حوار: سمر رضوان
في مقارنة بسيطة، يبدو أن معارك الشمال السوري أخذت حيزاً وإهتماماً دولياً وإقليمياً أكثر من أية منطقة أخرى في سوريا، لجهة تأجيل إطلاق المعارك وتعطيلها، رغم توقعات الكثير من الخبراء بصعوبة المعارك نتيجة للظروف المحيطة بالشمال. لكن وخلافاً للتوقعات، كانت المعارك ورغم إحتدامها، ذات نتائج مثمرة، بتحرير مناطق ذات بُعد إستراتيجي، كما في حالة مدينة خان شيخون.
للوقوف على الوضع الميداني في سوريا، وأبعاد تحرير خان شيخون، والدور التركي في الشمال السوري، سأل مركز “سيتا” اللواء المتقاعد محمد عباس، الخبير العسكري والإستراتيجي السوري، حول هذه التفاصيل.
بُعد إستراتيجي
إنطلاقاً من الموقع الجغرافي للمكان، يمكن تحديد الأهمية الإستراتيجية العسكرية لهذا الموقع الجغرافي. فخان شيخون هي عنصر أساسي ولها موقع إستراتيجي في جنوب شرق إدلب لكونها تقاطع طرق بإتجاه البادية، وأيضاً بإتجاه إدلب، وبإتجاه منطقة الغاب، إضافة إلى أنها نقطة عبور محورية في طريق حماة – أريحا، وحماة – حلب.
يضاف إلى ذلك أنها كانت تعتبر واحدة من المناطق التي استثمر فيها الإرهابيون، فجعلوها قاعدة متقدمة للكثير من المواقع من خلال إيجاد نقاط متعددة للإمداد والتحضير اللوجستي العسكري التقني فيها، والتي كانت تؤمن لهم، في شمالي حماة، الوصول السريع. وأيضاً، كانت هذه المنطقة تؤمن الحل بالنسبة إلى مسألة الإمداد اللوجستي العسكري، والإمداد بالذخائر، ومختلف وسائط القتال التركية التي كانت تصل على القوات البديلة، مثل “جبهة النصرة” و”حراس الدين” ومختلف القوات الموجودة في هذه المنطقة، التي تعمل تحت الهوية أو العلم التركي.
نقطة إلتقاء
أهمية إستعادة إدلب الآن بالنسبة للقوات السورية، أنها تشكل منطلقاً ومدخلاً بإتجاه التقدم نحو معرة النعمان، وفتح طريق حماة – حلب. وهي أيضاً منطلق إستراتيجي من أجل تطويق المجموعات الإرهابية، الدعومة تركياً والموجودة في منطقة جبل الزاوية، لكي تتمكن القوات المتواجدة هناك من الإلتقاء مع القوات التي سوف تتحرك بعد عبورها إلى جسر الشغور، وصولاً إلى أريحا، وفي نقطة التقاطع عند سراقب.
يكمن الهدف الإستراتيجي للقوات المسلحة السورية بتحرير إدلب بالكامل، وليس فقط الوقوف عند مدينة خان شيخون أو المنطقة التي سميت مناطق خفض التصعيد، خاصة إذا ما تذكرنا أن هذه المنطقة يجب أن تعود للخلف 20 كلم على إمتداد خط الجبهة. أيضاً، لا يمكن لسوريا أن تقبل بفرض واقع جيو – سياسي جديد عليها في المنطقة، أو أن تقوم تركيا بالإستثمار فيها بحيث تصبح منطقة جغرافية جديدة في مصلحة أنقرة.
تصاعد الدور التركي
الدور التركي فهو لم ينحسر، بل تعاظم من خلال عناصر كثيرة أبرزها:
العنصر الأول، وهو الأهم، ربما، الذي يكمن في مسألة محاولة الأتراك “شيطنة” الدولة السورية وتأليب وتحريض المواطنين السوريين في محافظة إدلب ضد وطنهم، وإستخدامهم كدروع بشرية ورهائن وجيوش وأفراد مقاتلة، يحملون الولاء للهوية التركية على حساب حالة الكراهية والإستعداء التي مارستها تركيا ضد الدولة الوطنية السورية، إلى جانب الدور الذي مارسه الرئيس رجب طيب أردوغان، و”الإرهاب” التركي في إدلب من خلال تقديم صورة له على انه المدافع والحامي عن المنطقة، وهو الخليفة الإسلامي الجديد، المهتم بكل العالم الإسلامي بدءاً من الروهينغا وإنتهاء بمسلمي الولايات المتحدة وغيرهم.
إذاً، هذا الواقع التركي الذي أرادته وكالة الإستخبارات المركزية – “سي.آي.إيه” أن تقدمه كنموذج لإسلام معتدل محافظ جديد يمكن له أن يسوق في الجغرافيا السورية كمقدمة لإجتياح العالم الإسلامي وتحقيق ما سماه أحمد داوود اوغلو بـ “العمق الإستراتيجي لدولةٍ عثمانيةٍ سلجوقية طورانية جديدة”، تحمل الهوية الإسلامية لكنها تحت العلم الطوراني أو التركي.
العنصر الثاني، هو أن تركيا تشكل رأس الحربة في العدوان على سوريا من أجل تحقيق أطماعها التوسعية في المنظومة السلجوقية الطورانية الجديدة، التي هي جزء من منظومة الولايات المتحدة في “الشرق الأوسط الجديد”. برأيي، لا أعتقد أن هذا المشروع قد إنتهى لأن قادة الصهيونية والأمريكيين لن يتخلوا عن خطة برنارد لويس هذه والتي أخرجوها من خزائن البنتاغون.
وبالتالي، لا أستطيع القول إن الدور التركي قد إنحسر بل إنه متصاعد الآن لا سيما في شمال شرق سوريا، حيث يريد الآن، وبالتنسيق والتعاون مع الكرد الأتراك الموجودين في سوريا والأمريكيين وبعض أفراد العشائر السورية والت تركيا والسعودية، تثبيت أقدامه هناك.
فرض واقع جيو – سياسي
نحن أمام مشروع أمريكي كبير، فهم يريدون قطع الطريق بين التنف والبوكمال، وفرض واقع جيو – سياسي جديد، وخلق كيان آخر في محاولة لإفشال الدولة السورية وإنهاك الجيش وتفكيك المجتمع والإستمرار في حرب لا منتهية لن تؤدي في النهاية إلى تحقيق الهدف الذي تسعى إليه أمريكا في تدمير الدولة السورية.
برأيي، تمتلك سوريا كل مقومات الصمود، فالشعب المتمسك بالجيش والشعب المتمسك بالقيادة والقيادة الحكيمة والجيش القوي والأصدقاء والحلفاء الأقوياء. كل ذلك، يجعل سوريا تتمسك أكثر بمسؤولياتها القومية والوطنية وواجباتها في مكافحة الإرهاب وتحقيق الأهداف الوطنية للشعب في إعادة بناء الدولة وإعادة إعمارها، فيما دمشق مستمرة في مهامها الإنسانية والوطنية والقومية.
مصدر الصورة: عربي اليوم.