الدكتور علوان أمين الدين
أهلاً بكم في حلقة النقاش هذه، والمخصصة للحديث عن السياسات الأمريكية في المشرق وأبعادها وتداعياتها المستقبلية والتي سنتطرق فيها إلى عدة محاور أبرزها الحديث عن الإنسحاب العسكري الأمريكي من شمال سوريا مع البقاء في قاعدة التنف جنوباً، والوضع في العراق، والعلاقات مع إيران إذا ما أخذنا بمبدأ “المشرق الموسع”، والقرارات الأمريكية تجاه إسرائيل ومصلحة الجميع في بقاء بنيامين نتنياهو في السلطة، و”صفقة القرن” وما يُثار عنها، إضافة إلى مسألة الطاقة (الغاز والنفط) وممراتها مع الإشارة إلى خط غاز العراق – الأردن – مصر ومدى تشبيكه مع الخط الإسرائيلي الذاهب إلى أوروبا بعد اعتماد مصر كمحطة لتجميع الغاز.
يسرني هنا أن أرحب بالباحث في شؤون الشرق الأوسط، الأستاذ جو معكرون، القادم من واشنطن والذي سيحدثنا عن هذه المواضيع وغيرها وهو الخبير في شؤون السياسة الأمريكية.
الأستاذ جو معكرون
بداية، شكراً على حضوركم. ما أود أن أقوله بأنه لا يوجد شيء اسمه “عقيدة ترامب” …. نحن اليوم سنكون في مرحلة الإنتخابات الرئاسية وانتهاء ولاية الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وإمساك المحافظين بالسلطة. فهناك مجموعة أصبحت متميزة في الموقف إذ لا يوجد صراعات كما رأينا في المرحلة السابقة. اما اليوم، فالأمور تتجه نحو التحضير للإنتخابات الرئاسية.
بالنسبة إلى الرئيس ترامب، يمكن القول بانه ليس له “حشرية” في الأمور الخارجية، على عكس الرئيس السابق، باراك أوباما. ولكن بالعموم، أرى أن استراتيجية الرئيس ترامب ليست مغايرة لإستراتيجية الرئيس أوباما، بل هي استمرارية لها وإن كان العديد من الباحثين يخالفونني الرأي، فالضجيج الذي يحدثه الرئيس ترامب من خلال تغريداته، فهو يفعل ذلك عن عمد. ولكن عند النظر إلى الواقع نرى بأن السياسة نفسها ما تزال موجودة سواء في لبنان، أو موضوع فض الإشتباك مع إيران، أو تقاسم النفوذ في العراق وإن كان صعباً نوعاً ما.
أما بالنسبة إلى موضع إلغاء الإتفاق النووي، فإن الأمر يعتبر محاولة لجر إيران الى طاولة المفاوضات أكثر منه إلى إحداث مواجهة. لكن بالطبع، هناك قلق في حال وجود خطأ في حساب المعادلات خصوصاً أننا دخلنا في مرحلة أصبح فيها المحافظون متشددين أكثر. في المقابل، لم ترد إيران حتى الآن. واللافت في الموضوع أن المؤسسات الأمريكية لا تزال ترفض التأقلم مع تغييرات ترامب، بمعنى أن الجيش لا يزال متحفظ على موضوع إدراج الحرس الثوري الإيراني على لائحة المنظمات الإرهابية. هذا الموضوع تحديداً، كان هناك تردد كبير، لكن مع رحيل وزير الدفاع السابق، جيمس ماتيس، قد سهل الأمر عشية الإنتخابات الإسرائيلية.
هنا، لن آتي بجديد إذا ما تحدثت عن أن الرئيس ترامب لديه نظرة مفادها ضرورة قيام تحالف عربي – إسرائيلي، غير أن هناك صعوبات كبيرة أمام هذه النظرة لكونها مرتبطة بأشخاص أكثر منها بمشروع جدي، سواء كان نتنياهو نفسه أم غيره من الزعماء العرب. بحسب اعتقادي، يحاول الرئيس ترامب نقل الدعم لإسرائيل من الحزب الديمقراطي إلى الحزب الجمهوري خصوصاً مع وجود فرصة استثنائية الآن تتمثل في ظهور تيار يساري قوي داخل الحزب الديمقراطي مواجه لإسرائيل، ليس بمعنى العداء بل بمعنى وضع تحفظات لا سيما على صعيد الجيل الجديد من الشباب. من هنا، وجد الرئيس ترامب، في الفترة الأخيرة وبحسب اعتقادي، فرصة لجعل الحزب الجمهوري هو الداعم لإسرائيل.
انطلاقاً مما سبق، نسمع دائماً بأن الرئيس ترامب يسعى للحصول على الصوت اليهودي الأمريكي، وهو الدافع وراء دعمه لنتنياهو، وهو ما أعتبره غير دقيق. فالصوت اليهودي الأمريكي يشكل ما بين 2% إلى 3%، فيما 70% من الصوت اليهودي يذهب إلى الليبراليين والديمقراطيين وليس إلى نتنياهو. للعلم، هذه المجموعة تضغط على نتنياهو منذ سنوات لإقرار حل الدولتين ولا بد من إيجاد صيغة معينة، وموضوع الاتفاق النووي. أما رهان الرئيس ترامب فهو على قاعدة الإنجيليين، التي تمثل ما بين 27% إلى 30% من نسبة الأصوات، لإنقاذه في الإنتخابات المقبلة. وهنا أود أن أشير إلى مسألة مهمة وهي أن جيل الشباب من الإنجيليين غير متحمس كثيراً لدعم إسرائيل بنفس المستوى لدى الجيل الأكبر سناً. هذا أهم ما يميز تفكير الرئيس ترامب حيث أنه، وبحسب ما يتناقل في الولايات المتحدة، يخطط إلى الإنتخابات المقبلة وليس بالضرورة إلى مستقبل الحزب الجمهوري.
فبالنسبة إلى دعم نتنياهو، يمكن القول بأن جزءاً من سياسات الرئيسين ترامب والروسي، فلاديمير بوتين، تجاه إسرائيل يكمن في محاولة إرضائها من البوابة السورية، بشكل مباشر وغير مباشر، حيث نرى أن هذا التنافس يحدث في دمشق وليس في مكان آخر، إذ أن هناك محاولة من قبل الطرفين ليكونا ضامنين لإسرائيل في سوريا، ومن هنا تأتي المنافسة.
أما في مسألة الغاز، نلاحظ أنه بدأ قبل مجيء الرئيس ترامب إلى السلطة، وهو الآن يصب في خانة التحالف العربي – الإسرائيلي سواء ضد إيران أو تركيا، خصوصاً مع وجود خط أنابيب، المدعوم أمريكياً، يصل إلى أوروبا، ولكن تكلفته تبلغ حوالي 6 مليار ولا يوجد حماسة لدى الدول للدخول فيه. لكن طبعا، لقد غيَّر الديناميكية في المنطقة بمعنى أن أمريكا باتت وسيطاً بين لبنان وإسرائيل في هذه النقطة، وأيضاً تغيرت الحسابات لدى حزب الله، والحسابات في إسرائيل رغم الخطاب العالي الذي نسمعه من وقت لآخر.
النقطة الأخيرة، أننا أمام عام سوف يكون فيه تحديات كثيرة من الداخل الأمريكي إلى السياسة الأمريكية في المنطقة.
د. علوان
شكرا لك. والآن، سنفتح باب النقاش.
الدكتورة صفية سعاده
لدى الرئيس ترامب ميزات لم تكن موجودة لدى رؤساء جمهوريين سابقين، بما فيهم الرئيس بوش دبليو بوش، حيث ينتهج سياسة مختلفة جداً عمّن سبقوه. لكن هذه السياسة تؤدي إلى الكثير من التشنجات في المنطقة. فالرئيس أوباما، حاول أن يقوم نوعاً من التوازن في السياسة، فعلى سبيل المثال وازن ما بين إيران الشيعية والإخوان المسلمين، وعلاقاته ما بين السعودية وإيران.
بالعادة، كانت سياسة الرؤساء السابقين لا تظهر بأنها تدعم بالكامل سياسة إسرائيل، بينما الرئيس ترامب هو عكس ذلك حيث أنه يجر المنطقة إلى مأزق كبير. بالنسبة لي، أنا احترم ترامب لأنه واضح بإنحيازه إلى إسرائيل، كما لم تعد الولايات المتحدة قادرة على لعب دور الحكم لكونها أصبحت طرفاً. فلقد أعلن الرئيس ترامب بأنه مع إسرائيل في كل شيء، وهو ما ضر بجميع الأفرقاء المقربين من سياسة واشنطن خصوصاً من كان يعول على دورها الوسيط في حل بعض صراعات المنطقة.
الأستاذ جو
برأيي، هناك إفراط في مشهد العلاقة ما بين ترامب ونتنياهو، فالولايات المتحدة لم تسير في الركب الإسرائيلي في كثير من الأمور. فعلى سبيل المثال، وضعت الإدارة الأمريكية ضوابط على طلبات نتنياهو في خصوص فرض عقوبات على الحكومة اللبنانية. فيما يتعلق بإيران، لا يزال الجيش الأمريكي متحفظاً على أية مواجهة معها وهذا خط أحمر بالنسبة للمؤسسة العسكرية، وهذا مماثل أيضاً لما هو الحال داخل المؤسسة الإسرائيلية. فبالرغم من التصريحات التصعيدية على مستوى المنطقة، نرى بأن الجنوب اللبناني هادئ، المواجهة في سوريا مضبوطة، والأزمات مع العراق تحل بأسرع ما يمكن.
من هنا، يجب علينا الفصل دائماً ما بين التصريحات لإرضاء نتنياهو وبين نتنياهو نفسه، الخبير بلعبة الإعلام والإنتخابات. فالواقع على الأرض، أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية منخرطة في غزة أكثر من أي شيء آخر، وحتى في غزة هناك محاولات ردع ما بين الطرفين، بالتالي الحديث عن مواجهة مباشرة مع إيران أمر مستحيل.
إن إدخال السياسة الأمريكية بأزمة مع دول المنطقة له تداعيات على استقرارها؛ فخطوة الجولان هي شكلية لأن الإحتلال الإسرائيلي لها قائم، فهي هدية مجانية تصرف ضمن السياسة الأمريكية أكثر من السياسة الإسرائيلية. اليوم، هناك شخص، أي الرئيس ترامب، مستعد لأن يتجاوز السياسة الأمريكية ويفرض بعض الأمور، وهو في خطاب سابق له أقر كيف أخذ قرار الجولان بوجود بعض مساعديه، لنرى من خلال ذلك كيف المؤسسة وقفت مصدومة من هذا القرار وهذا الأمر خطير. فإرث قرارات الرئيس ترامب هذه ستكون لها تداعيات خطيرة على مستوى السياسة الأمريكية، وعلى التوازنات في المشرق.
في المقابل، لا اعتقد بأن بإستطاعة نتنياهو جر الرئيس ترامب إلى تنفيذ كل ما يريد، حيث أن الأول نفسه تفاجأ من خطوة الجولان، فهو لم يكن يتوقع صدور قرار مماثل نظراً لوجود ممانعة سابقة من قبل وزارة الخارجية الأمريكية في هذا الشأن.
من هنا، أنا لست قلقاً لناحية حدوث مواجهة، بل قلق على أثر السياسيات الأمريكية لكونها ستؤدي إلى عدم استقرار في المنطقة.
الباحث الأستاذ رياض عيد
من خلال متابعتنا لما يجري ضمن السياسة الأمريكية في المنطقة، نرى أن هناك تناقضاً كبيراً واختلافاً ما بين استراتيجية الرئيس ترامب وسلفه أوباما، بحيث أن جميع قراراته تناقض سلفه ليبرهن أن الإدارة السابقة كانت فاشلة وهو البديل الذي يؤمن مصلحة أمريكا. فلقد كان أوباما أكثر توازناً وتفهماً.
لكن ما لفتني، تخبط السياسة الأمريكية ما بين الدولة العميقة وبين الخارجية. على سبيل المثال، أعلن الرئيس ترامب خروجه من أفغانستان وسوريا، فتأتي الدولة العميقة، أو البنتاغون، لتقول إن هذا القرار، وإن إتخذ، سيتأخر تنفيذه.
ما لفتني أيضاً عند صدور وثيقة الأمن القومي أنها كشفت عن وجود صراع جيو – استراتيجي، استدرجتها إليه كل من روسيا والصين، مما اضطر أمريكا أن تدخل في هذه اللعبة وتخوض غمار هذا الصدام الجيوبولوتيكي. وبالتالي، هي مضطرة لهذا التنازل خصوصاً وأنها افصحت وبكل صراحة عن أعدائها الأساسيين، أي روسيا والصين، والإقليميين، إيران وكوريا الشمالية، وهو ما ينسحب تباعاً على منطقتنا التي تعتبر جزءاً من هذا الصدام الجيو – استراتيجي بين هؤلاء العمالقة.
وبالعودة إلى مثال الإنسحاب من سوريا، نرى أنه وبالرغم من قرار الرئيس ترامب لأكثر من مرة الإنسحاب منها، أتت استراتيجية الأمن القومي كنقيض لهذه القرارات إذ أملت سياسة العسكر عليه بالتراجع. من هنا التساؤل حول من يحكم أمريكا اليوم؟ وهل بإستطاعة الرئيس ترامب السيطرة على الدولة العميقة أم أن الدولة العميقة لا تزال تتحكم بمفاصل القرار السياسي الأمريكي والرئيس ليس أكثر من منفذ لتلك السياسات؟
أيضاً من خلال متابعتنا للشأن الإقتصادي، يمكن القول بأن أمريكا باتت على قاب قوسين من أزمة إقتصادية جديدة 2019 – 2020، ستكون أقسى من أزمة العام 2008 وأقسى من تلك في العام 1929، بمعنى أنه سيكون هناك فقاعة أسهم قد تؤدي إلى انهيارات كبيرة على مستوى العالم. وبربط الموضوع مع ما يحصل في المشرق، تذكرت تعليقاً لأحد الجنرالات أمام الكونغرس عن ماهية الإستراتيجية الأمريكية، فأجاب أنها تكمن في نشر الفوضى الهدامة وإطلاق الصراع فيها بحيث يمتد إلى كل من روسيا والصين، وهذا الصراع قد يؤدي إلى حرب كونية قد تكون لمصلحة أمريكا خاصة أنها قد تؤدي إلى الغاء ديون كثيرة، وتقلص الإحتياطات النقدية لدول كبيرة، إضافة إلى أنها ستفرض وقائع جديدة.
من هنا وفي ظل ما يجري من أزمة اقتصادية، نلاحظ وجود صراع دولي ما بين روسيا والصين، وخلفهما إيران وكوريا الشمالية، من جهة، وما بين أمريكا، من جهة أخرى، مع انتقال المعركة إلى الحديقة الخلفية لواشنطن، أي القارة اللاتينية، خصوصاً وأن هناك معلومات تشير إلى أن لدى الصين وحدها ما يقارب على 184 مليار دولار كإستثمارات فيها، إضافة إلى تهديد الرئيس ترامب، ووزير خارجيته مايك بومبيو، بإزالة النفوذ الروسي منها بالقوة. في ظل هذا الصراع المحتدم، هل هناك من خوف من أن تُقدم أمريكا على مغامرة تعيد من خلالها خلط الأوراق؟
الأستاذ جو
قبل الدخول إلى موضوع الدولة العميقة، أريد أن أشير إلى نقطة قد طرحتها وهي المقارنة ما بين سياسة الرئيس ترامب وسلفه أوباما. صحيح أن أول عامين من ولاية الرئيس ترامب كانت نقض لإرث سلفه، لكنه فشل عملياً في ملفات كثيرة لا سيما بما يتعلق بمسألة الرعاية الصحية “Obama Care”، وفشل في الإتفاق النووي على أن يظل قائم على المستوى الدولي، وفشل أيضاً بتغيير الوضعية العسكرية الأمريكية في المشرق تجاه إيران. في هذه النقطة بالذات، يمكن القول بأن ما يجري عملياً هو نفسه ما تقوم عليه استراتيجية أوباما، إذ لم يتغير شيء، على مستوى الواقع بالرغم من كل التصريحات التصعيدية، من لبنان إلى العراق وكأن هناك إتفاقاً وإدراكاً بعدم الإقدام على أي مواجهة. إلى ذلك، تقوم إيران بتغيير أسلوبها أيضاً خصوصاً وأنها في وضع اقتصادي صعب.
بإعتقادي، لو أن الطرفين قد اجتمعا في نيويورك، من سنة أو أكثر، لكانت الأمور اليوم إيجابية أكثر، غير أن العديد من العوامل داخل الدولتين منعت هكذا لقاء. ولكن أعود لأقول بأن الوضع على الصعيد الإستراتيجي لم يتغير كثيراً.
أما بالنسبة إلى مسألة الدولة العميقة والرئيس ترامب وأحقية القرار، يمكن القول بأن هناك صراعاً كبيراً أبرزه التهميش الكبير لدور وزارة الخارجية حيث أمسك البنتاغون بمفاتيحها، وقريباً ستتم المصادقة على تعيين باتريك شانهان وزيراً للدفاع، الذي سيعطي مفاتيحه للرئيس ترامب. في المقابل، يوجد الجيش بمؤسساته ويحاول فرملة تلك السياسات. في موضوع سوريا مثلاً، لا ننسى دور المحافظين في البقاء فيها وهو أمر أساسي بالنسبة لهم، خصوصاً إذا ما أخذنا ذكاء جون بولتون، مستشار الأمن القومي، في التعامل مع الرئيس ترامب حيث له القدرة في ابتكار العديد من الأمور ليلهي بها ترامب مثل موضوع الناتو العربي وتشكيله خلال 3 أشهر، وبولتون نفسه غير مقتنع به.
والموضوع الثاني الذي أتى به بولتون هو مسألة إمساك الأمريكيين والأوروبيين بالحدود السورية مع تركيا، ولكن لغاية الآن هم لا يزالون غير متفقين عليه بعد، فهناك 400 جندي، من أصل 2000، ولم ينسحبوا حتى الآن كما أن العتاد لا يزال موجوداً، وكانت فاتورة هذا القرار استقالة وزير الدفاع السابق، جيمس ماتيس، الذي كان يرى بأن هناك مصالح أمريكية لا يجوز للبيت الأبيض تجاوزها لا سيما في منطقة المشرق. لكن خوف البنتاغون يكمن في الإنسحاب من العراق أكثر منه من سوريا كونه سيؤثر على بغداد.
فيما يخص سوريا، يمكن القول بأن لدى الروس قناعة بإمكانية التوصل إلى صفقة ما مع الولايات المتحدة حول الإنسحاب من الشمال وقاعدة التنف جنوباً في مقابل خروج القوات الإيرانية، لكنها تعطلت وجزء من أسباب هذا التعطيل كان بسبب الموقف الإسرائيلي.
هذا التخبط داخل إدارة ترامب، وبسبب عدم وجود عقيدة فإن هذه السياسة الإزدواجية سوف تستمر وستتبع ولايته. فلدينا الآن التيار المحافظ الذي يعتبر الموازن الأول.
أما بالنسبة إلى مسألة عدم التدخل، فإذا كان هناك من شخص لا يحب التدخل في الأزمات فهو الرئيس ترامب، بكل بساطة لأنه “بخيل” بمعنى أنه لا يريد صرف أموال. بالنسبة إلى وجهة نظره، لا يوجد قيمة استراتيجية لسوريا وهذا الأمر ليس جديداً، حيث سبق للرئيس أوباما أن عبر عنه في مقابلة له مع مجلة “The Atlantic”، لكن الرئيس ترامب قالها بشكل فظ “أنا أحميكم وأنتم تدفعون”. هذا التفكير موجود منذ الأزل في المؤسسة الأمريكية.
برأيي، إن هذا الصراع سيطول خصوصاً عند النظر إلى السياسات الأمريكية حيث يتبدى بوضوح مدى بقاء عامل الإزدواجية الذي يشكل أساساً للتعامل، فتراها تحاور طالبان وتتشدد تجاه إيران، ولا تهتم لبقاء الرئيس السوري، بشار الأسد، أو مغادرته للسلطة، بينما تهاجم الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو.
أما فيما يخص الوضع الإقتصادي، هناك تعافي لا بأس به في الإقتصاد إذ أن الولايات المتحدة لا تزال تعيش ضمن التداعيات الإيجابية لولاية أوباما، غير أن هناك نوع من التضخم القادم لأن هذا الرئيس، الذي وعد خلال حملته بتحسين الإقتصاد من خلال الإمساك بالميزانية، ينفق شهرياً وسنوياً أكثر وتيرة من الرئيس أوباما. هذا الإنفاق الذي ازداد في الفترة الأخيرة سيكون سبباً في التضخم. بتقديري أن هذا التضخم سيأتي بعد الإنتخابات الرئاسية المقبلة، وهنا سيكون حظ ترامب جيداً. الآن، الميزانية التي قدمها البنتاغون للبيت الأبيض منذ أسابيع، أدخلت عليها العديد من التعديلات الأساسية. فإبتداء من السنة المالية 2020 سيتم توقيف الحساب الذي يمول الحروب في العراق وسوريا وأفغانستان، وستنقل تلك الأموال إلى بند مواجهة الصين وروسيا. فهناك تفكير لدى الجيش الأمريكي أنه قد تم إلهاؤه بقضايا هامشية على حساب قضايا أساسية، لا سيما الموضوع الروسي حيث بدأ بتهديد الأطلسي من البوابة التركية.
فهذه الميزانية الأخيرة للبنتاغون تركت موضوع الحروب للعامين 2020 و2021، وأزالوا بعض الموارد الأساسية التي كانت ستوضع بالمعاهدات العسكرية للردع والمواجهات. كما أن هناك نقاش حول الصين والمنافسة الإقتصادية، بما أن الموضوع على الصعيد العسكري أقل نسبة بكثير، ومع روسيا. غير أن الواضح هو التركيز على الصين، فحتى وزير الدفاع بالوكالة ركز في خطابه على الصين ولم يأتِ على ذكر روسيا، كل ذلك هو امتداد لسياسة ترامب الذين لا يريدان فتح الباب على روسيا بدون ضوء أخضر من ترامب، بينما تعتبر المؤسسة العسكرية، أي الإستخبارات والجيش، روسيا التحدي الأول.
بإعتقادي، أن الولايات المتحدة غير جاهزة لأية مواجهة عسكرية، فهي تنسحب وتحاول أن تعيد حساباتها، خصوصاً وأنها في عهد ترامب تخسر الكثير من حلفائها وتنعزل أكثر. فقيادة أمريكا عبر التاريخ، كانت تكمن في قدرتها على التحكم وهذا ما تخسره الآن، وهذا الأمر سيكون له تأثيرات طويلة الأمد على سياستها بعد أن يرحل ترامب، وأن أي رئيس سيأتي بعده ستكون مهمته الأولى “تنظيف” تداعيات حقبة الرئيس ترامب.
الإعلامي الأستاذ سركيس أبو زيد
تأكيداً على حديثك بعدم بوجود مواجهة، عندما جاء وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، إلى لبنان قال أمام البعض ممن التقاهم أنه لا يوجد حرب وبشكل واضح، وهو ما أثر على بعض المواقف. من هنا، لدي سؤالين؛ الأول، سرب بأن الولايات المتحدة تسعى لإنشاء قاعدة عسكرية بحرية ما بين منطقتي جبيل والبترون. هل لديكم معلومات عن هذا الموضوع؟ السؤال الثاني، هل ستعلن “صفقة القرن” قريبا وهل لديك معلومات عنها كونها لا تزال غير واضحة المعالم؟
الأستاذ جو
بالنسبة للسؤال الأول، لا نية أمريكية لإنشاء قاعدة عسكرية، فهو بنظر الإدارة صرف أموال لا جدوى منه. أما بالنسبة إلى السؤال الثاني، صراحة ليس لدي معلومات حول مضمون الصفقة، فحتى ضمن دوائر وزارتي الخارجية والدفاع لا فكرة لديهم، توجد فكرة واضحة عنها لكونها محصورة بعدد قليل جداً من الأشخاص. هناك فقط تسريبات عن تبادل للأراضي، على سبيل المثال يأخذ الأردن قسماً من السعودية ليتنازل عن قسم منه إلى فلسطين، ومن هنا نرى الصوت الأردني المرتفع لكونه متخوف من أن تتم الصفقة على حسابه.
طبعاً، هذا الكلام مجرد تحليل، فنتنياهو حين يقدم على الصفقة ستنهار حكومته، والسعودية تحاول الآن أن تقطع مرحلة الضغط الدولي وتظهر بشكل منصاع. أما مسألة تأخير الإعلان عنها فهو يصب في خانة الخوف من سقوطها لكون قوتها تكمن بأنها ما تزال سراً كبيراً. بإعتقادي، عندما تخرج إلى العلن ستحرج أكثر السياسة الأمريكية أو تحرج حلفاءها بالأحرى.
العميد ناجي ملاعب
نحن نقرأ عن الواقع الأمريكي ولكنك تخبرنا عنه الآن مباشرة وهذا هو الأهم. إن السياسة الأمريكية محكومة من قبل الإنجيليين الذين ذكرتهم فهم يؤثرون ما بين الحزب الديمقراطي والجمهوري، وهم كما يقول عنهم الكاتب الفرنسي، روجيه غارودي، بأنهم ذهبوا واغتصبوا أرض فلسطين ويبررون هذا الإغتصاب، ارتباطها بمسألة عودة المسيح. فترامب يقوم بإرضاء هؤلاء الذين يقولون إن القدس عاصمة إسرائيل. ونحن عندما نتساءل عما يفعله الرئيس ترامب، نلاحظ بأن البيئة المحيطة به هي بنفس التوجه، والمسألة نفسها بالنسبة إلى الجولان.
بالنسبة إلى السياسة الخارجية للولايات المتحدة، بعد الحروب التي خاضتها في أفغانستان عقب أحداث 11 سبتمبر/أيلول العام 2001، يمكن القول بأنها أصبحت أقرب إلى الواقع خصوصاً وأن صوت العسكريين بدأ يعلو على صوت الدبلوماسيين خصوصاً وأن لديهم تجاربهم الميدانية والتي تجعلهم يضغطون على السياسة الخارجية بشكل أكثر لكونهم يقدرون مدى قوتها الحقيقية.
من هنا، أود القول بأن ليس هناك عدو الولايات المتحدة اليوم خصوصاً أنني لا أرى وجود أزمة اقتصادية قريبة في واشنطن. الروسي اليوم لديه معاناة كبيرة منذ أزمة العام 2014، فالرئيس الروسي ستنتهي ولايته في العام 2024 وهو من اليوم يطلب من شعبه عدم محاسبته على العديد من الإجراءات التي اتخذها لإنقاذ البلاد. في هذا الشأن، قال لي رئيس جمعية الصداقة اللبنانية – الروسية، الدكتور رياض نجم، بأن الرئيس بوتين، ونتيجة العقوبات الأمريكية على روسيا، اضطر إلى سحب اموال صندوق الإحتياط للموظفين ومن ثم مددت خدماتهم 5 سنوات إضافية لكي يستطيع بعدها ملئ الصندوق من جديد.
من خلال ذلك، لا يمكن اعتبار أن روسيا تشكل خطراً على الولايات المتحدة، وتحديداً من الجهة الإقتصادية، كما أنها لا تزال تستطيع فرض عقوبات على الصين بذاتها فيما يتعلق بشراء أسلحة روسية. من خلال ذلك، يتبين بأن واشنطن لا تزال قوية وقادرة على التصرف، وهو ما أشار إليه وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في تصريح له منذ حوالي الشهر جاء فيه أن الولايات المتحدة لا تزال تمسك بورقة “البترو – دولار”، وما زالت روسيا نفسها ملتزمة بالتسعير على أساس الدولار.
بإختصار، المختصر أرغب في المعرفة أكثر عن خطوط النفط. بالنسبة إلى لبنان، لا توجد مشكلة مع الولايات المتحدة طالما أن الأول يدور في فلكها وأنه يتلقى المساعدات العسكرية منها. وفيما يخص قتال حزب الله في سوريا، من الواضح أن يحوز على الرضى الأمريكي وما يبرهن عن هذا الرضا هو عدم فرض العقوبات أو قطع المساعدات، وهذا رأيي كمحلل وليس أكثر.
ولكن، هل وجود سلاح حزب الله بتلك القيمة الضخمة. فهل نحن لدينا فعلاً 100 ألف صاروخ يهددون إسرائيل؟ أم أن وجود هذا السلاح هو جزء من صفقة تتمثل في مرور خط النفط الذي كان يربط ما بين كركوك وحيفا، في العام 1934، وقُطع على أن يمر من منطقة التنف أو إيصال خط طهران – بغداد – دمشق كي يصل البترول الإيراني إلى بيروت مقابل استخراج الغاز الإسرائيلي؟ هل وظيفة سلاح حزب الله هي تأمين للمصالح الإيرانية الاقتصادية؟
الأستاذ جو
فيما يخص موضوع الإنجيليين، يرون بأن اليهود لن يدخلون إلى ما يسمى العالم الجديد، لكن نتنياهو يتقبل سياساتهم لأنه يقوم بصرف الثمن في أماكن أخرى.
بالنسبة إلى موضوع الصواريخ، لا أعتقد أن هناك تحولاً كبيراً. فعلى المستوى اللبناني، أعتقد أن حزب الله وإسرائيل راضين عن الستاتيكو الموجود ضمن القرار 1701 ولا يوجد قرار بالتصعيد. كما أعتقد بأن حزب الله كقيادة عمليا خرجت من سوريا، أما الإعلان عن هذا الإنسحاب فيحتاج إلى قرار إيراني. لكنني لا أرى بأن هناك ارتباط بينها وبين مسألة الغاز لكون غاز المنطقة لا يشكل أكثر من 1% من نسبة الغاز العالمي، لكنه يساعد الأوربيون في التخفيف من الغاز الروسي، ولذلك لن يكون هناك تداعيات على صعيد السوق العالمي للغاز.
غير أن الأهم من موضوع النفط هو السيطرة على الخط الأرضي، فمن الواضح بأن إيران تريد تفعيل الخط حتى بيروت وهو ما بات صعباً على أمريكا توقيفه برغم كل ما فعلته في سوريا، التواجد في التنف هو من أجل مراقبة هذا الخط لضبط الأمور. لكن المشكلة تكمن في أن واشنطن قد تأخرت في العراق بحيث استطاعت إيران الإمساك بالأوضاع على المستوى السياسي، وكذلك فعلت الولايات المتحدة في سوريا بمعنى أن طهران قد سبقتها بخطوة، وأعني مرحلة ما بعد الحرب.
فالأهم، حسب اعتقادي، يتمثل في خطوط الإمداد على مستوى الطرق من بيروت – دمشق – بغداد – طهران. أما موضوع النفط في المنطقة فلم يعد بنفس الأهمية، كما قبل سنوات، فالتفكير تغير اليوم. أتردد لأن أقول ولكن من الواضح بأن حزب الله أصبح أكثر تماهياً مع إيران لا سيما في الشق الإقتصادي، وبنفس الوقت هو يقوم بإدارة الصراع. فبالعودة إلى مقابلة السيد حسن نصر الله، على شاشة قناة الميادين، ذكر أنه ليس بوارد مواجهة لأنه هناك رغبة من الجميع للإستفادة. ومن هنا أعود وأكرر بأن الجانبين، حزب الله والإسرائيليين، راضون على القرار 1701 وهذه المعادلة لن تتغير، سواء بقي ترامب أم تغير.
العميد د. دريد زهر الدين
فيما يخص التقارب الأمريكي – الروسي، أود الإشارة إلى مسألة مهمة وهي أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، أيهود أولمرت، هو يهودي روسي أرثوذكسي بتفكيره، وبالتالي فإن الزر النووي هو بيد “الروسي الأمين”.
أما الموضوع الثاني الخاص بالنهوض اليهودي، فهناك الحديث عن السامريين الذين يتعايشون مع الفلسطينيين ويتطلعون إلى حل الدولتين، وهم مرفوضين من قبل اليهود الحاكمين، ومعهم 3% من الحاخامات اليهود الأرثوذكس الموجودين في الولايات المتحدة غير الخاضعين للسيطرة اليهودية. وبالتالي، لا يوجد لهم أي تأثير في موضوع قيام الدولتين، فلسطينية وإسرائيلية، كون اليهودي التلمودي هو من يحكم اليوم.
فيما يخص “عفوية” الرئيس ترامب، يمكن القول بأنها تسبب الإحراج لحلفائه. فبعد تقسيم المنطقة من قبل البريطانيين والفرنسيين، أصبحت المقدسات شيء أساسي ومهم للقاطنين في المشرق. ولكي يستطيع التدخل في المنطقة، كانت أولى خطواته استخدام كلمات معينة لها مدلولات استراتيجية مهمة. أما الخطوة الثانية فهي الإعتراف بالقدس ونقل السفارة، وهو ما قد يجعل السبحة تكر. أما الخطوة الثالثة، ضم الجولان.
وبالحديث عن الأزمة الإقتصادية في عهد الرئيس أوباما، نرى بأنها لم تأثر على الرئيس ترامب. هل سيغير المحافظين السياسة في المنطقة بمفهوم السانتكوم (القيادة المركزية الأمريكية)، المستقل عن السياسة الخارجية، التي تقوم بأخذ القرارات؟
بالنسبة إلى موضوع إيران، يمكن القول بأنها تختزن ما يقارب الـ 220 مليار برميل من النفط، وعلى أحد أكبر احتياط غاز طبيعي، بالإضافة إلى التنسيق مع الروس خصوصاً على بحر قزوين. أيضاً، إن فارسية إيران يجعلها متحكمة في فرس أفغانستان السنة، فهي تحمي إسرائيل من خلال تنسيقها مع كردستان العراق. إضافة إلى ذلك، هناك أهمية كبيرة لوجودها على بوابة وسط آسيا وسهولها حتى منغوليا وترابطها مع الصين. برأيي أنها اليوم تتعاطى بالإقتصاد وليس بالإستراتيجيا كما كانت من قبل، فلغة المصالح غالبة على سياساتها الخارجية.
والسؤال، هل سنشهد إنشاء منطقة فلسطينية بدايتها عل نهر الأردن تبدأ من العام 2021، وإعادة هيكلية المنطقة بالتنسيق مع روسيا؟
الأستاذ جو
بدون شك هناك ديناميكيات كثيرة في المنطقة على غرار ما يحدث في سوريا والعراق في الفترة الأخيرة، أي أنه من الواضح بأن هناك ديناميكيات جديدة لا سيما مع دخول روسيا على الخط ناهيك عن الموقف التركي أيضاً. فهناك كثير من الأمور توحي أن هناك ديناميات تتشكل في المنطقة، لكن دائماً لدي تحفظات على مسألة بأن هناك نظرة أمريكية على تشكيل المنطقة إذ لا قدرة لواشنطن. لذلك، أنا دائماً حذر من موضوع أن هناك رغبة أمريكية من إعادة تشكيل للمنطقة، وأنها ستتغير برغبة الأمريكيين أو بعدم رغبتهم أو بقدرتهم أو عدم قدرتهم. فاليوم، النفوذ الأمريكي ليس بحجم كما كان قبل 20 عاماً، فالمنطقة تتغير ونظرتها إليها تغيرت أيضاً.
ولكن، هناك المحاولة الأكثر جدية لترامب والتي تتمحور حول تغيير أسس القضية الفلسطينية ومحاولة جعلها جزءاً من الملف الإسرائيلي أكثر من أن تكون قضية بحد ذاتها. وما يساعدها في هذا الأمر، هو تخبط الموقف العربي وعدم وجود موقف موحد، إضافة إلى صعود اليمين الإسرائيلي، وعدم وجود موانع داخلية في الولايات المتحدة نفسها على عكس السياسات السابقة. لكن مشكلة الرئيس ترامب تكمن في ازدواجية المواقف بحيث أنه يقوم بالشيء وعكسه في نفس الوقت. على سبيل المثال، فهو يريد مساعدة من العرب بالتواصل مع إسرائيل وفي نفس الوقت يريد أن تكون فلسطين جزءاً من إسرائيل، ومثال آخر مع المملكة العربية السعودية بما يتعلق بمسألة مقتل الصحافي جمال خاشقجي.
هناك الكثير من الأمور المتناقضة في سياسته، فإلى أي مدى ستنجح محاولته، عبر “صفقة القرن”، بتغيير معالم القضية الفلسطينية، أنا اعتقد أنها لن تغير شيئاً بل ستبقى الأمور كما هي على أرض الواقع لجهة عدم وجود رغبة إسرائيلية في السلام، وعدم استعداد الفلسطينيين للتخلي عن المشروع الوطني ومنقسمين غزة بمكان والضفة بمكان. فكل هذه الأمور ستبقى على ما هي عليه في المدى المنظور. قد يكون هناك نوع من التحجيم، كعزل السلطة أو وقف المساعدات، ولكن بالعموم لن يتغير شيء، فالوضع الفلسطيني صعب لكنه لن يتغير إلى مرحلة جديدة وكل ما تغير أن الأمريكي لم يعد طرفاً محايداً وهذا ما قد يرتد سلباً على دوره في المدى البعيد، إذ كانت واشنطن في السابق لا تريد الذهاب إلى النهاية في هذا الموضوع على عكس ما يحصل اليوم حيث يبدو أنها قد “خلعت القفازات”.
بالعودة إلى موضوع إعادة تشكيل المنطقة، فحتى أيام رئاسة جورج بوش الإبن لم تكن هناك نظرة أمريكية لإعادة تشكيل المنطقة ولولا ذلك لما كان كسر إرادة الجيش حيث قام وزير الدفاع السابق، دونالد رامسفيلد، بعزل قيادات عسكرية كبيرة من الجيش. وعندما هدد بوش بضرب إيران، العام 2006، وضع الجيش فيتو على هذا الموضوع إذ هدد عدد كبير من الجنرالات بالإستقالة. أما الرئيس ترامب، فقد حاول التودد إلى الجيش، وهو ما انعكس على موضوع إقالة جيمس ماتيس.
في مسألة مهمة هنا، الجيش لا يريد مهادنة إيران ولكن وبنفس الوقت لا يريد أن يكون هناك علاقة حب وغرام بينهما. إلى ذلك، هناك قناعة داخل الجيش بأنه يجب إيجاد قناة اتصال مباشرة مع الإيرانيين لا سيما فيما يتعلق بمضيق هرمز والقطع البحرية الأمريكية التي تعبر فيه. ففي حال حدوث أية مواجهة، كيف هي آلية الإتصال؟ في السابق، كانت هناك قناة اتصال مفتوحة ما بين وزيري خارجية البلدين، جون كيري ومحمد جواد ظريف، اللذين استطاعا حل الكثير من المشاكل. أما الآن، هذه القناة لم تعد موجودة.
في خلاصة هذا الموضوع، لا يوجد هناك رغبة أمريكية، ولا قدرة، لإعادة تشكيل المنطقة. فهم كمن يطلق النار على قدمه بالنسبة إلى السياسة الخارجية على المدى البعيد، وهنا تكمن أزمة الإزدواجية بين واشنطن وسياسة الرئيس ترامب.
الدكتور إياد سكرية
بخصوص السياسة الأمريكية، أريد أن أطرح أربعة اسئلة. السؤال الأول، يوجد لدينا تساؤل في العالم العربي لجهة من يؤثر أكثر القرار الأمريكي على العدو الإسرائيلي أم العكس؟
السؤال الثاني، في العام 2001 وقعت أحداث 11 سبتمبر/ايلول فأسقط الأمريكي طالبان بأفغانستان، وفي العام 2003 أسقطوا نظام صدام حسين في العراق، وفي العام 2005 استشهاد رفيق الحريري حيث صدر قبله القرار الشهير 1559 في العام 2004، وفي العام 2006 وقعت حرب تموز، وفي العام 2008 انطلقت الحرب على غزة وبدأ يتأسس من هنا محور الإعتدال والمقاومة، وفي العام 2011 بدأ “الربيع العربي”. خلال كل هذه الأحداث هل يمكن القول بأن الولايات المتحدة هزمت وفشلت أم العكس؟
السؤال الثالث، يتطرق إلى ما يحدث في كل من السودان والجزائر وفنزويلا. فهل هناك مؤامرة أمريكية كما نقول دائماً في العالم العربي؟ فإذا نظرنا إلى ما حدث في تونس، جاء رجل بسيط وحرق نفسه لأسباب معيشية ولا دخل لواشنطن في هكذا حالة فردية ولكن قد استطاعوا الدخول على الخط، بما لديهم من براغماتية. فمن خلال قراءتك ورأيك، هل ترى بأن الولايات المتحدة تقف خلف تلك الأحداث؟
أما السؤال الرابع والأخير، تحدث السيد حسن نصر الله بخطاب “التحدي” وتوجه إلى الأمريكيين بالقول “بتعرفو تاريخنا”. ولكن، هل برأيك سيدخل الأمريكيون على خط “السلاح الأخطر” ألا وهو سلاح العقوبات وبالتالي قد ترتفع الأسعار بشكل مخيف مما يقلب الداخل اللبناني سلباً على حزب الله؟
الأستاذ جو
بالنسبة للسؤال الأول، كان هذا هو الإتجاه العام بشكل عام لدى واشنطن، لكن هناك استثناءات. فنتذكر أيام بوش الأب حيث أخذ وزير خارجيته، جيمس بيكر، بعض القرارات التي لم تعجب الإسرائيلي كموضوع العراق والإتفاقات مع سوريا، مؤتمر مدريد 1991، إضافة إلى الرئيس بيل كلينتون كان متردداً. لكن دائماً موضوع أمن إسرائيل هو أساس في السياسة الأمريكية، لكن لا يعني أنها لا تخدم مصالحها.
في إشارة إلى موضوع مهم هنا، أن الإعتماد الأمريكي على النفط السعودي خف ولم يعد استراتيجياً كما كان في السابق، من هنا قال الرئيس أوباما إنه كان لديه استعداد أكبر على التحدي، أما الرئيس ترامب فهو يفكر أكثر بالمال والإستثمارات. اليوم، يوجد استثناء لجهة أن يكون هناك رئيس لا تمر علاقته مع إسرائيل عبر المؤسسات بل عبر صهره، بطريقة مباشرة، ولا تغربل أو تناقش في الخارجية. فـ “صفقة القرن” لم يطلع عليها أحد بما فيهم بومبيو، الذي لديه معلومات عن جزء منها فقط. فلأول مرة، لم تلعب المؤسسة الأمريكية دوراً، ولأول مرة لم نرَ أية ممانعة من الكونغرس على موضوع القدس مثلاً، فنحن أمام واقع استثنائي يتمثل في رئيس يخطف الملف بشكل كبير، لكنها عندما تعلن ستنفجر وسترتد. أعتقد أننا سنصل إلى هذه المرحلة، ولكن أتمنى ألا يكون الثمن كبيراً، كأن يكون الثمن كبيراً في غزة. من هنا لا أرى أي حل سيقدمه الرئيس ترامب في المرحلة المقبلة سيرضي نتنياهو، فالمشكلة حول لوم رمي الفشل على طرف آخر.
بشكل عام، أمريكا هي التي تقود المنطقة، وحتى الآن هم يريدون أن يروا تحالف عربي – إسرائيلي ضد إيران فهذه هي المعادلة، لكن هو مخيف هو عدم مرورها ضمن المؤسسات أو وجود ضوابط لها وهذا سيكون مكلفاً للسياسة الأمريكية وللمنطقة، لكنني آمل ألا يكون ثمن ذلك مواجهة في غزة وهذا الأمر غير مستبعد لأن غزة يوجد فيها عشرات اللاعبيين الإقليميين، فالضفة لا تملك قرار ذاتي. فالمحاولة هي توسيع غزة جغرافيا مع مصر من ضمن “صفقة القرن”، والضفة تكون أكثر خضوعاً للحسابات الإسرائيلية وهذا له كلفة كبيرة لكونها تعد قنبلة ديموغرافية ترتد على الجميع. فمن الممكن أن يكون هذا الثمن من “صفقة القرن”، لكن الآن الأمريكي من يدير اللعبة ونتنياهو يستمتع في هذه الجولة حتى إشعار آخر.
بالنسبة إلى السؤال الثاني، انهزمت الولايات المتحدة بشكل عام بمعنى أنها تراجعت. فلقد كان إسقاط صدام حسين فرصة للإيرانيين للتخلص من أعداء تاريخيين، على سبيل المثال. لكن بنفس الوقت لم يكن هناك خسارة كاملة إذ لا يزال الأمريكي، بالرغم من كل تراجعاته، يلعب دوراً أساسياً، فمثلاً أي غطاء للحل في سوريا، يريد الروسي إشراك الأمريكي فيه، وبذات الوقت أمريكا لا تستطيع أن تثبت في العراق ولبنان بدون إيران، فالحاجة مشتركة مبطنة. كما أن “الربيع العربي” أربك واشنطن وأعطى فرصة لظهور تنظيم “داعش”، ما استدعى تدخل أمريكي. لقد عاش الرئيس أوباما بمعضلة كبيرة فهل سيستجيبون للشباب العربي أم النظام، وبوش الإبن أسقط أول نظام عربي، إذ كان هناك خيار كبير لأوباما ودفع ثمنه من خلال دعمه الإخوان المسلمين وتساهله حول ذلك. لقد حدث إرباك ضمن المؤسسة الأمريكية لكونها لم تتوقع كل هذه الأحداث بهذه السرعة. أما الحديث عن أن “داعش” هو صنيعة أمريكية، فهذا الموضوع يمكن أن يكون صحيحاً بمعنى غير مباشر إذ أن اتخاذ قرار حل الجيش العراقي كان أحد الأسباب، والكثير من أعضائه قبع في السجون وأبو بكر البغدادي واحد منهم. اعتقد أنهم قد رأوا في “الربيع العربي” فرصة، فأُنشئت “داعش” من تحالفات بين المجموعات التي هربت من الجيش العراقي والمهاجرين الذين قدموا من دول آسيوية.
فيما يخض السؤال الثالث، أعتقد أنه يجب فصل ما يحدث في كل من الجزائر والسودان عن فنزويلا التي تسيطر عليها حساباتها الداخلية بشكل كبير أمريكا لكون الرئيس ترامب سيستعملها في الإنتخابات بشكل يومي، لكنه لم يتجاوز الخطوط الحمر بمعنى اللعب على النفط الفنزويلي أو الخيار العسكري فالجيش واضح حول عدم خوض هذه المغامرة. فاليوم هم أمام ستاتيكو معين بأنهم غير قادرين على إزاحة الرئيس نيكولاس مادورو ولا الأخير يستطيع الخروج من أزمته. فالمغامرة الأمريكية بفنزويلا سمحت للتوسع الروسي، الذي لن يكون على مستوى عالٍ. فالرهان الأمريكي اليوم يكمن في إسقاط حكم الرئيس مادورو عبر استنزافه، لكنه يمسك بزمام الأمور جيداً عبر الجيش حيث راهن الأمريكيون على التفاوض مع الجيش وفشلوا، كذلك الأمر بالنسبة إلى العقوبات. وكما الحال بسوريا، من الصعب قلب النظام إذا كان الحاكم ممسك بمفاصل الحكم عبر الجيش. بالنسبة إلى هذه الموضوع، أرى بأن لا نية للولايات المتحدة بقلب الطاولة، والموضوع مستمر لعدة أعوام لكون التدخل العسكري مكلف على الجميع خصوصاً على حلفاء واشنطن الجدد، كالبرازيل على سبيل المثال.
أما النسبة إلى الجزائر والسودان، اعتقد أنها مرتبطتان أكثر بالإحداث في البلدان العربية؛ فمن جهة هناك مد شعبي جديد، ومن جهة أخرى محاولة لإسترجاع دور العسكر في الحكم مدعوم من بعض الدول العربية. وهو ما يظهر جلياً في مسألة ليبيا، فعودة العسكر هي مهمة نظراً لما خلفته تجربة “الربيع العربي” من فوضى. برأيي، الأمريكيين غير معنيين بهذين البلدين؛ فالجزائر لم تكن مرتبطة بها على عكس فرنسا، والاهتمام الأمريكي بالسودان كان في جزئه الجنوبي، فهم كغيرهم، من الروس والخليجيين، لم يكن لديهم مشكلة مع الرئيس السوداني السابق، عمر البشير، ومع ذلك سقط بسبب وجود حالة شعبية. خلاصة القول في هذا الشأن، لا يمكن القول بأن الأمريكيين غير معيين ولكن واشنطن تترك الأمر لأطراف اخرى كي تتابع التفاصيل.
بالنسبة إلى السؤال الرابع وموضوع الأمريكي ورسائل السيد نصر الله والعقوبات، فرسالة السيد الأخيرة كانت واضحة بأنها رسالة إيرانية إلى الأمريكيين لكونهم يعلمون بأنه قادر على توصيل الرسالة بشكل أفضل من أي أحد آخر؛ فسياسة أمريكا، منذ العام 2005، كانت دائماً لديها سؤال حول كيفية الضغط على حزب الله مع عدم تقويض الدولة اللبنانية، فهذه المعضلة لا تزال إلى الآن وأصبحت أكثر استعصاءً على الرغم من أن لدى أمريكا نفوذ مع الجيش وتأثير على النظام المصرفي. يمكن القول بأن هناك معادلة استقرار في لبنان، منذ العام 2016، وهي قائمة حتى إشعار آخر، فحلفاء أمريكا يعلمون بإن واشنطن لن تقف مهم في حال كبرت المواجهة، على غرار سيناريو العامي 2002 و2008، حيث علا الصراخ ولم يأتِ أحد.
من هنا، يمكن القول بأن البيئة اللبنانية غير جاهزة لكون الضغط يحتاج إلى مقومات وهي غير متوفرة، وقد لمس الوزير بومبيو ذلك خلال زيارته الأخيرة على بعض المسؤولين، بمن فيهم رئيس الحكومة سعد الحريري. إن فرض عقوبات على لبنان فيه الكثير من المخاطر لا سيما بما يخص المفاوضات مع إسرائيل، واللجوء السوري؛ بالتالي، إن الإتفاق الأمريكي – الإيراني الضمني في لبنان لا يزال قائماً. حتى الآن على الأقل، لا يزال هناك ممانعة من الجيش الأمريكي وحتى السفارة في لبنان بعدم الذهاب بعيداً في الموضوع، فحتى رسالة التي تم توجيهها إلى رئيس مجلس النواب، نبيه بري، بفرض عقوبات لن تحدث. اعتقد أن الوضع اللبناني سيبقى على ما هو عليه حتى إشعار آخر، فالأمريكي لديه نفوذ فيه لبنان لن يخاطر به، فقد يكون هناك بعض المشاكل الداخلية لكن على مستوى العناوين العريضة البلد مستقر، فهناك انتخابات حدثت، التي تعد اتفاقاً منقحاً للإنتخابات الرئاسية، وحكومة تشكلت وتقوم بتسيير أعمالها بشكل طبيعي.
الدكتور هادي دلول
ما الذي دفع بالرئيس ترامب إلى الغاء الإتفاق النووي مع إيران؟
الأستاذ جو
هناك عدة عوامل. أولها وبكل بساطة لأن الإتفاق أبرمه الرئيس أوباما. أيضاً، لأنه سمح للإيرانيين بأخذ بعض من الأموال المتحجزة ولم تقوم بتغيير سياستها. إضافة إلى أمر مهم ايضاً وهو اعتبار الرئيس ترامب بأنه يجب إضافة أمرين على الإتفاق موضوع صواريخ الباليستية وتغيير السلوك الإيراني. فلذلك، اعتبر الرئيس ترامب، وبعض الأشخاص من تياره، أن هنالك تماهياً بين الإيرانيين والرئيس أوباما إذ لم تأخذ منه واشنطن ما تريد.
د. هادي
في العام 2015، تم نقاش التوترات في الشرق الأوسط، ونقاش موضوع الضغط على إيران بما يتعلق بإنهاء التوترات المتعلقة بالملف النووي، حيث تم التوافق بالخروج إلى لوزان وإنشاء مذكرة بحل التوتر التقني والعسكري النووي في المنطقة، وإثبات أنه لا يوجد أي تجاوزات خصوصاً وأن السنوات الماضية، قبل العام 2015، كان هناك مد وجزر بعملية دخول وخروج الوكالة الدولية للطاقة الذرية والسماح لها، إلى جانب أن التقارير كانت ضبابية، غير معروفة الرموز والأرقام والنسب والمساحات لا سيما بعد التوتر في عملية وجود مفاعل داخل مدينة قم الإيرانية، المفاعل الجديد الذي تم ربطه بمفاعلات أخرى سجلت سابقاً.
ففي العام 2015، تم الحديث عن ايجاد صيغة ترضي الأسرة الدولية وبنفس الوقت تثبت بأن إيران ليست دولة نووية عسكرية بل هي دولة تقنية نووية. حينها كان العزم بالذهاب إلى لوزان إذ تم الاتفاق فيها بالقيود بحيث يتم وضع كل المسودات لعملية النقاش بالشروط. كانت مذكرة لوزان، وثيقة مؤلفة من 150 صفحة، تتضمن كل البرنامج من الألف إلى الياء، ويعمل عليها مدة 90 يوماً، منها بند تقني نظري وآخر عملي، النظري أي الأعمال الورقية، والعملية تتعلق بلجان التفتيش تضمن عدم القيام بأعمال تخصيب الـ 20% التي تمت في إيران.
من هنا، قامت العملية في لوزان العمل على هذا الأساس، وبالفعل كان هناك رعاية روسية – صينية على مسألة الرقابة، وعملية تخزين 1500 جهاز طرد مركزي، حيث أننا كنا نخصب بنسبة 20% قبل العام 2015، ومن ثم تم إنزال نسبة التخصيب إلى 4.2% التي تطلب تخزين 1500 جهاز طرد مركزي بحيث إذا حدث أي قصور في الأجهزة الأخرى يتم الإستفادة منها، وبذات الوقت تضمن الأسرة الدولية بتقديم الوقود النووي بـ 20% بحيث أننا نستطيع العودة لتشغيل البرنامج، فالتخصيب من 0 – 20 لن يكون داخل إيران، بل سيكون من 0 – 4.2 بحيث تأخذ أوروبا المادة وتخصبها وتعيدها لإيران. كل ذلك قبل انقضاء مدة الـ 90 يوماَ ليتبين أن إيران ليست دولة عسكرية.
كل ذلك كان موجوداً في مذكرة لوزان وهو ما لم تعارضه الولايات المتحدة التي كانت موافقة على البرنامج العسكري الإيراني الدفاعي، والدليل أنه لم يدرج أي بند في المذكرة يتعلق بالشؤون العسكرية الإيرانية. الحيثية الوحيدة التي تم التطرق إليها في موضوع الأمم المتحدة والسلاح الباليستي الإيراني كانت في نص الجزئية 31 من البند 22 التي تنص على التزام إيران بعدم تطوير السلاح الباليستي إلى مستوى يكون قابل لحمل رؤوس نووية.
لكن المشكلة وقعت في جنيف بعد شيوع تسريبات بأن إيران لم تلتزم وأن هناك تجاوزات من جانبها، وأن موسكو بحاجة إلى ثلاثين يوم إضافي على أن يتم تأجيل مؤتمر جنيف لتعالج المسألة. وصل هذا الكلام إلى إسرائيل التي بدورها ضغطت على الرئيس أوباما بأن يتدخل ويمنع تأجيل المؤتمر.
تم تصوير الموضوع وكأن إيران وقعت ولديها أزمة، لكنها فاجأت الأسرة الدولية بحضور وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، وبدخوله طلب 30 دقيقة أو 45 دقيقة لشرح المشاكل التي اعترضتهم. بداية، اعتقد الحضور أن الوزير ظريف يحاول المماطلة لتأجيل المؤتمر مما استدعى رفضاً من قبل الأمريكيين مهدداً بعودة العقوبات والتشدد فيها أكثر. حينها، تحدث الوزير ظريف، ضمن الوقت المدرج على جدول أعمال المؤتمر، مشيراً بأن كل التسريبات كانت غير صحيحة وبلاده جاهزة لكل شيء. لكن الوزير ظريف رفض ومنحهم فقط بحدود 25 دقيقة متحججاً بأنه سيقع في مشكلة إذا ما عاد إلى بلاده من دون اتفاق. عندها، اضطر الأمريكيون إلى سحب العقوبات.
السؤال هنا لماذا تتمسك الولايات المتحدة بالعقوبات؟ الجواب يكمن في أن توقيت فرضها تزامن مع وجود كل من ميخائيل غورباتشوف وبوريس يلتسن على رأس السلطة في روسيا، أي أن الدول 5+1 كانوا متحدين. أما اليوم، فإن أردت إزالة العقوبات، لن تكون العقوبات مؤثرة بوجود روسيا والصين، وبنفس الوقت لا تستطيع إرجاع العقوبة السابقة في حال مخالفة الإتفاق وإلا ستقع المواجهة مع روسيا والصين وهذا أمر مستحيل. لذلك، كانت الفاجعة على أمريكا وإسرائيل زوال هذه العقوبات.
بعد الإنسحاب الأمريكي من الإتفاقية في العام 2018، هدد عدد من أعضاء مجلس الشورى الإيراني بالخروج من اتفاقية خظر انتشار الأسلحة، وبالتالي من الوكالة الدولة للطاقة النووية تباعاً، ولكن تم التوصل إلى حل بالبقاء في الإتفاقية مع العودة لما هو قبل العام 2015 للتخصيب لغاية 20%.
فلو أتينا بمطلع أو نهاية 2017 وقلنا إن هذا الإتفاق لا يخدم إيران وانسحبنا منه، فكيف سيكون موقف الأمم المتحدة منا؟ الأمر نفسه حدث مع الرئيس ترامب عندما قال إن لا مصلحة له من الإتفاق وانسحب منه.
الأستاذ جو
أقدر كا ما تفضلت به ولكن موضوع الإنسحاب من الإتفاق لم يكن تقنياً. كان هناك إدارة لديها نظره بأنها لا تريد أن تخوض معارك نيابة عن أحد، كالسعودية مقابل إيران، وانسحبت بشكل استراتيجي، هذا بشكل عام. أما بالتفصيل، فأن الرئيس ترامب وفريقه يعتقدون بأن الرئيس أوباما لم يُخضع إيران بالشكل الكافي في وقت كان هناك فرصة للضغط عليها مما يسمح بتغيير المعادلات. إلا أن المشكلة في الإتفاق النووي مع الرئيس ترامب وفريقه ليست تقنية.
د. علوان
نشكر حضوركم جميعاً على أمل أن تكون الجلسة مفيدة وممتعة.