د. عبدالله الأشعل*

هناك حقيقتان متناقضتان؛ الحقيقية الأولى، إن الأمم المتحدة هي التي أنشأت إسرائيل بـ “قرار التقسيم”، الصادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 في 29 نوفمر/تشرين الثاني 1947. وفي نفس الوقت تقريباً، أصدرت الهيئة نفسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، 10 ديسمبر/كانون الأول 1948، الذي أكد على حقوق اليهود وانتهك حقوق الشعب الفلسطيني.

وفي مايو/أيار 1949، قبلت الجمعية العامة للأمم المتحدة إسرائيل كعضو في المنظمة الدولية وإن كان ذلك قد تم بشروط. وبعد ذلك بسنوات، قررت الجمعية نفسها أن أحد أيام يناير/كانون الثاني من كل عام هو الذكرى السنوية لمذابح اليهود في ألمانيا المعروف بـ “الهلوكوست”، ومعنى ذلك أن الأمم المتحدة إنتهكت ميثاقها كي تطفى شرعية خارج الميثاق على تقسيم فلسطين، خصوصاً وأن مبدأ التقسيم نفسه مناقض للميثاق الذي قرر أن لكل الشعوب الحق في تقرير مصيرها، والشعب الفلسطينى كسائر شعوب الأرض له الحق في تقرير مصيره على أرضه.

لكن اليهود فهموا أن قرارات الأمم المتحدة صدرت لصالحهم، وقد أوضحت في محاضراتي حول حق تقرير المصير لإحدى السنوات في قسم العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة بأن “حق تقرير المصير” مُنح للشعب وليس للأقلية مع وجود بشرط وهو أن يكون على أرضه التي لا نزاع فيها، على خلاف زعم اليهود أن فلسطين أرضهم وأن قرار التقسيم هو إعتراف من المجتمع الدولي بذلك. أما قيام إسرائيل العام 1947، أي بقرار التقسيم، فهو يعد تقاطعاً بين السياسة والقانون؛ السياسة التي عكست إتفاق كل من موسكو وواشنطن، وكل الدول العظمى، على إنشاء إسرائيل في الجزء الذي خصصه لها القرار. أما القانون، فيمنع منح اللاجئين الغزاة حقاً في الأرض التي ليست ملكاً لهم.

من هنا، قدَّم اليهود نظرية “الإسترداد”، وجاهروا بها في السنوات الأخيرة مناقضين ما إتفق عليه من أن فلسطين مقسمة بين العرب واليهود، وأن الشعبين يجب أن يقيما جنباً إلى جنب في دولتين منفصلين ومستقلتين. بالفعل، كرست الأمم المتحدة قراراتها لإدانة إحتلال إسرائيل للإراضي الفلسطينية معتبرة إياها أراضٍ محتلة، وهذا ما يتناقض مع نظرية إسرائيل لإسترداد الأرض التي كانت لهم والتي ترتب عليها سعى إسرائيل للهيمنة على كل فلسطين.

أما الحقيقة الثانية، إن إسرائيل التي ولدتها الأمم المتحدة لم تكف يوماً عن إتهامها بالعنصرية ومعاداة السامية وكراهية إسرائيل رغم كل ما قدمته المنظمة لها. بالمقابل، أدانت الأمم المتحدة نفسها الجرائم بحق الفلسطينيين التي إرتكبتها إسرائيل على قاعدة جرائم الإبادة.

في البداية، كانت مذابح دير ياسين والقدس وغيرها من المدن والقرى الفلسطينية، وفيما بعد جاءت إبادة الشعب الفلسطيني بكل صورها، في الضفة الغربية وغزة. فليس اليهود فقط هم الذين أبيدوا بـ “الهلوكوست، في ألمانيا الهتلرية وإنما أحفادهم تنكروا لجميل الفلسطينيين الذين آووهم لأسباب انسانية فإنقلبوا عليهم.

لم تكف الأدبيات الإسرائيلية عن مهاجمة الأمم المتحدة، بل أن نبرة اليهود في الفترة الأخيرة حملت نوعاً من الشماتة بها وبقراراتها لأن إسرائيل، التي تحتقر القانون الدولى وميثاق الهيئة الدولية ودخلت بشروط لم تحترمها، إنتصرت في النهاية بشطرها للصف العربي الذي إنشق طيلة 70 عاماً، أي منذ قيام إسرئيل، بين من طالب بحقوق الشعب الفلسطيني وبين من زعم بأن الإعتراف بها يمكن أن يحقق هذا الهدف دون التعرض لعدوانها المستمر على الدول العربية.

لقد بات معلوماً بأن إنكسار مصر، العام 1967 عسكرياً، أدى إلى إنكسارها سياسياً ودبلوماسياً بتوقيع صفقة “كامب ديفيد” التي فتحت الباب لإنتصارات إسرائيل على جميع الجبهات وخاصة مصر، التي تعتبرها إسرائيل عدواً لا يؤتمن جانبه وهم يتحدثون بصراحة عن أنها كـ “الليث” لا يضحك حتى لو بدت نواجذه.

شخصياً، طالبت الأمم المتحدة بتخصيص يوم لـ “الهلوكوست” اليهودي كما خصصت يوماً لـ “الهولوكوست” الألماني حتى يتذكر العالم أن أحفاد المحرقة الألمانية جاوؤا ينتقمون ممن أحسنوا إليهم والذين لا ذنب لهم فيما حدث، علماً بأن العرب يعترفون بحرق اليهود وغيرهم في المحرقة بالفعل، لكنهم يؤكدون أيضاً أن اليهود في فلسطين قد إرتكبوا محارق ضد الفلسطينيين والعرب.

يبدو أنني كنت مدفوعاً لهذا الإقتراح منطلقاً من منطق العدل قبل أن تطغى رايات الظلم اليهودي وتستجلب العرب إليها كالعبيد، فلربما تدور الأيام وتنبت في الأرض العربية رجال يعتزون بعروبتهم. لكن ما أريد التأكيد عليه في هذه المقالة هو أن اليهود يتباكون على مزاعم غير صحيحة ويشعرون بحكم طبيعتهم بالإضطهاد ولو كانوا في الجنة، فهي طبيعتهم التي أخبرنا عنها القرآن الكريم.

*سفير سابق ومساعد وزير الخارجية المصري الأسبق.

مصدر الصورة: دي دبليو.

موضوع ذا صلة: هل يمكن أن تعترف دولة عربية بإسرائيل وفلسطين معاً؟