إبراهيم ناصر*

بذلت الوساطة الأفرو – إثيوبية جهود مضنية حتى أسفرت عن توصل فرقاء الأزمة السودانية إلى نقاط توافقية حول المسائل الخلافية بينهما. ولكن بالرغم من الإتفاق الذي تحقق، إلا أن المتابع لتصريحات ممثلي المجلس العسكري الإنتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير سيلاحظ بأن حالة الشك وعدم اليقين بين الطرفين لا زالت قائمة وهذا ما يؤكد هشاشة الإتفاق، ما يعني أن تراجع أحد الأطرف عن تعهداته أو إلتزاماته، يعني عودة الأزمة السودانية إلى مربعها الأول.

بعد أن أفلحت الوساطة الأفرو – إثيوبية في تقريب وجهات النظر بين المكونات السياسية المختلفة، دخلت مصر على خط الأزمة السودانية بكل ثقلها وذلك بإحتضانها لإجتماعات بين ممثلي قوى إعلان الحرية والتغيير والجبهة الثورية، إحدى مكونات القوى المعارضة لنظام الرئيس السابق عمر البشير والتي أعلنت رفضها وتحفظاتها حول الاتفاق الذي وقع بين المجلس العسكري الإنتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير في 4 أغسطس/آب 2019.

في الإسبوع الماضي، انطلقت الإجتماعات المشتركة بين “قوى الحرية والتغيير” و”الجبهة الثورية”، في القاهرة، لبحث التباينات بين الطرفين، حيث قال الناطق بإسم “الجبهة الثورية”، محمد زكريا، في تصريح لقناة العربية “إن الهدف من الإجتماعات هو إدراج رؤية السلام التي تم الإتفاق عليها في أديس أبابا في الإتفاق السياسي مع المجلس العسكري الإنتقالي والوثيقة الدستورية”، ويستطرد زكريا “إلا أن وفد قوى الحرية والتغيير أشار إلى أنه غير مكلَّف بإعادة فتح ما تم الإتفاق عليه وأن مهمته الرئيسية طمأنة الجبهة الثورية”، مشيراً إلى أن هذا الأمر “ينسف مبدأ الإجتماعات لتكون لقاءات علاقات عامة وغير منتجة ولن تلبي مطالب الجبهة الثورية.”

ومن المصادفات تشابه المبرر الذي منح إثيوبيا فرصة التوسط بين فرقاء المسألة السودانية بوصفها رئيس الدورة الحالية لمنظمة إيغاد – الهيئة الحكومية للتنمية، بينما تستضيف مصر إجتماعات قوى الحرية والتغيير والجبهة الثورية بوصفها رئيس الدورة الحالية للإتحاد الإفريقي. وعليه، لعل القدر مُصرٌّ على جعل السودان ساحة تنافس بين القوى المتصارعة على النفوذ في منطقة القرن الإفريقي.

وحسب الأنباء المتواترة، هناك تباين حول مسار مفاوضات القاهرة، إذ تشير بعض الأنباء إلى تحقيق إختراقات كبيرة بين المجتمعين، بينما تؤكد بعضها خلاف ذلك حيث تتركز النقاط الخلافية حول تضمين مسائل السلام، ومدة تشكيل الحكومة المدنية في الوثيقة الدستورية التي تم التوافق عليها سابقاً.

وإذا ما تحققنا من المسائل المطروحة على طاولة التفاوض بين المجتمعين في القاهرة، يلاحظ بأنها ليست بالمعقدة ويسهل تجاوزها، فكونها داخل بيت قوى التغيير يسهِّل عملية التفاوض؛ وبالتالي، إن قبول المبادرة المصرية تأتي في إطار مساعي بعض القوى السودانية السياسية والعسكرية لمنح القاهرة نصراً دبلوماسياً على غرار الظفر الذي سُجل لصالح إثيوبيا بعد نجاح دبلوماسيتها في إقناع الأطراف الرئيسية في توقيع الإتفاق المبدئي حول شكل المرحلة الإنتقالية.

أخيراً، إن تكاثر المبادرات الإقليمية لإيجاد الحلول للمسـالة السودانية، يؤكد المؤكد وهي أهمية السودان لهذه الدول. ولكن الإهتمام الذي تبديه الدول صاحبة المبادرات والوازنة بالمنطقة، كمصر وإثيوبيا، سينتج عنه مشهد سياسي سوداني يمكن وصفه بالمعقد، فهو مرهون بمصالح القوى الخارجية خصوصاً تلك التي لعبت أدواراً مفتاحية في تجاوز السودان لأزماته القائمة.

*باحث وكاتب سوداني

مصدر الصور: لبنان 24.