حوار: سمر رضوان

 

في وقت يبدو أن النية التوسعية التركية في سوريا قائمة، لا تزال المخططات تُحاك من أنقرة تحت مسميات ودواعٍ مختلفة، لعل أبرزها حماية الأمن القومي، يتغافل الجانب التركي عن دوره الضامن وتعهداته بوحدة الأراضي السورية ليصوب نظره نحو الشرق السوري بعمل عسكري ضخم لا يُخفى فيه دوافعه لكسب أوراق قوة بعدما فقدها في الشمال السوري.

عن النوايا التركية التوسعية في الشرق السوري، وموقف كل من الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية – قسد من ذلك، سأل مركز “سيتا” الأستاذ كادار بيري، مدير مؤسسة “كرد بلا حدود”، عن تفاصيل هذه النوايا ومستقبل المنطقة.

تنسيق مشترك

ليس هناك أي عمل عسكري مشترك بين تركيا والولايات المتحدة، وإنما هناك غرفة عمليات مشتركة للتنسيق بين الجانبين لقطع الطريق على التواجد التركي المنفرد في الشرق السوري، وذلك بسبب التهديدات التركية وحشدها لقوة عسكرية كبيرة لإقتحام المنطقة. هذا الأمر، يقع ضمن خانة الضغط التركي على الجانب الأمريكي. في المقابل، لا شيء يمنع من أن تكون هذه التهديدات جدية وأن يكون هناك تورط تركي آخر في سوريا.

لقد فاوضت أمريكا، تركيا بالنيابة عن الكرد، أي أن الطرف الأمريكي كان وسيطاً بين الفريقين وهو من كان يوصل الرسائل الكردية للأتراك، ومفادها بأن الوجود التركي في تلك المنطقة هو أمر غير مقبول، وذلك تجنباً لأي دمار أو حرب أخرى قد تقع مجدداً في تلك المنطقة ككل. وتجنباً لذلك، وافقت قوات سوريا الديمقراطية، ومجلسها المدني، على قيام الجانب الأمريكي بالتواصل مع الأتراك بالنيابة، ليس فقط عن الكرد بل عن جميع سكان تلك المنطقة. أما موضوع التركيز على الكرد فقط هو خطأ بحد ذاته، لأن قوات “قسد” تشمل كل مكونات شمال وشرق سوريا.

إن المسألة لا تتعلق بالكرد، إنما متعلق بالكرد الإيزيدين والكرد المسيحيين، والمسيحيين بكل أطيافهم، فالجميع مهدد أكثر من أية بقية جغرافية أخرى تحتلها تركيا. وهذا ما شاهدناه في عفرين حيث رأينا ماذا فعلت مرتزقتهم التي قاربت ما قام به تنظيم “داعش” من قتل وخطف على الهوية، بأوامر تركية.

إدعاءات زائفة

أعتقد أن المنطقة لم تكن بحاجة إلى منطقة آمنة وأمنية، لأنه وبكل بساطة لم يكن هناك أي إعتداء على الطرف التركي من قبل سوريا أو من قبل الأطراف التي تعيش هناك من القوى العسكرية المتواجدة. فطوال ثماني سنوات، لم يكن هناك طلقة واحدة بإتجاه تركيا، وإدعاءاتها غير صحيحة، فهي التي كانت تقوم بإدخال الإرهابيين، ودعمهم كي يعيثوا فساداً وخراباً.

ولكن بعد إطلاق التهديدات التركية، يمكن القول بأن المنطقة باتت بحاجة إلى إنشاء منطقة آمنة ولكن ليس على غرار ما تطلبه أنقرة، أي أن تكون تحت سيطرته، بل لكي تتفادى تلك المنطقة ما قد يقترفه التركي من قتل وأعمال همجية. لذلك، بات من الضروري إنشاء تلك المنطقة من أجل حماية كل المكونات، بحيث تخضع لسيطرة قوات التحالف الدولي، ويقوم أبناؤها بإدارتها وحمايتها.

من هنا، يبدو أن تكرار سيناريو عفرين في الشرق مستبعد جداً لأن المنطقة تختلف عن عفرين، التي كانت محاصرة طيلة ست سنوات من قبل كل المجموعات الإرهابية؛ تركيا من طرف، ومرتزقتها من طرف آخر. فالوضع هنا يختلف كلياً، لكون المتواجد في المنطقة الآن هو الأمريكي، وفي الطرف المقابل الروسي، الذي قايض التركي من خلال بيع الأخير لمرتزقته في مناطق حول دمشق كما يفعل الآن في إدلب. فهو يقوم ببيع هؤلاء المرتزقة لحساب روسيا من أجل مصالحه الشخصية، كدولة وكرئيس والمقصود هنا رجب طيب أردوغان.

مصدر قلق

أيضاً، هناك سبب جوهري مهم جداً يكمن في أن سماح الأمريكي للتركي بالسيطرة على تلك المنطقة يعني خروج الأمريكي من الملف السوري الذي لم يعد ملفاً شرق أوسطي وإنما ملف دولي. إن حدوث ذلك يعتبر هزيمة كبرى لأمريكا أمام الروسي، خاصة بعد عودة الحرب الباردة.

بالإستناد إلى ما سبق، إن الفريق الذي يتواجد في الملف السوري سيكون له كلمة في ملف الشرق الأوسط ككل، وهنا ألمح إلى الوجود الإسرائيلي الذي يريد ان يكون طرفاً فاعلاً من خلال مساندته للأتراك للتواجد كقوة عسكرية على الأرض. فكل ما تقوم به أنقرة نابع من رضى إسرائيلي.

في هذا الشأن، يمكن الإشارة إلى وجود خلاف ضمن الإدارة الامريكية حول موضوع تركيا ما بين مؤيد ومعارض لها داخل اللوبي الإسرائيلي، هناك أطراف لا تثق بتركيا خصوصاً بعد تقاربها الكبير مع روسيا، ما يشكل مصدر قلق لأمريكا. لذلك، تريد واشنطن أن تبقى متواجدة مع قوات حليفة لها تأتمن جانبها.

وفي هذه المرحلة، أعتقد أن قوات سوريا الديمقراطية هي الحليف الأفضل بالنسبة للأمريكي لأنها، وبكل بساطة، تريد فقط العيش الآمن لسكان تلك البقعة الجغرافية دون معاداة أو محاربة أحد.

كذبة الإنفصال

لا يوجد أي طرف كردي، قيادي كان أو سياسي أو محلل أو جماعات أو أحزاب، يطالب بالإنفصال عن سوريا. الحقيقة أن وجود أطراف معادية، لهذه القوات وللكرد، تقوم بترويج هذه الفكرة إذ لا يوجد شيء من هذا القبيل على الإطلاق.

بإعتقادي، لقد كانت “قسد” واضحة وشفافة جداً في المفاوضات مع الدولة السورية، خصوصاً وأنها طالبت دائماً بحوار جدي مع النظام، لا سيما وأن هذه الفئة تشكل جزءاً أساسياً من مكونات الدولة السورية. لكن للأسف، كان هناك أكثر من اجتماع في قاعدة حميميم، وربما أماكن أخرى، كان فيها النظام غير جدي. فالمفاوضات الأخيرة في حميميم فشلت بسبب الضغط التركي على الروس كي يقوموا بالضغط على النظام ليصار إلغاء هذه المفاوضات.

في النهاية، يجب أن يكون الحل سوري – سوري، ولكن ذلك يتطلب ذلك موقفاً جريئاً وحازماً من قِبل دمشق لتبادر بإيجاد حل في تلك المنطقة على قاعدة سوريا لا مركزية من أجل سوريا ديمقراطية تنعم بالخير والسلام والأمان لكل أبناءها ومكوناتها.

مصدر الصور: وكالة أنباء تركيا.