د. بكور عاروب*
لا شك أن أهم الأشياء المستفادة من التجربة السورية، من خلال نشاط الحركات الجهادية المختلفة على الأرض وبغض النظر عن موضوع تقسيم القاعدة والتنظيم العالمي للحركات الجهادية المتعمد، نرى أنه لم يكن هناك تناقض بين جميع هذه الفصائل.
وعبر القليل من المتابعة، نعلم بأن العديد من الحروب المصطنعة، والتي قامت بها الفصائل، كانت الغاية منها دائماً إيجاد خط أمان. وعند مراقبة تحركات تلك الفصائل، يمكن ملاحظة وجود ما يسمى بـ “الفصيل الإحتياط” أو “الفصيل الوسطي” الذي يكمن دوره ضمن الخط الخلفي للفصائل المقاتلة؛ ففي حال خروج أي فصيل من منطقة قتالية معينة أو تعرضه لنكسة أو حصار، يقوم هذا الفصيل الإحتياطي بتأمين خط الحماية له، كما أنه يتدخل دائماً لفض النزاعات الموجودة بين الفصائل المختلفة، أو بين الفصائل والجهات الأخرى، لحلحلة بعض الأمور الإجتماعية.
وما لا يخفى على أحد قيام تنظيم “جبهة النصرة” بلعب دور خط الإحتياط لتنظيم “داعش” الإرهابي في صراعه مع الجيش السوري الحر، فكانت تتدخل دائماً لإنقاذ الكوادر “تنظيم الدولة الإسلامية”، وتنقلهم إلى أماكن أخرى أو تساعدهم على الخروج بإتجاه الشرق، في الوقت الذي كان فيه تنظيم “داعش” لا يزال موجوداً وقائماً ويتوسع في الشرق السوري.
أما الأمر الخطير الحالي فيكمن في قيام بعض الدول بـ “الإستثمار” في هذه التنظيمات الإرهابية، كتركيا والولايات المتحدة، حيث ساهموا جميعاً بوصول فصائل ذات نمطية معينة، مثل المقاتلين القوقازيين والشيشانيين وفصيل بخارى و”الحزب الإسلامي التركستاني” الذي يعتبر الأهم ويتميز بتجربة واسعة وخصوصية معينة.
“الحزب الإسلامي التركستاني”
إن جُل نشاط “الحزب الإسلامي التركستاني” يتمحور أساساً في منطقة شمال غرب الصين، في إقليم تشانغ بينغ. من هذا الإقليم، بدأت هذه الحركة الإسلامية منذ زمن طويل، وانتقل بعض كوادرها إلى أفغانستان، ومن ثم انتقل جزء من أعضائها إلى سوريا وتم بمساعدة تركية، دون أدنى شك، حيث تم توثيق مساهمة جمعية إعادة التعليم التركية، إلى جانب الكثير من الدوائر والجمعيات الإنسانية ظاهرياً، في وصولهم إلى الداخل السوري.
تميزت تجربة هذا الحزب بتضمنه نوعاً من القسوة في المعارك ونوعاً من الإنعزالية المطلقة، إضافة إلى أنه الأكثر حرصاً على عدم دخول عناصر غريبة إليه. فيما بعد، تم تطوير التجربة بحيث أنه أصبح لديه ما يسمى “فصيل الأنصار السوريين”، مع الإشارة إلى أن أغلب الفصائل الجهادية كان لها فصيل من الأنصار السوريين. ويشار هنا إلى أن إختيارات الحزب لتلك العناصر كانت دقيقة جداً وعالية المستوى ونوعية إذ لا يمكن الموافقة على إنتماء أي عضو سوري إلى أنصاره إلا بعد دراسة عميقة جداً.
ما تجدر الإشارة إليه هنا أن “جناح الأنصار السوريين” هو تطور خطير في عمل التنظيمات الجهادية، وقد يؤدي إلى تبعات غير محمودة العواقب إذ يتطلب الأمر متابعة وتعاون بين الدول المختلفة، إضافة إلى الجهد السوري المحلي، من أجل متابعة نشاطه المتطور بشكل واضح، لأن المسار التصاعدي لنشاطه قد يؤدي إلى تطور كبير في عمل الفصائل الجهادية إلى جانب الخطر المستقبلي الكبير في عمله. يأتي ذلك في وقت لم يعد جناح الأنصار يعتمد فقط على السوريين، كما حدث في المرحلة الأولى، بل تحول الأمر إلى مستوى أكبر فأصبح يضم الألبان الأوروبيين إضافة إلى عناصر من المالديف وبعض حملة الجنسية الفرنسية. هذا الأمر ساعد، وبشكل كبير ولافت، على عولمة الحركة الإسلامية التركستانية.
هذا التطور في العمل يمهد إلى إنتشار أكبر للحزب وإمكانية تقديمه الدعم اللوجستي وتنفيذ عمليات واسعة على مستوى العالم قد تضر بالمصالح الصينية، بالدرجة الأولى، والجنوب الروسي بشكل واسع وفعَّال. فأعضاء “الحزب الإسلامي التركستاني” يرغبون بالخروج من سوريا، برعاية تركية، ويفضلون العودة إلى المناطق التي جاؤوا منها لكونها تشكل مسرح النشاط التقليدي والتاريخي لهم إذ أنهم يعتبرون المنطقة الممتدة من تركستان في الصين ووادي فرغانة إلى إسطنبول (إي منطقة جنوب روسيا وشمال غرب الصين) “مجالهم الحيوي”. فالتواجد في تلك المنطقة، يسهل لهم عملهم نظراً لوجود عدة عوامل أبرزها عاملي العرق واللغة.
أدلة وتوثيق
هنا، تجدر الإشارة إلى أمر هام جداً. عند الحديث عن فصيل “الأنصار السوريين”، المرادف “الحزب الإسلامي التركستاني” أو الفصائل الأخرى مثل “حراس الدين” او غيره، فنحن نتحدث هنا انطلاقاً من وثائق مسجلة عن حقائق لأشخاص ومجموعات سورية تساهم فعلياً في عمليات التدريب والدعم اللوجستي، وتأمين إحتياجاتها على مختلف المستويات، فصلاً عن المشاركة في العمليات الجهادية العسكرية أيضاً.
الآن، في مناطق سلقين وحارم، يحتضن الحزب الكثير من العناصر ومن مختلف التنظيمات الأخرى المنتمية لذات النسق العرقي، ويقوم بتأمين مواقع لجوء ومعسكرات تدريب لهم ولأسرهم وعائلاتهم.
تشبيك الإرهاب
عندما نشير إلى مسألة “عولمة” التنظيمات الجهادية، نريد هنا التركيز على خطورة هذا الأمر لجهة ضمها لعدد كبير من الإنتماءات العرقية والجغرافية المختلفة في صفوفها، إذ أننا سنجد منتسبين من أفريقيا وآسيا، ودول جنوب المحيط الهندي، ودول عربية وأوروبية.
أضف إلى ذلك، إن موضوع الهجرة السورية إلى أماكن متعددة حول العالم ساهمت، بشكل من الأشكال، بإعادة توزيع بعض العناصر الجهادية في مختلف دول العالم. هذا الأمر يتطلب وعياً حقيقياً من الدول المستثمرة بالإرهاب من خلال أهمية التنسيق مع الدولة السورية وأجهزتها بشكل حقيقي والإستفادة من التجربة السورية في مكافحة الإرهاب، وإعادة النظر بوعي إلى النظرة الحكيمة التي يعمل من خلالها الرئيس السوري، بشار الأسد، في هذا المكان بالذات. فموقفه الإستراتيجي هذا لا يقف عند حدود الشعب السوري فقط، بل هو موقف يخص كل شعوب العالم لكون بلاده تخوض معركة مكافحة الإرهاب عن كل دول العالم. لكن الأهم من ذلك أنه يجب على أوروبا أن تعي هذا النهج لأهميته بعيداً عن التناقضات السياسية والمصالح الإقتصادية.
بالنتيجة، إن الإرهاب خطر على الجميع، وعلى كل هذا الجميع أن يعي هذه الحقيقة ويتصرف على أساسها.
*باحث سوري متخصص في الحركات الإسلامية الجهادية
مصدر الصور: المُراسل – عربي برس.