أمجد إسماعيل الآغا*
انعطافات دراماتيكية تلك التي يقوم بها أعداء سوريا حيث أنه وللوهلة الأولى، وبالنظر إلى ما تعرضت له دمشق سياسياً وعسكرياً، يبدو أنه من الصعب التصور بأن يكون لها أي بعد إقليمي مؤثر بعد الحرب التي فرضت عليها.
لكن الوقائع والمعطيات تشير صراحة إلى أن سوريا، كانت ولا زالت، الرقم الصعب في المعادلات الإقليمية والدولية، فهدف الحرب التي شنت عليها كان إقصائها من موقعها الإقليمي المؤثر والفاعل في رسم معادلات الشرق الأوسط. واليوم، تتمكن الدولة السورية من إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، ليكون المشهدين الإقليمي والدولي مضبوطان بتوقيت دمشق، إذ من الواضح أن المنجزات على الصعيدين السياسي والعسكري التي تم تحقيقها، سيكون لهما تأثيراً فاعلاً في رسم الخطوط العريضة لكافة الأدوار في الخارطة الإقليمية، ليعود بذلك “محور العدوان” مرغماً باحثاً عن استراتيجية تعيده إلى حضن دمشق، والتعاطي بواقعية مع مفاعيل انتصارها.
بل أكثر من ذلك، تحاول الآن هذه الدول التي كانت رأس حربة في العدوان، البحث عن مخرج لها من الجغرافية السورية، بل والبحث أيضاً عن قنوات تواصل مؤسساتها الرسمية، من السعودية إلى الإمارات وقطر مروراً بالأردن. فقد حاولت كل هذه الدول إرسال إشارات إلى دمشق ترغب من خلالها بإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل العام 2011، لكن الرئيس السوري، بشار الأسد ومن خلال رؤيته السياسية للمعطيات والوقائع، جعل دمشق قادرة على أداء دورها الإقليمي المؤثر والمتعاظم في مقابل فشل استراتيجي للدول الإقليمية “المعتدية”.
خطوات متسارعة تشي بأن القادم من الأيام سيحمل تحولات عربية، هي تحولات لم تأتِ جزافاً، فالدولة السورية وعبر استراتيجية معقدة، تمكنت وحلفاؤها من إعادة دمشق وبقوة إلى واجهة المشهد الإقليمي والدولي، ما يفسر هذه التحولات بالمواقف العربية والغربية من سوريا، وإعادة افتتاح السفارة الإماراتية في دمشق، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، بأن الخطوة الإماراتية تأتي في سياق الإعتراف بالإنتصار السوري، ليأتي بعد ذلك إعلان البحرين بإستمرار العمل في سفارتها، وذلك بعد ساعات قليلة من إعادة فتح السفارة الإماراتية ووصول أول رحلة جوية قادمة من مطار دمشق الدولي إلى مطار الحبيب بورقيبة الدولي في مدينة المنستير الساحلية بتونس بعد توقف دام لأكثر من ثماني سنوات.
الرهانات العربية بإسقاط الدور السوري المؤثر في الشرق الأوسط، باءت بالفشل، هذا يعني أن الخطوات المستقبلية للقادة العرب ستكون في إطار البحث عن طرق توصلهم إلى الرئيس الأسد و مصافحته، فالأسد المنتصر وبفخر، صمد ثمان سنوات، فكانت معادلة القيادة الاستراتيجية والشعب السوري والجيش السوري، معادلة يصعب اختراقها، وعليه سنرى عودة الكثيرين إلى سوريا، فالدولة السورية أثبتت أنها بوابة العروبة، وعلى الرغم من سنوات الحرب عليها، إلا أن بوصلة دمشق كانت تشير دائما إلى القدس، إضافة إلى ذلك، فقد أثبت الأسد أنه لا مجال للمساومة على حساب ومصالح السوريين، فالربيع الحقيقي سيبدأ من دمشق، بعدما سقط ربيع الإرهاب على أبوابها.
ضمن هذه المعطيات، فإن الدولة السورية تعود وبقوة إلى الخارطة الإقليمية والدولية، خاصة بعد السعي الخليجي للعودة إلى الحضن السوري، ويبدو واضحا أن هذا السعي سيكون بمثابة وضع مفاتيح العلاقات الإقليمية من جديد بيد دمشق، ليكون دورها بمثابة “المُصلح”.
أيضاً، يبدو من المتوقع أن تلعب دمشق خلال الفترة القادمة دوراً في توافق التوجهات الإقليمية، وتحديداً بين الخليجيين وإيران؛ أما في حالة وجود رهانات جانبية خليجية عن دور روسي في تقريب وجهات النظر بين الخليجيين ودمشق، كوسيلة لإبعاد الأخيرة عن إيران، فستكون رهانات فاشلة حيث أن واقع العلاقات السورية – الإيرانية – الروسية، وأبعادها الإقليمية والدولية وجملة المصالح التي تجمع بين هذا الثالوث، ستطيح بذاك الرهان لا بل ان موسكو ستشجع السوريين على لعب دور شبيه بدورها في حفظ العلاقات مع كل القوى الإقليمية المتنازعة.
في المحصلة، الجميع بات يعلم أن جميع الطرق السياسية والدبلوماسية تمر من دمشق، وبات الجميع يبحث عن أفضل الطرق للوصول إليها لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، أما قادة الخليج، فباتوا يتوقون إلى التقرب من دمشق عبر خطوات دبلوماسية قبيل إعلان الإنتصار السوري، لتكون دمشق بذلك عنوان المشهدين الإقليمي والدولي.
*كاتب وإعلامي سوري
مصدر الصور: سكاي نيوز عربية – نون بوست.