مركز سيتا

يحتدم الصراع الأميركي – الصيني على أكثر من جبهة، حيث تشكل منطقة المحيط الهادئ واحدة من أهم ساحاته، فمن تايون إلى جزر سليمان وصولاً إلى كمبوديا، يتصدر مشهد المنافسة الشرسة، بواحدة من أكثر المناطق ذات الأهمية الاستراتيجة في العالم.

وأشادت بكين بـ”شراكة لا تنكسر” مع بنوم بنه (عاصمة كمبوديا)، خلال إطلاقهما، مشروعاً تموّله الصين لتحديث أضخم قاعدة بحرية في كمبوديا، تتمتع بموقع استراتيجي في خليج تايلاند، في تطوّر أثار خشية الولايات المتحدة من استخدامها لتوسيع نفوذ بكين.

اتساع رقعة المخاوف

لم تستفق بعد الولايات المتحدة من تأثيرات نهجها تجاه الأزمة الروسية – الأوكرانية خاصة مع تأثر اقتصادها سريعاً بارتدادات الأزمة، وفتحها مناوشات تحذيرية ضد الصين من خلال الإمساك بورقة تايوان، فقد جابهت الصين في قمة سنغافورة بكل قوة الأمر الذي أدى إلى تراجع حدة التصريحات الأمريكية.

في هذا السياق، قال وزير الدفاع الصيني، وي فنغي: “إذا تجرأ أي شخص على فصل تايوان عن الصين، فلن يكون أمام جيش التحرير الشعبي الصيني خيار سوى القتال بأي ثمن وسحق أي محاولة لاستقلال تايوان مع حماية السيادة الوطنية وسلامة الأراضي، وذلك خلال لقاء جمع الوزير الصيني بنظيره الأمريكي، لويد أوستن، على هامش قمة الأمن الآسيوي، حوار شانغريلا، في سنغافورة.

حيث أُجبر، المسؤول الصيني، وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن على الإشارة إلى أن الولايات المتحدة كانت ملتزمة بالحفاظ على الوضع الراهن والاعتراف ببكين كحكومة الصين الوحيدة، وبالتالي معارضة استقلال تايوان، لكن في الوقت نفسه، أصر وزير الدفاع الأمريكي على أنه لا ينبغي أن تكون هناك محاولات لحل التوترات بالقوة.

لكن رغم ذلك، أثار التحرك الصيني في المحيط الهادئ المخاوف الغربية إثر الاتفاق الموقع بين بكين وهونيارا، في أبريل/ نيسان الماضي، حيث شكلت التقارير المسربة حول منشأة جديدة في قاعدة ريام في كمبوديا، معدة للاستخدام الحصري من قبل البحرية الصينية، سبباً لارتفاع حدة تلك المخاوف.

قديم جديد

تعود المخاوف بشأن القاعدة إلى عام 2019، عندما أفادت صحيفة وول ستريت جورنال بوجود مسودة سرية لصفقة تسمح لبكين بإرساء السفن الحربية هناك، وقامت كمبوديا منذ ذلك الحين بتفكيك منشآت في القاعدة تم بناؤها جزئياً بأموال أميركية واستضافت تدريبات أميركية.

وقال إريك سايرز، المستشار السابق للقيادة الأمريكية في المحيطين الهندي والهادئ، إن بناء الصين السري لقاعدة كمبودية “يشبه قواعد اللعبة” التي استخدمتها في استعادة وعسكرة جزر سيراتلي في بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه بداية من عام 2015.

وأثارت مسودة مسربة لاتفاق جزر سليمان والصين في أبريل/ نيسان، مخاوف من أنها ستسمح بالانتشار البحري الصيني في الدولة الجزيرة الواقعة في المحيط الهادئ، على بعد أقل من 2000 كيلومتر (1200 ميل) من أستراليا.

وقال مسؤولون غربيون إن الصين تبني سراً منشأة بحرية في كمبوديا للاستخدام الحصري لقواتها العسكرية، مع إنكار البلدين ذلك واتخاذ إجراءات استثنائية لإخفاء العملية، حيث سيكون التواجد العسكري في الجزء الشمالي من قاعدة ريام البحرية في كمبوديا على خليج تايلند، والتي من المقرر أن تقام مراسم وضع حجر الأساس هذا الأسبوع، وفقاً للمسؤولين الغربيين.

ويبدو أن إطلاق “قاعدة ريام البحرية” أصبح امراً واقعاً، والذي سيتضمّن حوضاً جافاً لإصلاح السفن، ورصيفاً، وورشة لصيانة القوارب، وممراً، وجرفاً رملياً للسماح للسفن الأكبر حجماً بالرسوّ، ومستشفى و”مبنى استقبال”.

تخفيف التوترات

قال وزير الدفاع الكمبودي أمام مئات الضيوف، بينهم سفراء أجانب والملحق العسكري الأميركي، “إن القاعدة ستكون قادرة فقط على استيعاب السفن التي تبلغ حمولتها 5 آلاف طنّ، في مقابل ألف طنّ الآن، ولكنها ضحلة جداً لتتّسع لكل السفن البحرية، باستثناء أصغرها”، وأضاف، “ثمة مزاعم بأن قاعدة ريام الحديثة ستُستخدم حصراً من الجيش الصيني. كلا، الأمر ليس كذلك أبداً، من فضلكم لا تقلقوا كثيراً بشأن قاعدة ريام، هذا الميناء صغير جداً، وحتى بعد تطويره لا يمكن أن يكون ميناءً يهدّد أيّ دولة”. وتابع: “لن تسمح مملكة كمبوديا بوجود قاعدة عسكرية أجنبية على أراضيها”.

وأشار تيا بانه إلى أنه دعا الولايات المتحدة وممثلين أجانب آخرين إلى القاعدة، كي يتمكّنوا من رؤية أن “لا شيء (يحدث) هنا”، واستدرك أنه بمجرد استكمال المشروع، ستصبح القاعدة منطقة عسكرية مقيّدة، لا يمكن الدول الأجنبية الوصول إليه.

مصلحة بكين

تنخرط الصين مع جنوب المحيط الهادئ منذ أكثر من 3 عقود عبر منتديات إقليمية، مثل منتدى التعاون والتنمية الاقتصادية بين بكين ودول جزر المحيط الهادئ الذي تدعمه الحكومة الصينية بنحو مليون دولار سنوياً، وخلال العقد الماضي، كانت الصين ثاني أكبر دولة مانحة بالمحيط الهادئ بعد أستراليا، متعهدة بتعزيز التعاون في مجالات تشمل الحدّ من الفقر، وتغيّر المناخ.

وتنظر بكين لتلك المنطقة على أنها عنصر مهم في مبادرة الحزام والطريق، ومركز مهم للشحن الجوي في ما يُعرف بطريق الحرير الجوي الذي يربط آسيا بأمريكا الوسطى والجنوبية، وفي العام 2021، وقعت الصين وثائق تعاون لمبادرة الحزام والطريق مع جميع دول جزر المحيط الهادئ الـ 10 التي أقامت معها علاقات دبلوماسية.

كما ارتفع الاستثمار المباشر للصين ببلدان جزر المحيط الهادئ من 900 مليون دولار في العام 2013، إلى نحو 4.5 مليار دولار في عام 2018 بزيادة 400%، واستثمرت شركات صينية أكثر من ملياري دولار في التعدين بالمحيط الهادئ خلال العقدين الماضيين، وبين عاميّ 2010 و2020، زاد إجمالي حجم التجارة في منتجات سمكية بين الصين وجزر المحيط الهادئ من 35 مليون دولار لـ 112 مليون دولار، واستثمرت 11 شركة صينية في مصائد سمكية عبر 6 بلدان من جزر المحيط الهادئ.

من هنا، إن الصين تعمل على تأمين مصالحها على المدى البعيد، على عكس الدول الأخرى، التي لم تحقق لها تحالفاتها سوى الخسائر، فرغم أن الولايات المتحدة تملك 800 قاعدة عسكرية بجميع أنحاء العالم، ونفقاتها العسكرية تتجاوز إجمالي نفقات 9 دول من ذوي النفقات العسكرية الأضخم في العالم، لكنها دائماً ما تتدخل في الشؤون الداخلية لدول أخرى، وترسل طائرات وسفناً حربية للتباهي، وأمام أول هزة داخلية بسبب التضخم في بلادها، حولّت فشل سياستها في معالجة أزماتها لإطلاق تسمية “ضريبة بوتين” على ارتفاع الأسعار الجنوني داخل بلادها.

بالتالي، إن التدخل الصيني في كمبوديا قد يكون يستهدف فيتنام، ولكنه قد يكون رسالة تحد وتحذير للولايات المتحدة على خلفية أزمة تايوان، الصين تملك بالفعل أكبر قوة بحرية في العالم، مع 355 سفينة، بينها 3 حاملات طائرات، بالتالي، قرار العالم بنسف الأحادية القطبية يبدو أنه أقرب بكثير مما يتوقع البعض.

مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.

مصدر الصور: AFP.

موضوع ذا صلة: هل يمكن أن تخسر الولايات المتحدة حرباً ضد الصين بسبب تايوان؟