إعداد: مركز سيتا

يُعتبر العنف من أقدم المظاهر المتأصلة في المجتمعات الإنسانية، وتعاظمت هذه الظاهرة في العصر الحديث بشكل كبير. فعلى الرغم من محاولات الحد منها، إلا أنها لم تؤتِ بنتائج مرجوة، وما تنامي الإرهاب والعمليات الإرهابية مؤخراً إلا دليل على ذلك.

يضاف إلى ذلك، دخول التكنولوجيا إلى عالم الإرهاب، حيث إعتمدت التنظيمات الإرهابية على إستخدام هذه التكنولوجيا، كالقرصنة، وتدمير الأنظمة الإلكترونية، وتجنيد الإرهابيين، ونشر التطرف، وصناعة المتفجرات. لقد باتت هذه الخدمات متاحة لكل التنظيمات، ما زاد من العبء على الدول التي تحاول التخلص من هذه الظاهرة التي إنتشرت كالنار في الهشيم، وباتت تملك القدرة على زعزعة الأنظمة وإرهاب الشعوب، لما تحمله من فكر تدميري يبدأ بطرق عنيفة في القتل، ولا ينتهي بإصدار الفتاوى والعلميات الإرهابية حول العالم.

إنتشار واسع

إن نشاط إرهابيي التركستان، لم يشكل تهديداً على إستقرار الوضع داخل الصين فحسب، بل أثر على أمن الدول المجاورة أيضاً؛ فهي لم ترسل العناصر الرئيسية التي تدربت في قاعدة التدريب الإرهابية الخاصة بزعيم “القاعدة” أسامة بن لادن إلى داخل الصين سراً لتوسيع المنظمة الإرهابية وتدبير ممارسة النشاطات الإرهابية فحسب، بل إنضم بعضها إلى قوات طالبان في أفغانستان، وإشترك البعض الآخر في نشاطات القوى الإرهابية لدى الشيشان، وإنضم قسم آخر إلى منظمات في آسيا الوسطى أيضاً.

ففي العام 2002 أدرج مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رسمياً، الحركة الإسلامية لتركستان الشرقية ضمن قائمة المنظمات الإرهابية.

خلاف حول الإنتماء

يرى معظم سكان تركستان أنهم يتبعون إلى آسيا الوسطى وهم جزء أساسي منها، وليسوا جزءاً من الصين، التي يسمونها شينجيانغ ذات الحكم الذاتي لقومية الإيغور. ويحد تركستان الشرقية من الشمال روسيا وكازاخستان ومن الغرب قيرغيزستان وطاجيكستان ومن الشمال الشرقي منغوليا ومن الجنوب الغربي أفغانستان وكشمير ومن الجنوب الهند والتبت ومن الشرق الصين.

هذا الموقع الجغرافي، سهل نشاط الجماعات الإرهابية إذ أن تركستان الشرقية هو وطن الإيغور، الناطقة بالتركية، والمجموعات العرقية الأخرى في آسيا الوسطى، مثل الكازاخ والقرغيز والأوزبك والطاجيك.

تدابير وقائية

في العام 2009 وبعد سلسلة من الهجمات العنيفة في منطقة أورومتشي عاصمة إقليم شينجيانغ وغيرها من المناطق كالعاصمة بكين، يمكن القول بأن هذه المنظمة قد خططت، ومنذ العام 1990، للكثير من العمليات الإرهابية من تفجيرات وإغتيالات.

من هنا، تحولت الحكومة الصينية إلى أخذ بعض التدابير “الإحترازية” لتحقيق الإستقرار والسيطرة على إقليم شينجيانغ، خاصة مع إعلان حركة تركستان مسؤوليتها عن تنفيذ تلك الهجمات الإرهابية ضد بعض الأهداف داخل الدولة، وإتباعها لنهج جديد، مؤخراً، وهو ضرب بعض مصالح الصين وإستهداف شركاتها ومصانعها وإستثماراتها وسفاراتها ومواطنوها في الخارج، وما تم توثيقه مؤخراً بالصور والفيديوهات من تجنيد الآلاف من مقاتلي حركة شباب الإيغور المسلمين في تنظيم “داعش” الإرهابي في سوريا.

كذلك، تم إكتشاف عدد كبير من الإرهابيين ضمن الأقليات المسلمة، كما في مقاطعة أنهوى والتي تتركز بها أقليات مسلمة تقدر بالملايين، وهو ما يفسر تزايد عدد العمليات الإرهابية وتحديداً في منطقة شمال غرب الصين، حيث تتنامى وتنتشر عدة تنظيمات إرهابية متطرفة والتي أعلنت مسئوليتها “رسمياً” عن تنفيذ بعض الأجندات والعمليات الإرهابية، بمساعدة قوى وتنظيمات خارجية، وتهديدها للصين بشكل علني.

إهتمام أمريكي

ليس تنظيم “داعش” الإرهابي وحده من نجح فى إستقطاب أعداد من مسلمي الإيغور إلى صفوفه، بل يوجد، عدد ليس بقليل منهم، من بايع تنظيم “القاعدة” الإرهابي وحركة طالبان، فيما أنشأ آخرون عدداً من الأحزاب والجماعات الدينية التي تستغلها الآن بعض الدول مثل تركيا، ومنها: الحركة الإسلامية لتركستان الشرقية في ميونيخ بألمانيا، والحزب الإسلامي التركستاني، ومنظمة مؤتمر شباب الإيغور الدولي، ومنظمة تحرير تركستان الشرقية، والمركز الإعلامي لتركستان الشرقية.

إن سبب إهتمام واشنطن بملف “حقوق الإنسان في شينجيانغ”، كذلك ملف الحريات في “هونغ كونغ” وخلافه، يراه الكاتب الصيني، شابير كازمى، بأنه سياسة أمريكية “تهدف بالأساس إلى تهديد أمن الصين من خلال نشر التوترات في الأماكن التي تعتمد على مصالحها”، مضيفاً “على الرغم من أنه كثيراً ما أرفض نظريات المؤامرة، إلا أنه في بعض الأحيان أميل إلى تبنيها إذا ساعدت في الحصول على منظور أفضل. ومن إحدى نظريات المؤامرة النظرية التي تقول إن الولايات المتحدة تخلق إضطرابات في أية منطقة يفترض أن للصين مصالح بها. وأعتقد أن ذلك هو وجهة نظر الصين الرسمية حيال الوضع المضطرب في منطقة شينجيانغ ودور الولايات المتحدة بها لتوتير العلاقات بين الصين والدول الإسلامية.”

الدور التركي

تشير الكثير من المعلومات إلى وجود علاقة بين العديد من الدول، ومنها تركيا، وبعض التنظيمات الإرهابية المتطرفة، بقومية الإيغور حيث قامت بنقل بعضهم إلى سوريا ومصر، ولعل ذلك هو السبب في طلب السلطات الصينية سابقاً تسليم بعض العناصر من شباب الإيغور المقيمين في القاهرة لفتح تحقيق معهم حول هذا الأمر. ونظراً لأن أصول الإيغور يعود إلى الأقلية القومية التركية، فلقد نشطوا مؤخراً، كورقة ضغط تركية على الصين عبر تحريكهم ضد الحكومة المركزية في بكين، من أجل إقامة دولة تركستان الشرقية.

وترى الصين في “حركة إستقلال تركستان الشرقية” التحدي الأبرز على مستوى الأمن والإقتصاد والإستقرار الإجتماعي، في وقت تعتبر فيه تركيا الداعم السياسي الأبرز لها، إن لم يكن الوحيد، مع معلومات متداولة عن أن عدد الإيغور في تركيا نفسها يصل إلى حدود الـ 300 ألف، وأن أنقرة منحت جوازات سفر تركية لحوالي 100 ألف ممن لجأوا إليها في العقود الماضية.

ويتنامى قلق بكين من تزايد إحتمالات وقوع أعمال إرهابية في إقليم شينجيانغ، أو غيرها، على يد المتطرفين إلى حد تم رصد مكافآت تصل إلى مئة مليون يوان لمن يقدم معلومات عن الأنشطة الإرهابية المحتملة.

من هنا، إن معظم العمليات الإرهابية التي شهدتها الصين في الفترة الأخيرة، ومنها تفجير محطة قطار كونمينغ في منطقة يونان وغيرها من العمليات الإرهابية، كانت بتوقيع حركة تركستان التي أعلنت مسؤوليتها عنها. يأتي ذلك في وقت تقول فيه الصين أن الإقليم يواجه تهديداً خطيراً يتمثل في الإسلاميين المتشددين والإنفصاليين الذين يتآمرون لتنفيذ هجمات عنيفة وإثارة التوتر بين أقلية الإيغور، وأغلبها من المسلمين، وعرق “الهان” الصيني الذي يمثل الأغلبية.

إستهدافات عالمية

يأتي إهتمام الصين بمكافحة الإرهاب الداخلي، في إقليم شينجيانغ، والخارجي، دعم دول المنطقة والعالم، مع إطلاق وتوسع مبادرة “الحزام والطريق” لا سيما التخوف الصيني من عواقب تلك العمليات على بناء مشاريع إستثمارية وإقتصادية ضخمة في مناطق تعاني من ويلات الحروب الأهلية والفوضى وعدم الإستقرار وفشل أجهزة الدولة في البلدان المعنية من التصدي له.

لقد أصبحت مصالح الصين هدفاً في بلدان عدة، مثل باكستان، حيث هوجمت قنصليتها وكذلك بعض مواطنيها، من بينهم مسؤولون حكوميون ورجال أعمال بارزون، عرضة للهجمات والإختطاف من أجل الحصول على فدية، كذلك إن العديد من المواطنين الصينيين عادة ما يقعون ضحايا لأحداث إرهابية أخرى، كما في أفريقيا، حيث هاجمت جماعات مرتبطة بتنظيمي “داعش” و”القاعدة” الإرهابيين أهدافاً سهلة وضعيفة من بينها فنادق.

أخيراً، تسعى الصين دائماً إلى الحفاظ على علاقات مستقرة مع الدول من دون التطرق إلى الجانب الديني أو الأيديولوجي أو السياسي، وتتجنب أيضاً إتخاذ موقف حازم تجاه التوجهات السياسية لا سيما في منطقة متعددة الإنتماءات، بل تركز بدلاً من ذلك على ما يمكن الوصول إليه من تعاون إقتصادي، خاصة في إطار مبادرة “طريق الحرير” الجديد.

لذا، فإن هذه الدول الإسلامية، لا سيما تلك في الشرق الأوسط، ترحب بالتجارة والإستثمار مع بكين، التي لا تفرض أي أيديولوجية كما يفعل الشركاء الآخرون، بمن فيهم الولايات المتحدة. من هنا، يرى الكثير من المراقبين بأن الهجمات الإرهابية على الصين ليست إلا مؤامرة للحد من نشاطها التجاري والإقتصادي المهم حول العالم، لكن سعي الغرب لتقويض الصين بات أمراً من الصعب تحقيقه، وقد يأتي يوم يذوق فيه “طابخ السم” الوجبة التي قام بإعدادها.

مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.

مصدر الصور: أن.بي.سي نيوز – عربي 21 – مونتي كارلو.

موضوع ذو صلةمظاهرات هونغ كونغ: محاولات أمريكية – بريطانية لإستهداف الصين؟