إعداد: مركز سيتا

تأتي زيارة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى كل من السعودية والإمارات في خضم تطورات كبيرة تشهدها المنطقة، على رأسها الملف السوري، والتوتر مع إيران، بما في ذلك الصفقات التجارية الكبرى الموقعة بينهم. فهل يفتح التعاون الإقتصادي الأبواب أمام التقارب السياسي؟ وكيف يسهم هذا التقارب في حل الأزمات الدولية في المنطقة؟ وأي دور تلعبه موسكو التي تربطها علاقات جيدة بكل أطراف النزاع؟

تمتين للعلاقات

يعد الملف السوري أكثر الملفات التي تتصدر جدول أعمال زيارة الرئيس بوتين، حيث شدد خلال لقاء إعلامي على ضرورة مغادرة كل القوات الأجنبية للأراضي السورية من خلال مناقشة هذه المسألة مع الشركاء الإيرانيين والأتراك، بشكل علني، وكذلك الولايات المتحدة، لكي تستعيد سوريا سيادتها بالكامل.

إلى ذلك، يسعى الرئيس بوتين عقد صفقات لبيع السلاح الروسي، إذ يأتي هذا التسويق في ظل مخاوف روسية من التوسع المستمر لحلف شمال الأطلسي – الناتو، بُعيد إقترابه من البنية التحتية للحدود الروسية.

من هنا، تهدف زيارة الرئيس بوتين إلى إيجاد موطئ قدم مهم على خلفية التوتر الإيراني، وإقامة علاقات أكثر متانة مع السعودية التي وصفها بأنها قوة عالمية يكمن تأثيرها الأساسي على أسواق الطاقة العالمية.

تراجع الحليف وتقدم الصديق

في غمرة المكاسب التي تحققها موسكو وفي ظل تقلبات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي تثير مخاوف أقرب الحلفاء إليه، جاءت الزيارة لتشمل أهم دولتين في الخليج؛ زيارتان ظاهرهما إقتصادي، وباطنهما إستراتيجي بإمتياز لا سيما مع بروز شديد لعقيدة ترامب “الإنسحابية” حيث بدأت الولايات المتحدة تفقد الكثير من مواقعها، بشكل أم بآخر، التي كانت تهيمن عليها في الشرق الأوسط لعقود من الزمن.

من هنا، يمكن القول بأن روسيا تسعى إلى “إقتناص” الفرصة من أجل تعزيز تواجدها في المنطقة لغايات متعددة ليس أولها المصالح الاقتصادية والإستراتيجية، إضافة إلى تعزيز الأمن القومي الروسي الذي يمتد بخطوات متسارعة.

إنفتاح سعودي

تضمن لقاء الرئيس بوتين مع العاهل السعودي، سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده، الأمير محمد بن سلمان، توقيعاً للعديد من الاتفاقيات إضافة إلى التطرق لتعاون بين البلدين في مجالات الطاقة والزراعة والصناعة والعسكر، إذ قال يوري أوشاكوف، مساعد الرئيس الروسي، في تصريحات له “إنه يتم تحضير نحو 30 وثيقة، بما في ذلك اتفاقيات اقتصادية وتجارية”. ووفقا لمدير صندوق الاستثمارات المباشرة الروسي، فإن الصندوق سيوقع خلال الزيارة اتفاقيات بنحو ملياري دولار.

إلى ذلك، قال الرئيس الروسي “نولي أهمية كبيرة للتنسيق الروسي – السعودي للوضع في سوق الطاقة العالمي. فمن خلال المشاركة النشطة لبلداننا، تمكنا من تمديد اتفاق أوبك+ لإنتاج النفط”، مضيفاً “يهدف تعاوننا إلى تعزيز السلام والأمن في المنطقة وتحقيق الإستقرار في قطاع الطاقة العالمي. وكل هذا يأتي بثمار إيجابية.”

في هذا الصدد، يقول عضو مجلس الشورى السعودي السابق، محمد آل زلفى، إن زيارة الرئيس الروسي للمملكة ودولة الإمارات “تعد من أهم الزيارات لزعيم عالمي كبير لهذه المنطقة، لا سيما في ظروف غاية في الصعوبة، ولكن ما هو واضح أن المملكة رحبت بهذه الزيارة بشكل غير تقليدي، لما تراه من أهمية لتقوية العلاقات بين السعودية وروسيا”، لافتاً إلى أن موسكو المتطلعة إلى بناء روسيا “جديدة” باقتصاد قوي، حريصة على أن تكون شريكاً لأهم دولتين في المنطقة من أجل بناء تعاون اقتصادي قوي يحرص على أمن واستقرار أهم المناطق التي تلعب دوراً مهماً ضمن دائرة الإقتصاد العالمي.

تقارب الرؤى والتشاركية

بلغت حصيلة العقود والصفقات التي تم توقيعها بين موسكو وأبو ظبي ما يقارب على مليار و400 مليون دولار، إلى جانب حزمة من إتفاقيات التعاون في مجالات عديدة، كالتجارة والإقتصاد والإستثمار وخاصة في مجال الطاقة النووية السلمية، حيث أكد الرئيس بوتين أن إتفاقية الشراكة الإستراتيجية، التي وقعت بين البلدين العام 2018، مهدت لأرضية متينة في العلاقات الثنائية.

أما الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبو ظبي، فقد وصف الزيارة بـ “التاريخية” معرباً عن أمله في أن ترقى العلاقات بين البلدين إلى مستويات إستراتيجية جديدة، في حين أعلن الرئيس بوتين عن إستعداد بلاده التعاون مع الإمارات في تطوير برنامجها الفضائي، بما في ذلك مجال الملاحة الفضائية وإطلاق الأقمار الصناعية. ولقد أكد وزير الطاقة والصناعة الإماراتي، سهيل المزروعي، أن زيارة الرئيس الروسي تجسد قوة الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين الصديقين، وتعزز التعاون بينهما في القطاعات الحيوية.

ردود إيجابية

يقول الكاتب الصحفي السعودي، مسعد الزياني، إن “زيارة الرئيس الروسي للسعودية والإمارات، تؤكد على مدى التفاهم والشراكة بين روسيا من جانب والإمارات والسعودية من جانب آخر”، مشيراً إلى أن “التوافق بين روسيا والإمارات حول بعض القضايا تأكد خلال الزيارات السابقة وخاصة زيارة وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، وأن اختلاف الرؤى حول بعض القضايا في المنطقة قد تقربه زيارة الرئيس الروسي إلى الإمارات والسعودية.”

وبحسب صحيفة “البيان” الإماراتية، أظهرت بيانات قطاع الترخيص والتسجيل التجاري في اقتصادية دبي أن عدد المستثمرين الروس في منشآت الأعمال بلغ 2880 مستثمراً، يمتلكون بشكل كامل أو جزئي 1958 رخصة أعمال، وأن هذه الإستثمارات تتوزع على 4 قطاعات رئيسية، كالمهن والصناعة والسياحة.

أخيراً، تنتظر المنطقة دور أكبر لروسيا من خلال توسيع إنخراطها في الملفات الشائكة بشكل أوسع على قاعدة توسيع منطلقات الشراكة، خصوصاً الإقتصادية والسياسية، مع دول الخليج وغيرها، بحيث يمكنها إحداث تغيير كبير في خارطة النفوذ الإقليمي والدولي، كتراجع سطوة واشنطن. بالتالي، إن هذه الزيارة تشكل خطوة تأسيسية بجميع المقاييس، ونقلة نوعية في العلاقات الروسية – الخليجية عبر تكريس جديد للشراكات الإستراتيجية والتعاون المتواصل في مختلف المجالات.

مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.

مصدر الصور: الخبر أونلاين – العربية نت.