يارا انبيعة
ألقى قرار الجيش الليبي، بإستهداف الوجود العسكري التركي في البلاد، الضوء على الدور الذي تلعبه أنقرة في الأزمة الليبية، من “تجاوز” للخطوط الحمراء التي وضعها مجلس الأمن فيما يتعلق بتوريد السلاح لهذا البلد. فمن سوريا إلى العراق ثم ليبيا، تمتد أيادي تركيا لتتدخل فيما لا يعنيها، لتشعل أزمات وتدعم جماعات على حساب أخرى، حتى وإن كان هذا يعني انتشاراً للإرهاب والدمار.
أهداف إستراتيجية
قال أحمد المسماري، المتحدث بإسم الجيش الوطني الليبي أو ما يعرف بـ”قوات شرق ليبيا” والتي يقودها المشير خليفة حفتر، إن الأوامر صدرت بإستهداف القطع البحرية التركية في المياه الليبية بالإضافة إلى الأهداف الاستراتيجية التركية على الأرض في البلاد، مشيراً إلى تعرض “سيادة الأراضي الليبية لإعتداءات تركية غير شرعية أدت إلى أعمال تدميرية”، لافتاً إلى أنه ونتيجة لذلك فإن أهدافاً، مثل الشركات والمقرات والمشاريع التي تعود للحكومة التركية، ستعتبر كلها أهدافاً شرعية للقوات المسلحة.
وأضاف المسماري “كل الرحلات الجوية من وإلى تركيا سيتم تعليقها وسيتم اعتقال كل الأتراك على الأراضي الليبية”، مردفاً أن الجيش “سيسقط مشروع تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي في البلاد”، مشيراً إلى أن القوات ستقتحم مدينة غريان وسنواصل تدمير قدرات “الميليشيات”، في إشارة إلى قوات حكومة الوفاق الوطني بالعاصمة طرابلس.
في السياق نفسه، أعلن المركز الإعلامي لجهاز الحرس البلدي بمدينة بنغازي عن إزالة كافة الأسماء التركية جميعاً، من لافتات المطاعم والمقاهي ومحلات بيع الحلويات، وذلك بناء على تعليمات قائد الجيش الليبي بشأن عدم التعامل مع دولة تركيا.
تعبئة عامة
أعلن القائد الأعلى لـ “قوات شرق ليبيا”، عقيلة صالح، حالة التعبئة العامة، في 30 يونيو/حزيران 2019، وذكرت صحيفة “المرصد” الليبية، على صفحتها في فايسبوك، أن ذلك يأتي رداً على ما وصفتها بـ “التهديدات التركية” بالعدوان على ليبيا.
وقال المتحدث بإسم البرلمان الليبي، عبد الله بلحيق، إن حالة النفير العام تعني رفع حالة التأهب القصوى لجميع الوحدات العسكرية، وإلتحاق جميع العسكريين بوحداتهم، وقطع أي إجازات وفتح مراكز تدريب المتطوعين من المدنيين عامة الشعب والإستعداد الأقصى لمواجهة العدو، فيما كانت قد أعلنت قوات الجيش الوطني الليبي أنها دمرت طائرة تركية دون طيار “درون” في قاعدة “معيتيقة” الجوية العسكرية بالعاصمة طرابلس.
وقالت شعبة الإعلام الحربي التابعة للجيش الليبي “إن مقاتلاتنا استهدفت الطائرة التركية طراز بيرقدار أثناء إقلاعها وتدميرها بمهبط القسم العسكري بقاعدة معيتيقة العسكرية، هذه الطائرة تم تجهيزها لإستهداف مواقع لقواتنا المسلحة، إلا أن أبطال القوات الجوية كانوا لها بالمرصاد وأصابوا الهدف إصابة دقيقة.”
من جهته، قال اللواء محمد منفور، آمر غرفة عمليات سلاح الجو، إن الطائرة التركية المسيرة التي استهدفناها كانت محملة بالذخيرة، مضيفاً “هذه الطائرة كانت تستعد لتنفيذ غارات جديدة على مواقعنا بإشراف فريق عسكري تركي يعمل انطلاقاً من غرفة عمليات في طرابلس.” وبعد الغارة الجوية، توقفت الملاحة في مطار معيتيقة، ثم عادت للعمل في وقت لاحق.
تهديد جدي
بعد أن حذّرت تركيا، قوات المشير خليفة حفتر، بأنها ستكون هدفا مشروعاً إذا لم تفرج فورا عن المواطنين الأتراك المحتجزين لديها وعددهم 6، قالت مصادر دبلوماسية تركية إنه جرى إخلاء سبيل 6 بحارة أتراك، كانوا محتجزين لدى قوات الجيش الليبي، موضحة أن البحارة عادوا إلى السفينة مع أصحاب الشركة الليبيين وقرروا مواصلة عملهم بإرادتهم. وكان فؤاد أقطاي، نائب الرئيس التركي، توعد بعواقب وخيمة في حال عدم إطلاق سراح أتراك تقول السلطات التركية إنهم محتجزون لدى قوات الجيش الليبي في ليبيا.
وأضاف أقطاي أن “الجمهورية التركية وعبر جميع مؤسساتها، عازمة على ضمان أمن مواطنيها وحماية حقوقهم، في أي مكان بالعالم”، لافتاً إلى أن وزارة الخارجية والسفارة في ليبيا وجميع المؤسسات المعنية، تعمل منذ اللحظة الأولى بمنتهى الحرص لضمان عودة المواطنين الأتراك المحتجزين في ليبيا.
بيان عاجل
من ناحية أخرى، نصحت وزارة الخارجية التركية رعاياها في ليبيا بتجنب الخطوات التي من شأنها أن تعرض أمنهم للخطر، والإبتعاد عن مناطق الاشتباك. ونشرت الخارجية التركية رسالة، عبر الصفحة الإلكترونية للسفارة التركية بالعاصمة طرابلس، حول التطورات الأخيرة في ليبيا طالبت فيها المواطنين الأتراك بضرورة تجنب الخطوات التي من شأنها أن تعرض أمنهم للخطر في المناطق الخاضعة لسيطرة “الميليشيات غير القانونية”، أي القوات التابعة للواء حفتر.
ودعت الرسالة المواطنين الأتراك إلى الابتعاد عن مناطق الإشتباك في الأماكن التي تخضع لسيطرة حكومة الوفاق الوطني التي تعترف بها الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بإعتبارها الحكومة الشرعية الوحيدة في ليبيا، وأوضحت أن بإمكان المواطنين الأتراك المقيمين في ليبيا الإتصال بسفارة بلادهم لدى طرابلس، وقنصليتها العامة في مصراتة، فضلاً عن مركز الخدمات القنصلية بالخارجية التركية.
ملامح إخوانية
يقول خالد خميس السحاتي، محاضر بقسم العلوم السياسية بكلية الإقتصاد، ان “الدور التركي لدعم الميليشات في ليبيا ليس جديداً، بدأت ملامحه منذ العام 2011، إلا أنه بدا أكثر وضوحاً في الفترة الأخيرة، قبيل حرب الجيش الوطني على طرابلس.” ولفت السحاتي إلى أن الدعم التركي لميليشات طرابلس ليس وليد اللحظة. ففي نهاية العام 2018، ضَبطت السلطات الليبية شحنتي أسلحة ضخمتين وذخائر قادمة من تركيا، علاوة على نقل تركيا لمقاتلي “جبهة النصرة” السابقين في سوريا باتجاه ليبيا.
وأضاف السحاتي “لا أتصور أن تساهم تركيا في تسوية الأزمة الليبية، وإنما في إحداث مزيد من التوتر، وإشعال فتيل الحرب بين الفرقاء الليبيين”، مشيراً إلى أن الدور التركي في الأزمة الليبية هو “دور سلبي” يتمثل في دعم الفوضى وعدم الاستقرار.
من جهته، يشير زياد عقل، الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إلى أن الدور التركي يمكن رؤيته من زاويتين؛ الزاوية الأولى، أن حكومة الوفاق تعول على تركيا كحليف خاصة في ظل عدم وجود تحالفات دولية قوية تدعمها. أما الزاوية الثانية، فهي أن تركيا تُراهن على إقامة نظم إسلامية موالية لها كأحد الأوراق التي يمكن لها ان يستخدمها في مواجهة الغرب. ولهذا، هي تقدم الدعم اللوجستى والعسكري لميليشيات غرب ليبيا الإسلامية.
كما حذر عقل من خطورة التدخل الأجنبي من أي طرف إقليمي في ليبيا، وبالأخص الدور التركي، واصفاً إياه بأنه “صانع للمشكلات”، مشيراً إلى أن أي تدخل أجنبي سيكون له انعكاسات سلبية على المشهد في ليبيا ويعطل التوافق بين الأطراف الليبية.
من جهة أخرى، رأى المحلل السياسي الليبي، العربي الورفلي، أن تركيا تريد تمكين الإخوان من حكم البلاد والسيطرة على مقدرات الدولة الليبية نظراً لإرتباط عناصر تلك الجماعة الإرهابية بـ “حزب العدالة والتنمية” الحاكم في تركيا. وأوضح الورفلي أن ما يعرف بـ “حزب العدالة والبناء” الليبي، الذي يرأسه محمد صوان وغيره من قيادات الإخوان، ارتمى بأحضان تركيا خاصة بعد أن نبذهم المحيط العربي، مثل مصر فلجأوا لتركيا وقطر.
ويضيف الورفلي “إن تركيا حاضنة لميليشيات إرهابية متوطنة، كجماعة الإخوان، والتي توجد بعض قياداتها في تركيا، لكنها تدير وتشرف على معارك الميليشيات في ليبيا من تركيا نفسها، وبالتالي فهي تدعم هذه الميليشيات لتحقيق مصالح وأغراض سياسية واقتصادية.” واستطرد قائلاً “تاريخياً، ترتبط تركيا ببعض الأقليات في ليبيا، والتي تنحدر من أصول تركية، مثل بعض العائلات المنتشرة في مصراتة، لذا فهي تعمل على دعم ميليشيات هناك بالسلاح والعتاد، وهو ما رأيناه بوصول مدرعات تركية وطائرات مسيرة يشرف عليها ضباط أتراك بغرفة عمليات تركية، تقصف بعض المواقع داخل المدن الليبية.”
ختاماً، أكّد أحد المصادر المقربة من المشير حفتر أنه ماضٍ قدما في تهديداته، وأنه تشاور فعلاً مع حلفائه في مصر قبل إطلاق عمليته العسكرية، وحظي بالدعم الكامل. بينما تقول مصادر محسوبة على حكومة الوفاق أن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لن يتردد لحظة بالرد بشكل مؤلم على أي قصف لسفنه وقواربه في الموانئ أو المياه الإقليمية الليبيّة الذي قال “سنتخذ التدابير اللازمة حال تأكد صدور هذا القرار بإستهداف الطائرات والسفن التركية.”
هذا وقد أرسلت السلطات التركية بالفعل قوات ومدرعات إلى طرابلس وبشكل علني، وتدخلت بشكل كبير إلى جانب قوات “فجر ليبيا”، الموالية لحكومة الوفاق هو الذي أنقذها من الإنهيار وحالت دون تقدم قوات المشير حفتر للسيطرة على العاصمة طرابلس وإحكام سيطرته على كل ليبيا وإعلان نفسه رئيساً.
تبقى هنالك العديد من الأسئلة، ابرزها: هل سينفذ المشير حفتر تهديداته بإستهداف السفن التركية التي تنقل بضائع، وأسلحة وممعدات ثقيلة، إلى حكومة الوفاق عبر مينائي طرابلس ومصراته؟ وكيف سيكون الرد التركي على هذا القصف في حال حُدوثه؟ وهل أقدم المشير حفتر على هذه التهديدات بعد التشاور مع حلفائه في مصر والإمارات والسعودية وأمريكا وفرنسا وأخذ الضوء الأخضر من قياداتها مع وعود بالدعم في حال تدخل قوات تركية بشكل مباشر أم انه أقدم على هذا التصعيد نتيجة “نوبة غضب” ناجمة عن خسارته مدينة “غريان” الاستراتيجية، ومقر قيادته في المنطقة الغربية، وبالتالي إفشال هجومه على طرابلس؟
لا شك أن أية ضربة للسفن أو الطائرات التركية في المياه الإقليمية والأجواء الليبية تعني إعلان الحرب على تركيا، وهو ما سيدفعها إلى التوغل أكثر في الأزمة ما قد يؤدي إلى رد فعل مصري – إماراتي – سعودي مضاد، وخروج هذه الأزمة من دائرة المواجهة بين الوكلاء الذين يخوضونها بالإنابة، إلى دائرة المواجهة بين “الأُصلاء”.
مصدر الأخبار: سيتا – وكالات.
مصدر الصور: الجزيرة – تركيا بالعربي – Middle East Monitor.