حوار: سمر رضوان
تشهد تركيا، في الفترة الحالية، حالة عدم الإستقرار على المستويين الداخلي والخارجي، الأمر الذي تسبب بتبعات متعددة على مسار حركة سياساتها، وتقويض دوافعها تجاه العديد من الملفات الداخلية والخارجية.
حول انعاكسات الملفات وإرتدادتها على تركيا في ضوء الرغبة بتوسيع نفوذها، في عدد من الدول الإقليمية كسوريا وليبيا، إلى جانب العلاقة مع كل من واشنطن وموسكو، سأل مركز “سيتا” الأستاذ مصطفى صلاح، الباحث في الشؤون الدولية من مصر، عن هذه المواضيع.
إنعكاسات سلبية
إن مسار السياسة التركية امتد ليشمل العديد من الإنعكاسات السلبية على هامش الحركة التركية والذي أضحى متأثراً بتراجع مقدراتها على التأثير في ظل العديد من الظروف الإقليمية والدولية التي فرضت عليها تراجعاً ملحوظاً خلال الفترة الحالية.
على الجانب السوري، باتت السياسة التركية أقل فاعلية من ذي قبل بعدما كانت تتمتع بهامش كبير من المناورة فيما يتعلق بترتيبات الوضع السياسي الداخلي والخارجي هناك؛ حيث حدث خلل كبير في موازيين القوى المنخرطة في الصراع السوري لصالح قوى أخرى أهمها روسيا برغم تقارب الدولتين في العديد من الملفات.
إلا أن هذا التقارب مع موسكو لم يسمح بإستمرار الدور التركي داخل سوريا وخاصة ملف الكرد مع اعتزام موسكو تهيئة الأوضاع السياسية الداخلية تمهيداً للخروج بتسوية سياسية شاملة للأزمة السورية وبداية سياسات إعادة الإعمار، الأمر الذي سينعكس بصورة سلبية على الدوافع التركية تجاه المكون الكردي المتواجد في شرق الفرات.
توترات متصاعدة
في نفس الإطار وخاصة الملف الكردي شهدت أيضاً العلاقات الأمريكية – التركية توترات متصاعدة فيما يتعلق بالموقف الأمريكي الداعم للكرد وتزويدهم بالعتاد والدعم السياسي، خاصة وأن الكرد هم الحليف الأقرب لواشنطن في القضاء على التنظيمات المتطرفة التي تتورط تركيا بدعم العديد منها في مواجهة قوات سوريا الديمقراطية – قسد.
يضاف إلى ذلك ملف التسليح التركي المتعلق بالصواريخ الدفاعية الروسية “إس.400″، والذي تنوي واشنطن فرض العقوبات على تركيا في حال إتمامها لهذه الصفقة خاصة وأن هذا النمط من التسليح يخل بإلتزامات تركيا تجاه حلف الناتو، على غرار العقوبات الأمريكية المفروضة عليها من قبل، إبان أزمة القس الأمريكي، أندرو برونسون، والتي أدت إلى تراجع كبير في قيمة الليرة التركية؛ عوضاً عن تهديدات واشنطن بمنع بيع طائرات “إف.35” الأمريكية، وصواريخ باتريوت إليها، الأمر الذي سوف يدخلها مجدداً في نمط متكرر من الأزمات الإقليمية والدولية.
خسارة ليبيا
على الجانب الليبي، تشهد تركيا حالة من التوتر المتصاعد مع الجيش الوطني الليبي على خلفية التدخلات التركية بدعم الجماعات المتطرفة، في مدينتي مصراتة وطرابلس، بعدما تم القبض على سفينتين تركيتين محملتين بالمواد المتفجرة والأسلحة التي كانتا في طريقهما إلى ليبيا. هذا الأمر، دفع السياسة الليبيين، خاصة من جانب حكومة شرق ليبيا، إلى الإعلان عن استهدافهم لأية سفينة تركية في المياه الإقليمية الليبية، ومنع الطيران التركي من التحليق في الأجواء، ووقف التعاملات التجارية معها.
ولعل التقارب المصري – الليبي، في مواجهة الأزمات الداخلية الليبية والجماعات الإرهابية المسلحة، كان له الأثر السلبي الكبير على أنقرة فيما يتعلق بتحولاتها من أن تتواجد بصورة الداعم للجماعات المسلحة إلى نمط التواجد العسكري المباشر من خلال قوات تركية داخل ليبيا، بعدما حقق الجيش الوطني الليبي العديد من النجاحات الميدانية من خلال عملية طوفان الكرامة، منذ أبريل/ نيسان 2018.
مسارات الدور التركي
بجانب البعد الخارجي الذي يمثل أحد العوامل الهامة في توضيح مسارات الدور التركي في ظل هذه التطورات، إلا أن البعد الداخلي التركي كان له الدور الأهم في بلورة المشهد السياسي والذي انعكس أيضاً على مساحة حركة تركيا الخارجية. ففي خضم التوترات الإقليمية التي باتت تحيط به، تراجع “حزب العدالة والتنمية” الحاكم في الفوز بالعديد من المدن الكبرى في الإنتخابات البلدية الأخيرة، مثل العاصمة أنقرة وأزمير وإسطنبول التي تمثل الثقل الإقتصادي الأكبر وحجر الأساس الذي يعتمد عليه الحزب في تحقيق نشاطاته الإقتصادية والتي يقوم بتصديرها لتحقيق شعبية داخلية أو لتبرير تدخلاته الخارجية في العديد من الدول العربية والإقليمية.
وعلى الرغم من محاولات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وحزبه من خلال ممارسة الضغوط على الناخب التركي بتصدير واقع الأزمات في المحيط الإقليمي بديلًا عن الحديث عن نجاحاته الإقتصادية، إلا أن مرشح المعارضة، أكرم إمام أوغلو، تمكن من تحقيق فوز ساحق على المرشح القوي من جانب العدالة والتنمية، بن علي يلدريم. وتأسيساً على ذلك، يمكن القول بأن هناك العديد من المؤشرات حول مستقبل حزب “العدالة والتنمية” سواء على مستوى مساره الداخلي أم الخارجي، وذلك وفق التالي:
- تراجع شعبية الحزب الحاكم في العديد من المناطق المهمة في المدن الكبرى بعدما تعرض الحزب إلى العديد من الهزائم المتتالية خاصة وأنها جاءت بعد حالة السيطرة والتأميم شبه الكامل للحياة السياسية التركية الداخلية.
- تمثل خسارة الحزب لمدينة إسطنبول تراجعاً كبيراً في حجم الموارد الإقتصادية التي كان يستحوذ عليها الحزب من المقدرات الإقتصادية للمدينة والتي كشفت العديد من التقارير تورط العديد من قيادات الحزب وأفراد عائلة الرئيس أردوغان في عدة ملفات فساد.
- لم تنجح المقاربة الأمنية التي حاول الحزب فرضها على الحالة السياسية الداخلية من توظيف خطر الملفات الإقليمية على الداخل التركي، الأمر الذي أظهره الحزب في تحولاته من الترويج للمشاريع الإقتصادية إلى اعتماد مقاربة أمنية دون غيرها، بالإضافة إلى أن الضغوط التي مارسها الرئيس أردوغان على المجلس الأعلى للإنتخابات التركية، فيما يتعلق بإعادة الإنتخابات، جاءت بصورة سلبية على صورة ومصداقية الحزب داخلياً، الأمر الذي قد يؤدي إلى حدوث انشقاقات داخلية فيه أو إنشاء أحزاب جديدة من رحم الحزب، على غرار ما العنه وزير الخارجية السابق، أحمد داوود أوغلو، والرئيس السابق، عبدالله غول.
- تشكل حالة التوترات الخارجية التركية بجانب الأزمات الداخلية والتي تجلى أبرزها بالصورة النمطية السلبية التي باتت تسيطر على الدور التركي ومساره، عوضاً عن أزمات تركيا الداخلية المتمثلة في تراجع قيمة الليرة، وارتفاع معدلات البطالة والتضخم، المتحكمة بصورة أساسية في بلورة مستقبل تركيا السياسي.
- عملت المعارضة التركية على الإستفادة من الأزمات الداخلية والخارجية التي تعرض لها حزب الحاكم في بلورة نمط جديد من إعادة التمركز حول مواجهة الطرح الذي يقدمه الحزب فيما يتعلق بمسارات رؤيته للداخل والخارج التركيين، بالإضافة إلى أنه من الممكن أن يزاحم الوجه الجديد أكرم إمام اوغلو الرئيس التركي الحالي على شعبيته، بل ومواجهته في الإستحقاقات السياسية الانتخابية القادمة. إن هذا الأمر يمثل تهديداً مباشراً، وذلك بعدما أثبت إستحقاقه مرتين متتاليتين على ثقة الناخب التركي، نظرا لتراجع شعبية الرئيس أردوغان.
في المجمل، إن المشهد السياسي التركي يسير وفق المؤشرات الداخلية والخارجية إلى إحتمالية بلورة مشهد سياسي جديد تنعكس مخرجاتها على مسار الدولة التركية في خريطة التفاعلات الإقليمية والدولية، بحيث تؤكد كل الشواهد السياسية والداخلية والخارجية على العديد من السيناريوهات التي تتشابك معظمها حول هذه النتائج.
مصدر الصور: وكالة عربي اليوم – أرشيف سيتا.