكس ذلك حيث تضمنت الوثائق توصل الأميركيين إلى نتيجة واضحة مفادها أن قناة الجزيرة تمثل أداة لنشر التأثير القطري خارجياً، وأنها معبرة عن السياسة الخارجية لدولة قطر.

وبالعودة إلى العام 2017، توجه ثمانية من نواب الحزب الجمهوري برسالة، مكونة من 5 صفحات، إلى وزير العدل الأمريكي، وليام بار، مطالبين بإدراج قناة “الجزيرة” القطرية كوكيل أجنبي بموجب قانون “فارا”، وذلك بإعتبار أن أنشطتها تتماشى بشكل وثيق مع أولويات الحكومة القطرية، حيث قالوا إن القناة القطرية “تدعي أنها تعزز الديمقراطية وحرية التعبير، لكن الشبكة نادراً ما تقوم بتغطية عن قطر نفسها، وإنها تخالف قوانين الولايات المتحدة، وتقوم بالترويج للنظام الإيراني والمنظمات الإرهابية.”

منصة “آي.جي+”

بحسب العديد من المراقبين المحللين، تنشر منصة “آي.جي +”، بشكل دائم، مقالات ومواد صحفية تدعو جمهورها للتساؤل حول عدة قضايا جدلية تمس الداخل الأميركي ونظرته للقضايا الدولية، مثل طرحها تساؤلات حول مدى صحة مصطلح “الإرهاب الإسلامي”، وكذا محاولتها الترويج لوجهات نظر “إيجابية” حيال إيران، وتغطيات منحازة لكل من الحوثيين وإيران في النزاع الدائر باليمن، ورفع الصوت القطري المنتقد للسعودية حيال عدة قضايا، من بينها المقاطعة التي كان يفرضها الرباعي العربي على الدوحة.

من هنا، إذا ما تم تسجيل الشبكة لهذه المنصة بحسب قانون “فارا”، فهي لن تستطيع، بسحب وجهة نظهرم، من “التدليس والفبركة وتزييف الحقائق” من أجل تأثير على توجهات الجمهور الأميركي أو صنَاع القرار أنفسهم، أو تحسين صورة إيران و”الإخوان المسلمين” وباقي جماعات الإسلام السياسي والمعارضات المزيفة التي اعتادت على تصويرها كـ “ضحية” للعواصم التي تختلف معها الدوحة. فبموجب هذا القانون، تستطيع الأطراف أو الدول التي تضررت من شبكة الجزيرة رفع شكوى ضدها في المحاكم الأميركية أو اتحاد الصحفيين الدولي، ولو بأثر رجعي إذ أن ما تقوم به قطر لن يفيدها بل يلحق بها أكبر الضرر.

أخيراً، يبدو أن تحركات قطر، وقناة الجزيرة بالتحديد، قد أثارت حالة من القلق داخل الولايات المتحدة، ما دفع وزارة العدل الأمريكية لإتخاذ إجراءات ضد للمنصة الإخبارية الرقمية، التي يقع مقرها ضمن الولايات المتحدة والمملوكة من قناة الجزيرة والمسجلة تحت بند “وكيل أجنبي”.

المصدر: سيتا + وكالات.

مصدر الصور: The Conversation – The West.

موضوع ذا صلة: دليل التعرف على سياسات الدول العربية من إعلامها