إعداد: يارا إنبيعة
وقع قادة الدول الخمس المطلة على بحر قزوين، أذربيجان وكازاخستان وروسيا وتركمنستان وإيران في مدينة أكتاو الساحلية الكازاخية، على اتفاقية جديدة تؤطر الوضع القانوني لبحر قزوين الغني بالموارد بعد صراع استمر إلى نحو عقدين من الزمن.
يبدو من الواضح أن هذا الاتفاق وضع حداً للنفوذ الأمريكي، إضافة إلى أنه سيساعد على تهدئة التوتر القائم في المنطقة التي تضم احتياطات هائلة من الطاقة تقدر بنحو 50 مليار برميل من النفط ونحو 300 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي.
صراع مزمن
كان تقسيم الثروات الموجودة بداخل البحر أحد اهم المشكلات الإقليمية، والتي أشعلت صراعاً سياسياً واستخباراتياً بين الدول الكبرى. فأمريكا تبحث عن مصادر نفطية جديدة، في حين ترفض موسكو أي تدخل خارجي بشئون المنطقة، وهو ما دفعها إلى دعوة الدول المتشاركة معها في التواجد على البحر للحوار، بهدف الوصول إلى حلول جذرية، فاستجابت لها كل من إيران وكازاخستان وأذربيجان وتركمنستان.
ومنذ انهيار الاتحاد السوفياتي، شكلت مسألة بحر قزوين موضع نزاع بين الدول الخمس المطلّة عليه، إذ إن الوضع القانوني للمسطّح المائي المغلق بقي غامضاً لمدة 22 عاماً، وكذلك ما يترتب على تحديد وضعه القانوني (ما إذا كان بحر أو بحيرة) من توزيع لثرواته من الغاز والنفط والكافيار، إذ سبق قمة اليوم خمس قمم مماثلة منذ عام 2002، وأكثر من 50 اجتماعاً على مستويات دبلوماسية أقل، بعد تفكك الاتحاد السوفياتي عن أربع دول جديدة على ضفاف قزوين، ما يجعل مسألة هذا البحر من أكثر النزاعات الدولية تعقيداً.
إتفاق التسوية
لم تبرز تفاصيل كثيرة عن المعاهدة الموقعة، لكن اتضح أن الاتفاق يضع تسوية لخلاف طويل الأمد بشأن ما إذا كان قزوين بحراً أو بحيرة، ما يعني أنه يخضع لقوانين دولية مختلفة، فيما يبدو أن هناك نقاطاً أخرى لم تحسم نهائياً، منها ترسيم الحدود.
وفق ما صرح نائب وزير الخارجية الروسي، غريغوري كاراسين، لصحيفة “كومرسانت” فإنه فيما يشير الاتفاق إلى قزوين على أنه بحر تمنحه بنود المعاهدة «وضعاً قانونياً خاصاً»، لا كبحر ولا كبحيرة. كذلك، أفاد الكرملين بأن المعاهدة تتيح المشاركة في معظم البحر، لكنها تقسم قاعه وموارده الجوفية.
ويبدو واضحاً أيضاً أن هناك بنداً متعلقاً “يمنع الدول غير المطلة على قزوين من نشر قوات عسكرية في البحر”، كما أشار إليه الرئيس الإيراني، حسن روحاني، في معرض حديثه عن المعاهدة، حيث رأى روحاني أن بحر قزوين ملك فقط للدول المطلة عليه.
إيران، ترى أنه من الضروري تقسيم البحر “بالتساوي والعدل” بين الدول الخمس المطلة عليه مع تطبيق ما يعرف في القانون الدولي بمبدأ “السيادة المشتركة”، الذي يطبق على البحيرات المغلقة ويعطي الدول الخمس نسباً متساوية، تبلغ 20% لكل دولة من مساحة البحر ومن عائد الاستغلال الجماعي والمشترك لثرواته الباطنية، ويعتبر قزوين، بحسب المادة 122 من اتفاقية قانون البحار بحراً مغلقاً، وإذا ما طبق قانون البحار، سيتم تعيين الحدود البحرية للدول الخمس المطلة عليه، بناءً على مسافات متساوية من البحر وموارد قاعه إلى قطاعات تعرف بإسم “القطاعات القومية”.
منظمة للتعاون؟!
الرئيس روحاني دعا الدول الخمس المطلة على البحر إلى تأسيس منظمة للتعاون الجمركي، والاستثمار المشترك، وتعزيز البنى الاقتصادية بينها، وقال “نرى أنه من المناسب أن نخطو خطوات لتأسس منظمة للتعاون الجمركي، والاستثمار المشترك، وتعزيز البنى الاقتصادية، ونحن على استعداد لتفعيل التجارة بين الشمال والجنوب”، مشيراً الى أن بحر قزوين يستطيع أن يمثل نموذجاً ناجحاً لثبات التعاون والأمن والسلام.
مغزى تاريخي
في المقابل، أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أن دول بحر قزوين ستنشئ “منتدى قزوين الاقتصادي”، موضحاً أن قمة دول بحر الخامسة تتمتع بأهمية استثنائية ومغزى تاريخي، وتضمن الاتفاقية عدم وجود قوى غير إقليمية على البحر. فإتفاقية الوضع القانوني لبحر قزوين، التي أعدت في سياق أكثر من 20 عاماً من المفاوضات، تحدد الحق الحصري ومسؤولية دول الحوض عن مصير بحر قزوين، وتضع قواعد واضحة لاستخدامها الجماعي.
وشدد على أنه يجب على دول منطقة قزوين زيادة التعاون المنهجي في مكافحة الإرهاب، وتوسيع عمل إدارات الحدود، نظراً لأنه في المحيط المباشر للبحر توجد جيوب من عدم الاستقرار، الشرق الأوسط، أفغانستان، لذلك تتطلب الحياة نفسها التعاون الوثيق لمصالح شعوبنا.
فرص كبيرة
أما وزير الخارجية الكازخستاني، خيرت عبد الرحمنوف، فقد أكد أن الاتفاقية تراعي مصالح جميع هذه الدول، حيث ستعتمد على تعاون الدول المطلة عليه في مختلف قطاعات الاقتصاد، بما في ذلك فى قطاع النفط والغاز، بحسب الاتحاد الإماراتية.
وأضاف عبد الرحمنوف أن الاتفاقية تنص على الأخذ بعين الاعتبار مصالح جميع الدول المتشاطئة، وعلى وجه الخصوص تنفيذ الحقوق السيادية لاستخدام باطن الأرض ومد الأنابيب والكابلات تحت الماء وغير ذلك، وأشار إلى أن حرية العبور بجميع وسائل النقل المنصوص عليها فى الاتفاقية، تفتح أمام الدول المطلة فرصاً كبيرة لتطوير البنى التحتية للطرق والسكك الحديد وفي البحر وخطوط الأنابيب في الدول المطلة على البحر.
مكاسب متفاوتة
وفق رئيس المركز الفكري “كاسبيان باريل”، إلهام شعبان، فإن هذا الاتفاق سيسمح بتوسيع إمكانيات التعاون بين الدول الخمس، لكن بعض البلدان قد تخرج منه رابحة أكثر من أخرى.
فبالنسبة إلى تركمانستان، إحدى أكثر الدول انغلاقاً في العالم، فقد أعلنت 12 أغسطس/آب 2018، يوماً لـ “بحر قزوين” تكريماً للاتفاق، معبرة بذلك عن حماستها، إذ يأمل هذا البلد الواقع في آسيا الوسطى والغني بالطاقة إنشاء أنابيب في أعماقه لنقل الغاز الذي ينتجه إلى الأسواق الأوروبية عبر أذربيجان. هذا المشروع الذي تقدر كلفته بخمسة مليارات دولار، واجه في البداية معارضة دول أخرى في المنطقة، ويمكن أن تعترض عليه موسكو وطهران لأسباب تتعلق بالبيئة.
بصفتهما القوتين الكبريين اللتين كانتا تهيمنان في الماضي على بحر قزوين، قد تكون روسيا وإيران أكبر الخاسرين في هذا الاتفاق التاريخي. وفق المحلل في “أتلانتيك كاونسل”، جون روبرتس، اضطرت روسيا إلى تقديم تنازلات في بعض القضايا، “لكنها كسبت نقاطاً لأنها أخرجت وضعاً من مأزق وصل إليه.” كذلك، من المفترض أن يعزز الاتفاق الهيمنة العسكرية الروسية في المنطقة عبر منع أي دول أخرى من إقامة قواعد عسكرية في بحر قزوين.
مصدر الأخبار: وكالات.
مصدر الصورة: قناة العالم.