محمد كريم جبار الخاقاني*
عقد في العاصمة الأمريكية – واشنطن اجتماعاً ضم وزراء خارجية مصر وإثيوبيا والسودان بشأن مسألتي ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي الكبير، وتوصل المجتمعون الى إتفاق شامل ومتعاون حول قضية السد بحلول 15 يناير/كانونالثاني 2020، وجرى الاجتماع أعلاه بحضور رئيس البنك الدولي الذي وقع على ذلك الإتفاق، حيث تعهد الوزراء بالمشاركة بالإجتماع مجدداً، يومي 9 و13 ديسمبر/كانون الأول 2019، لتقييم ما تم إحرازه من تطور بشأن السد.
في 22 أكتوبر/تشرين الأول 2019، قال رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، بعد أقل من أسبوعين من تسلمه جائزة نوبل للسلام بأنه “لا توجد قوة يمكن أن تمنع بلاده من إكمال بناء السد على طول نهر النيل، وأنه قادر على تأمين الملايين في حال نشوب حرب مع مصر.” هذه الأمور بمجملها تتخوف منها القاهرة التي ترى بأنها ستكون لها تأثيرات سلبية على إمكانية حصولها على نسبتها المقررة من مياه النهر، وإنعكاساتها على الزراعة والقضايا الإجتماعية والإقتصادية.
ففي العام 2011، بلغ النزاع حول بناء السد ذروته عندما قامت الحكومة الإثيوبية السابقة بخطوات لبناء السد لتوفير المزيد من الطاقة الكهربائية لسكانها، البالغ تعدادهم 105 مليون نسمة. فعلى الرغم من خطة بناء السد منذ عقود سابقة، إلا أنها قد واجهت العديد من الصعوبات التي أخَّرت إطلاق عملية البناء بسبب نقص التمويل اللازم. كل تلك الأمور، دفعت مصر إلى طريق المفوضات من أجل الحفاظ على المنسوب المائي الشمالي لنهر النيل.
وأخذت مسألة الوقت المخصص لملئ خزانات السد تشغل تفكير المصريين لتفادي أي نقص قد تتركه عملية بناء السد من قبل إثيوبيا، وعلى العكس تماماً من الموقف المصري، التي تريد تسريع وتيرة البناء من أجل توفير مصدر طاقة جديد، وهي عازمة على المضي بإجراءات ملء السد في غضون ثلاث سنوات بينما تعمل مصر جاهدة من أجل إكتمال ذلك الأمر في سبع سنوات.
يترك بناء سد النهضة الإثيوبي آثاراً كبيرة على مصر في حالة إكتماله في مدة خمس إلى سبع سنوات، إذ سينتقص من حصة مصر المائية بنسبة 25%، وهذا سيشكل خطراً على الدلتا المصرية التي تقع على ارتفاع متر واحد فوق مستوى سطح البحر، فضلاً عن تدمير ما نسبته 17% من الأراضي المصرية الصالحة للزراعة مع ازدياد نسبة تدمير تلك الأراضي لتصل إلى 51% إذا ما تم إمتلاء السد بمدة ثلاث سنوات، كما تريد إثيوبيا.
كنتيجة لفشل المفاوضات مع إثيوبيا بشأن بناء السد وتأثيراته على مصر، طلب الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، الوساطة الخارجية والتدخل من أجل إيجاد حل مرضي للطرفين وعدم تضرر مصر من موضوع بناء السد. وذلك حسب المادة 10 من إتفاق إعلان المبادئ الموقع في العاصمة السودانية – الخرطوم العام 2015. وعلى الرغم من قبول إثيوبيا بالوساطة الأمريكية، إلا أنها ما زالت مستمرة في بناء السد على الرغم من التخوف المصري من ذلك.
في المقابل، قامت مصر بتقديم أربعة عروض بشأن المفوضات مع اثيوبيا وإدخال البنك الدولي فيها من اجل تقديم المشورة التقنية فيما يخص القضايا الإقتصادية والإجتماعية المتوقعة جراء بناء السد، وكذلك طرحت مصر إقتطاع 15 مليار متر مكعب من اصل 55 مليار متر مكعب من منسوبها السنوي من نهر النيل، وهو معدل الإستخدام الذي تم تحديده بموجب إتفاق بين الدولتين العام 1929.
من جهته، التزم الرئيس السيسي بتجنب النزاع مع إثيوبيا في هذا الشأن، واصفاً رئيس الوزراء أحمد بأنه “رجل سلام”، وطلب من الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي التوسط من أجل حل الأزمة مع أديس أبابا، وقد ردت واشنطن على ذلك الطلب بدعوة كلا البلدين، مع السودان، للتفاوض في العاصمة الأمريكية، كما دعم الإتحاد الأوروبي جهود الوساطة لتجنب المنطقة من إندلاع حرب بينهما. وتحاول الَولايات المتحدة تجنب الأعمال العدائية في تلك المنطقة ذات الأهمية المتزايدة في أفريقيا والحفاظ على إنسابية التجارة الدولية ومرورها.
ومع إدراك المصريين لصعوبة الخيار العسكري وعواقبه الوخيمة إذا ما أصرت إثيوبيا على موقفها وعدم قبولها بما ستؤول إليه المفاوضات مع مصر بشأن بناء السد، فإن ذلك الأمر قد يعني من جهة المصريين بأنه موضوع يمس الكرامة الوطنية التي من أجلها يضحي الشعب المصري بالغالي والنفيس من أجل حفظ كرامتهم، وعدم تضررهم بإجراءات بناء السد، وذلك من خلال تقليل نسبة الحصة المقررة لهم من مياه نهر النيل.
*باحث سياسي عراقي
مصدر الصور: العربية – صحيفة العرب.
موضوع ذو صلة: فشل مفاوضات “سد النهضة”: مصر أمام خيارات “حرجة”