إعداد: مركز سيتا

عُثر على النحاس، في حالته المعدنية شبه النقية، في العديد من مناطق العالم القديم وإن كان بكميات صغيرة نسبياً. وقد استخدم “المعدن الأحمر”، أو البرتقالي أو البني اللامع، لأول مرة في البلقان والشرق الأوسط والشرق الأدنى في الفترة ما بين 3000 – 8000 قبل الميلاد.

ومع دخول هذا المعدن في العديد من الصناعات الثقيلة وحتى الإستراتيجية منها، بدأ التنافس عليه بشكل كبير بين الدول الكبرى من أجل تحديث صناعاتها؛ وبالتالي، بدأ الصراع للوصول إلى الدول التي تمتلك هذا المعدن الصناعي للإستثمار فيه.

أكبر الدول إنتاجاً

تُعتبر تشيلي من كبار منتجي النحاس في جميع أنحاء العالم، إذ تنتج لوحدها حوالي الـ 5750 ألف طن سنوياً، حيث باتت مصدر جذب للإستثمارات الأجنبية، خاصة في فترة التسعينات عندما أقرت الحكومة قانون التعدين؛ يليها الصين التي يصل إنتاجها إلى 170 ألف طن سنوياً، ويعد هذا البلد هو أكبر مستهلك للنحاس. أما بيرو فتحتل المركز الثالث وتنتج حوالي 1380 ألف طن سنوياً، وقد زاد الإنتاج خلال العقد الماضي حيث أصبحت الصين أكبر مستورد لها.

في المرتبة الرابعة، تأتي الولايات المتحدة التي تستخرج بحدود الـ 1360 ألف طن كل عام، يليها جمهورية الكونغو الديمقراطية حيث تنتج حوالي 1030 ألف طن. وعلى الرغم من أن جمهورية الكونغو ليس لديها أعلى معدل إنتاج، لكنها تحتوي على ثاني أكبر احتياطي من النحاس في العالم داخل حدودها.

يلي الكونغو، أستراليا، بمعدل إنتاج 970 ألف طن، وفي المرتبة السابعة روسيا وتنتج 742 ألف طن من النحاس، ويلي هذه الدول كل من زامبيا 708 ألف طن، وكندا 696 ألف طن، فالمكسيك 515 ألف طن.

وفي العام 2017، صرح نصرالدين الحسين، مدير عام شركة “أرياب” للتعدين في السودان، أن منجم “أوتيب” يحوي أكبر احتياطي من النحاس في العالم بمقدار يصل إلى 5 ملايين طن.

إستخدامات أساسية

يُعد النحاس من المعادن المهمة عبر العصور، والتي تم استخدامها في العديد من الصناعات كصناعة الآلات الحربية والأسلحة والسبائك وطلاء المجوهرات، كما يدخل النحاس في صناعة السكر وتحليله. إلى جانب ذلك، يستخدم النحاس في صناعة الأسلاك الكهربائية، حيث أنه يساعد على توصيل الكهرباء بشكل ممتاز خصوصاً وأنه معدن ذي تشكيل سهل ومرن، وصناعة أواني الطعام، والمواسير والصنابير. يدخل النحاس في الغذاء حيث أنه يتمكن من تحسين الأنزيمات الكبدية، كما أن يفيد العظام بشكل كبير، وفي صناعة الأقفال والأبواق والأجراس، وأيضاً في تصنيع التطبيقات الزخرفية.

تنافس دولي

يعتبر النحاس من أكثر المعادن التي تتأثر بالتغييرات التي تطال الإقتصاد العالمي، بحيث يوجد ارتباط وثيق بين أسواق السلع العالمية وعمليات السرقة التي تقع على النحاس. ويعتبر الخبراء التبدلات في السعر مسؤولة عن التحولات التي تحدث في الإقتصاد العالمي. وتبدو النظرية مقنعة بسبب عدم حصرية استخداماته في صناعات معينة بذاتها. لذلك، كان التنافس على مناجم هذا المعدن شرساً أحياناً.

إشترت شركات صينية منجماً للنحاس في البيرو من شركة “غلينكور إكستراتا” السويسرية مقابل 5.85 مليار دولار، وهي الصفقة التي تضاف إلى موجة عمليات استحواذ أجنبية بمليارات الدولارات، تقوم بها شركات طاقة وتعدين مملوكة للحكومة الصينية في الخارج، وذكرت “غلينكور” أنها وقعت اتفاقاً لبيع جميع حصتها في منجم النحاس “لاس بامباس” إلى اتحاد شركات صينية تقوده “إم.إم.جي” المحدودة، وهي شركة تعدين تسيطر عليها شركة “تشاينا مينميتالز” المملوكة للدولة.

على المقلب الآخر، تتميز ألمانيا بقوة إقتصادها الذي يعتبر أكبر إقتصاد في القارة الأوروبية كلها، إذ يمثل رابع أكبر اقتصاد في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي الإسمي، وهو خامس أكبر اقتصاد في العالم من حيث إجمالي الدخل القومي طبقًا للقوة الشرائية، فلا عجب أن تكون ألمانيا أحد أكبر المنافسين على النحاس الذي يدخل في صلب صناعاتها، كالصناعات الثقيلة والسيارات والسفن والقطارات وأجهزة التكنولوجيا والتجهيزات المنزلية، إذ أنه يدخل كمادة أساسية فيها.

عوائق وعثرات

عصفت الكثير من الأحداث  بأسعار المعدن الأحمر في أسواق تداول السلع، لا سيما تداول العقود مقابل الفروقات للسلع، وبالأخص المعادن، على مستوى العالم بين صعود وهبوط، وسحابة كثيفة من حالة عدم التأكد تظلل الأسواق العالمية، وأبرز الأحداث التي أثرت بشكل مباشر على تذبذب سعر المعدن الأحمر هي إضراب عمال منجم النحاس في تشيلي، واكتشاف أكبر منجم للنحاس في بيرو، والعلاقات التجارية المتوترة بين الصين والولايات المتحدة، بالإضافة إلى ارتفاع طلب الصين على خام النحاس في ظل الإنخفاض الشديد لمخزونه في مستودعات الجمارك الصينية.

من هنا، أعلن الرئيس البيروفي، مارتن فيزكارا، عن أنه سوف يُمهد الطريق أمام استخراج المعادن بطريقة مسؤولة، كما كشف عن رغبته في التخلص من الطرق التي تؤدي إلى التدهور البيئي، وقد يمثل ذلك تحدياً في قطاع التعدين خلال الفترة القادمة.

مكانة عالية

كشف معهد “فرايزر” في تقريره السنوي الخاص بشركات التعدين أن البيرو عززت مكانتها في هذا القطاع وأصبحت ضمن أفضل 20 دولة في قطاع التعدين، وذلك بعدما جاءت البيرو في المركز الـ 28 كأكثر الوجهات جاذبية للإستثمار في قطاع التعدين العام 2016، ومن المتوقع أن تصل الاستثمارات في قطاع التعدين في بيرو إلى نحو 6 مليارات دولار في العام 2019، بما يمثل زيادة قدرها 30.4% عن العام 2018.

ومن بين الكثير من المشروعات في قطاع التعدين في البيرو مشروع “كويلافيكو كوبر” الذي بدأ بفضل استثمارات المملكة المتحدة التي بلغت نحو 5.3 مليار دولار، وقد أعلن الرئيس البيروفي عن أن هذه الإستثمارات الأوروبية سوف توفر آلافاً من فرص العمل للمواطنين.

أخيراً، إن الانفتاح التجاري وتقديم مزايا للإستثمار الأجنبي تعد من النقاط الأساسية في جدول أعمال الحكومة البيروفية خلال العام 2019، وتستهدف الحكومة أيضاً إدارة التضخم ومحاربة الفقر، وفي ذات الوقت خلق هذا الجو حدة في التنافس الدولي حول إستخراج المعادن لا سيما مع إزدياد الطلب الصيني عليه. فضروريات الحياة اليومية، خاصة المصنعة من النحاس، يدور حولها سباق دولي محموم. فالشركات العالمية تجد نفسها مجبرة على استيرادها، فيما تنعم أخرى بمخزون طبيعي هائل على أرضها.

مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.

مصدر الصور: سبوتنيك – الإقتصادية