إعداد: مركز سيتا

باتت التظاهرات والإحتجاجات الشعبية تشكل مصدر قلق لدى الحكومات والدول لا سيما وأنها باتت مدخلا للاضطرابات السياسية والأمنية من باب المطالب الاجتماعية والاقتصادية.

من هنا، تخشى الصين من تظاهرات هونغ كونغ وسرعة تدخل الدول فيها إعلاميا حيث كان للأخيرة دور بارز فيها من بوابة “حقوق الإنسان” على غرار ما حدث في تظاهرات الإيغور في إقليم تشينجيانغ، والذي اعتبرته بكين وسيلة أمريكية للضغط عليها والتدخل في شؤونها الداخلية.

تهدئة تؤجج الحراك

منذ يونيو/حزيران العام 2019، نزل الملايين إلى شوارع هونغ كونغ في أكبر تحدٍ لسلطة الصين على المنطقة، والمستعمرة البريطانية السابقة حتى العام 1997. وبعد رفضها لأشهر سحب مشروع القانون الذين يتيح تسليم المشتبه بإرتكابهم جرائم إلى البر الصيني، تنازلت كاري لام، رئيسة السلطة التنفيذية، عن موقفها داعية إلى الهدوء، مشيرة، في تسجيل مصور نشره مكتبها، إن “الحكومة ستسحب رسمياً مشروع القانون من أجل تهدئة قلق المواطنين بشكل تام”.

وكانت تقارير أولية في وسائل الإعلام المحلية قد أشارت إلى إعلان لام، ما أثار الآمال في أن يسهم سحب مشروع القانون في إنهاء الأزمة. غير أن التهدئة تحولت إلى توسع في الحركة الإحتجاجية تدريجياً لتشمل مطالبات بتحقيق مستقل في اتهامات للشرطة بإستخدام أساليب وحشية ضد المتظاهرين، وبعفو عن المعتقلين، إضافة إلى مطلب جديد يتمثل انتخاب سكان المقاطعة مسؤوليهم مباشرة، وهو ما يعد “خطاً أحمراً” كبيراً لدى بكين.

اللجوء للمستعمر

في سياقٍ متصل، دعا المحتجون إلى تدخل بريطانيا، لضمان إحترام بكين للإعلان الصيني – البريطاني المشترك الموقع في العام 1984، خلال إعتصام نظموه من أمام القنصلية البريطانية، لمطالبة القوة الإستعمارية السابقة بضمان أن تفي الصين بالتزاماتها إزاء الحريات المدينة.

ويحدد الإعلان الصيني – البريطاني المشترك مستقبل هونغ كونغ، بعد عودتها إلى حكم الصين في 1997، بموجب صيغة “دولة واحدة ونظامان” الذي يكفل الحريات التي لا يتمتع بها البر الرئيسي، كما يحق لهونغ كونغ المحافظة على حرياتها الفريدة لخمسين عاماً.

تسليم المطلوبين

يعارض المتظاهرون تعديلات على قانون تسليم المطلوبين والتي ستسمح بتسليم المتهمين الجنائيين للدولة الأم – الصين، وأهمية ذلك أن هونغ كونغ، على الرغم من كونها جزءاً من الصين، فإنها تحتفظ بقضائها مستقلاً وكذلك بهيئتها التشريعية ونظامها الإقتصادي. ويقول منتقدو مشروع القانون، وبينهم محامون وجماعات حقوقية، إنه يترك الناس في هونغ كونغ تحت طائلة نظام العدالة الصيني الذي تشوبه اتهامات بالتعذيب وانتزاع الإعترافات قسراً، والإعتقالات التعسفية.

غضب عارم

لم تسفر خطوة كاري لام سوى عن القليل من التهدئة للمحتجين، على أن أعداد المتظاهرين في الشوارع قد تناقصت بشكل دراماتيكي في الأيام الأخيرة، إذ يريد المتظاهرون إلغاء مشروع القانون بشكل تام، وضمان عدم تمريره مرة أخرى في المستقبل بعد انقضاء التظاهرات، وسط دعوات بمطالبة لام بالإستقالة، وهي التي تحظى بدعم من بكين، إلى جانب إجراء تحقيق في تصرفات الشرطة إزاء المتظاهرين بعد وقوع مصادمات عنيفة بين الشرطة والمتظاهرين، لا سيما في يوم 12 يونيو/حزيران (2019)، إذ شهدت التظاهرات إطلاق الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع والأعيرة المطاطية ما أسفر عن أحد أسوأ مشاهد العنف التي شهدها الإقليم منذ عقود، الأمر الذي دفع بمنظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية إلى اتهام الشرطة بإستخدام “القوة المفرطة” ضد المتظاهرين.

هذه الأحداث، هزت المدينة التي كانت إلى وقت قريب مركزاً دولياً مستقراً، أسابيع من المظاهرات الضخمة والعنيفة أحياناً والداعية لمزيد من الحريات ومحاسبة الشرطة. ففي منطقة فورتريس هيل، هاجم السبت رجال رفعوا الأعلام الصينية وارتدوا قمصانا كتب عليها “أحب شرطة هونغ كونغ” أشخاصاً يعتقد أنهم متظاهرون مؤيدون للديمقراطية، وأظهرت عدة تسجيلات مصورة نشرت على الإنترنت مجموعة من الأشخاص يهاجمون شباناً بإستخدام أعلام كبيرة على أعمدة وقاموا بلكمهم وركلهم ما أثار ذعر الناس من حولهم والذين هرعوا للفرار من المكان.

من يقف وراء هذه الأحداث؟

نددت وزارة الخارجية الأميركية بالأساليب “الخطيرة” التي تستخدمها وسائل الإعلام الصينية، فيما حثت وزارة الخارجية الصينية القنصلية الأميركية على “العمل فوراً على قطع كل علاقة مع مثيري الشغب المناهضين للصين”، وإلى “وقف كل تدخل في شؤون هونغ كونغ على الفور”.

إلى جانب ذلك، طلبت الصين من المملكة المتحدة وقف “تدخلاتها” في هونغ كونغ، وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، هوا شونيينغ، إن “الصين تطلب رسمياً من بريطانيا أن توقف على الفور أي خطوة تدخل في شؤون هونغ كونغ والشؤون الداخلية للصين”، واصفة قرار رأب الإتصال بلام بأنه “خاطئ”، ودعت لندن إلى وقف “التسبب بمشاكل” في مستعمرتها السابقة. إذ تعتبر بكين أن دولاً غربية تدعم التظاهرات المناهضة للحكومة التي تشهدها الجزيرة شبه المستقلة منذ نحو شهرين.

أخيراً، ترى الصين في هذه المظاهرات استهداف لها أكثر منه تحقيقياً لمطالب السكان خصوصاً إذا ما تم ربط ذلك من خلال التضييق على بكين في بحر الصين، وسعي الولايات المتحدة الى تسليح تايوان، ونشر صواريح متوسطة المدى على مقربة من البر الصيني. هذه العوامل وغيرها، تفعِّل المخاوف الصينية من العمل على إستهدافها في أمنها القومي.

مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.

مصدر الصور: لموند – باز.