شارك الخبر

يارا انبيعة

الإجتماع الثلاثي اللافت في تل أبيب بين روسيا والولايات المتحدة وإسرائيل، الذي عقد في 25 يونيو/حزيران 2019، وضع على أجندته، بحسب ما أُعلن، موضوع واحد وهو الوضع في سوريا، فقد بحث أفكاراً تتعلق بالحل النهائي في سوريا، ووضعها المستقبلي.

كان الواضح من مواقف تل أبيب وواشنطن، قبل الإجتماع، أن التركيز سيكون على طلب وحيد وهو إخراج إيران من سوريا، ولكن هناك العديد من التساؤلات: ما هو المقابل الذي ستقدماه تل أبيب وواشنطن لقاء تعاون موسكو في هذا الشأن؟ كيف ستحقق موسكو هذا الطلب الآن في وقت ما تزال المعارك طاحنة في الشمال السوري، وما زال الأمريكيون متواجدون على الأراضي السورية ويدعمون تشكيل كيان كردي شرق الفرات، وكذلك تمدد تركيا شمالا وتمركزها في إدلب، ودعمها العلني لفصائل عسكرية بعضها مصنف إرهابياً وفق التقييم الدولي؟

تعاون “سري وثيق”

قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في مستهل القمة الثلاثية التي تجمع بين مستشاري الأمن القومي الأمريكي والروسي والإسرائيلي في القدس المحتلة “يسرني جداً أن أكون هنا مع السفير جون بولتون مستشار الأمن القومي الأمريكي ومع نيكولاي باتروشيف سكرتير مجلس الأمن التابع للفدرالية الروسية ومع مائير بن شبات مستشار الأمن القومي الإسرائيلي وذلك بحضور السفيرين الروسي والأمريكي لدى إسرائيل وسفيري الأخيرة في واشنطن وموسكو والوفود الكريمة من الدول الثلاث الذين جاؤوا إلى القدس لحضور هذا المؤتمر التاريخي الذي يسرنا استضافته.”

وقد علل نتنياهو وصف القمة الثلاثية بـ “التاريخية” لكونه أول لقاء بين مستشاري الأمن القومي في الدول الثلاث يعقد، على حسب تعبيره، في “عاصمتنا القدس”. وشكر نتنياهو الرئيسين الأمريكي، دونالد ترامب، والروسي، فلاديمير بوتين، لموافقتهما على عقد هذه القمة الأمنية ولإرسال أكبر مستشاريهما للمشاركة، مثمناً كثيراً العلاقات المتينة التي تقيمها إسرائيل مع الرئيسين بوتين وترامب، ومؤكداً على بعض التسريبات التي تحدثت، في الماضي، عن تعاون “سري وثيق” بين إسرائيل وروسيا بقوله “كما قلت مرات عديدة سابقاً، العلاقات الإسرائيلية الأمريكية وصلت إلى قمم جديدة تحت قيادة الرئيس ترامب وأسوة بذلك، إسرائيل ممنونة على أن صداقتها مع روسيا أصبحت أقوى من أي وقت مضى خلال السنوات الأخيرة.”

كما كشف نتنياهو أنه تحدث مع الوفدين الأمريكي والروسي حول قضايا ثنائية خاصة التحدي المتمثل بتحقيق الأمن والإستقرار في المنطقة، وتابع “بناء على مناقشاتنا، أؤمن بأنه توجد هناك أرضية أكبر للتعاون بين دولنا الثلاث مما يصوره البعض، هذه القمة تشكل فرصة حقيقية للمساهمة في تحقيق الإستقرار في منطقتنا خاصة في سوريا.” وحسب البيان قال نتنياهو في كلمته “كما تعلمان إسرائيل تحركت مئات المرات من أجل حرمان إيران من التموضع عسكرياً في سوريا إذ تدعو إيران بشكل علني وعملي إلى تدميرنا وتعمل على تحقيق ذلك، تحركنا مئات المرات من أجل منع إيران من تزويد حزب الله بأسلحة متطورة أكثر وأكثر ومن أجل منعها من فتح جبهة أخرى ضدنا في الجولان”، لافتاً إلى أن إسرائيل ستواصل العمل على منع إيران من استخدام أراضي الدول المجاورة كمنصات لشن الإعتداءات عليها، وأن هذه سترد بقوة على أي عدوان.

رسمياً، يزعم نتنياهو أن الدول الثلاث تريد أن ترى سوريا تنعم بالسلام وبالإستقرار وبالأمان وأن هذا هو الهدف المشترك بينها، وأن هناك هدفاً مشتركاً آخر وهو “الهدف الأكبر” الذي يتمثل بضمان خروج القوات الأجنبية التي دخلت إليها، بعد العام 2011، مدعياً وجود سبل لتحقيق هذا الهدف المشترك الذي يخلق شرق أوسط أكثر استقراراً أو على الأقل في هذا الجزء من المنطقة، معتبراً انسحاب القوات الأجنبية من سوريا أمر جيد بالنسبة لروسيا وللولايات المتحدة ولإسرائيل، ومشيراً إلى أن إسرائيل تتطلع لمناقشة سبل عملية لتحقيق هذا الهدف الذي يعتبر حيوياً من اجل تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2254 بشكل ناجح، وتأمل بأن هذه القمة ستساهم في جلب الأطراف الثلاثة أقرب من تحقيق هدفها المشترك وهو تحقيق السلام والازدهار والأمن.

إنضاج الظروف

مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، مائير بن شبات، قال “سبقت اللقاء محادثات معمقة ومطولة بين رئيس الوزراء وزعيمي البلدين على مستويات مهنية عززت الشعور بأن الظروف قد نضجت لهذا الحراك الدبلوماسي”، معتبراً أن عقده في القدس يشكل دليلاً على مكانة إسرائيل وعلى الثقة التي تحظى بها من قبل روسيا والولايات المتحدة وعلى الوزن الذي يولى لمواقفها حول القضايا العالقة على الأجندة الإقليمية والعالمية.

وتابع بن شبات، مصوباً على طهران التي ما زالت تتعرض لضغوط أمريكية، أن “تحقيق الأمن والإستقرار في منطقتنا يعتبر هدفاً مشتركاً لنا جميعاً، نتمنى ذلك أيضاً لدول وشعوب أخرى في المنطقة وخارجها، ولكن لا يمكن تحقيق ذلك بدون كبح جماح الطموحات والتحركات الإيرانية، الإعتداءات الأخيرة تؤكد على هذا الاستنتاج الذي يجب التعاطي معه في إطار أي مخطط للتسوية.”

الباب مفتوح

من جانبه قال مستشار الأمن القومي الأمريكي، جون بولتون، إن باب الرئيس ترامب مفتوح للمفاوضات مع إيران حول خططها النووية، وتابع “على إيران أن تدخل من الباب المفتوح.”

أما مستشار الأمن الروسي فطالب الولايات المتحدة بالإعتراف بنظام الرئيس السوري، بشار الأسد، المتجدد وإزالة العقوبات الدولية المفروضة عليه مقابل ضغوطها من أجل إبعاد إيران عن المنطقة، وقال في حديث للإذاعة الإسرائيلية العامة إنه “يفضل التعاون الأمني والحوار مع إسرائيل بدلاً من الهجمات العسكرية على أهداف في سوريا”، مشيراً إلى أن بلاده “تعمل مع حليفتها إيران ضد الإرهاب، لكن هناك حاجة للقيام بعدة خطوات من أجل تبديد التوتر في المنطقة.”

إستتباب للأمن

المتحدث بإسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، أكد على التوصل لعدد من الاتفاقيات الهامة بشأن سوريا وذلك في سياق التحضير للمحادثات المزمع عقدها بين الرئيس بوتين ونظيره الأمريكي ترامب في أوساكا، على هامش قمة الدول العشرين.

وعند سؤاله عما إذا كان باتروشيف وبولتون وبن شبات، قد توصلوا بالفعل إلى عدد من الاتفاقيات بشأن سوريا يمكن استخدامها كأساس للتواصل بين الرئيسين الروسي والأمريكي، أجاب بـ “نعم”. لكن بيسكوف لم يحدد جوهر هذه الإتفاقات ولا مضمونها.

إعترافات متبادلة

بقدر ما تريد الحكومتان الأمريكية والإسرائيلية من روسيا أن تساعد في تقليص الوجود الإيراني في سوريا أو إنهائه، فمن غير المؤكَد بدرجة كبيرة أن تقوم موسكو بذلك، أو حتى أنها قادرة عليه. فلو استطاعت روسيا فعل ذلك بطريقة ما، إلا إنها لن تفعله لمجرد أن الولايات المتحدة وإسرائيل تعتقدان أن “هذا هو الشيء الصحيح الذي ينبغي فعله”، بل لأنها تريد شيئاً ذا قيمة كبيرة في المقابل، أبرزها:

– الإعتراف بضم روسيا لشبه جزيرة القرم، في العام 2014.

– إلغاء العقوبات الإقتصادية التي فرضت عليها بعد ذلك.

– الإعتراف بوجود قوة روسيا على الساحة الدولية، وقيام العلاقات على مبدأ الشراكة لا الهيمنة.

– بالنسبة إلى سوريا، رفع العقوبات الأمريكية عنها، ودعم استقرارها ووحدتها ونهوض اقتصادها، ورفع الحظر عن الإنفتاح العربي على دمشق، والفيتو على انطلاق ورشة إعادة الإعمار.

في المقابل، إن موافقة الولايات المتحدة على تقديم مثل هذه التنازلات لروسيا سيكون له تداعيات كثيرة، أبرزها:

– التأثير سلباً في علاقات واشنطن مع حلفائها الأوروبيين، خصوصاً بعد موجة من التململ أصابت العديد من دول الإتحاد الأوروبي لا سيما بعد تولي الرئيس ترامب مقاليد الحكم.

– تفاقم المخاوف الأمريكية حيال استعداد الرئيس ترامب لتقديم تنازلات أكثر للرئيس بوتين، وهذا شيء لا تريده حملة الرئيس ترامب، قبيل انتخابات الرئاسة الأمريكية المرتقبة في العام 2020، خصوصاً وأن تداعيات تقرير المحقق الفدرالي، روبرت مولر، لم تنته بعد.

ختاماً، هناك العديد من الأمور التي يجب التطرق إليها خصوصاً من الناحية الروسية، وأبرزها يتمثل في:

– تعتبر موسكو أن طهران شريك حقيقي لها في العديد من المفات، بحر قزوين ومنظمة شنغهاي للتعاون ومحاربة الإرهاب. وبالتالي، إذا كانت تقبل ضرب القوات الإيرانية في سوريا فإنها حتماً لن تقبل، مع الصين، ضرب “إيران الآسيوية” بأي شكل من الأشكال.

– إن الوجود العسكري الإيراني، ومعه قوة حزب الله، قد يكون أداة “إبتزاز” جيدة في يد روسيا ضمن مشاريع الغاز المستقبلية في المنطقة إلى أوروبا، خصوصاً إذا ما تم ربط ذلك مع العلاقات التي بدأت تزدهر، بعض الشيء، ما بين موسكو وأنقرة.

– تعمل روسيا، بحسب ما تقول، ضمن إطار القوانين والقواعد الدولية. من هنا وفي هذه المسألة بالذات، لا يمكن لها تخطي الإرادة السوري في هذا الشأن خصوصاً وأن هناك مخاوف لدى الأخيرة بعد قرار الرئيس ترامب إعترافه بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان المحتل.

مصدر الأخبار: سيتا – وكالات

مصدر الصور: إنديبندنت عربية – موقع النجاح الإخباري –  النشرة.



شارك الخبر
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •