د. رائد المصري*

هل يبقى وزير التربية القاضي طارق المجذوب على موقفه وفي منصبه؟ سؤال بات “شرعياً” الآن، بعد الحملات المسعورة التي إستهدفته مؤخراً من غير جهة سياسية أو منتفعة. فهذا الوزير “الآدمي”، كما يصفه معارفه وحتى مبغضوه، صُعق من حجم الفساد في المجال التربوي وفي الجامعة اللبنانية. فساد لا تفسير له سوى أنه دليل تسيب وكذب وتزوير ونهب وتشبيح.

إضطلع الوزير على “مغارة” الفساد داخل وزارته وفي ملفات الجامعة اللبنانية المحمية من “لصوص الهيكل” والدوائر السياسية لزعامات وأحزاب السلطة الحاكمة، فدُهش مما رأى وشاهد وتلمس وتحقق. فإنبرت جهات داخل وزارته والجامعة اللبنانية، والمتورطة حتى آذانها بعمليات الفساد المالي والإداري، والتي وجدت نفسها في دائرة الإتهام المباشر والملاحقات القضائية، بفتح نيرانها الإعلامية على الوزير المجذوب عبر حملات منظمة، تارة تمس بكرامته وطوراً تمس بكرامة زوجته الدكتورة في الجامعة اللبنانية، وطور ثالث تمس بسمعته النظيفة في عالم القضاء. فهل لمجرد أن أصبح القاضي المجذوب وزيراً تغيرت سمعته من نظيف إلى فاسد؟ ما هذه الصدفة؟

مؤكد أن من يشوه سمعته ويدفعه إلى الإستقالة هو ما كشفه الوزير نفسه من ملفات فساد وصفقات وتدليس في الجامعة اللبنانية وفي فروع العمادات المتكتلة مع بعضها البعض، المانعة لأية عملية إصلاح حقيقية وما حوله أو سيحوله الوزير المجذوب الى القضاء! نعم، الوزير المجذوب يبدو أنه بحاجة إلى من يدافع عنه، لكن الأبواق التي طالت من كرامته أوهمت الرأي العام أنه مقصر من جهة، ويريد مناصب لزوجته في الجامعة اللبنانية من جهة أخرى. الغريب أن الوزير لم يحسن مواجهة الحرب الإعلامية ضده، ربما يعود ذلك إلى تسلحه بالقضاء.

لقد حقَق وكشف وفتح الوزير المجذوب، كما تشير أوساطه، ملفات كانت من المحرمات في عهد أسلافه من الوزراء، ودخل إلى قضايا مادية، وهدر لصفقات بالمليارات، ليس فقط في الجامعة اللبنانية، بل في الحقل التربوي والمدارس والأموال ومنها تلك المخصصة للاجئين السوريين.

عرَّى وفضح السارقين وكشفهم بالإسم، فربما لم يستطع ضميره الصمت، بل سمى الأمور بمسمياتها حتى لو كان المرتكب من الجهة الحزبية التي دعمت تشكيل الحكومة التي هو عضو فيها، والمثل الساطع جاء من الجامعة اللبنانية. فحين أراد تطبيق القانون وتغيير العمداء، على قاعدة الكفاءة والعلم والمناقبية، تكاتف عليه وضده السماسرة والتجار والمافيات بإيعاز من رئيس الجامعة، الدكتور فؤاد أيوب، فأخذوا يعرقلون التغيير وفق الأصول، التي يعتبروها من وجهة نظرهم قانونية، لكي تستمر تجاوزاتهم ولكي يبقى رئيس الجامعة، بعد إنتهاء ولايته، متربعاً على عرشها بالتكليف.

أما مسألة الصفقات والتلزيمات التي أوقفها الوزير القاضي المجذوب، فحدث ولا حرج. هذا طبعاً لا يعجب الفاسدين المتكتلين من كل التيارات، حتى المتنافسة سياسياً وهي معروفة من خلال تقسيمات العمادات.

يبدو أن ملف التفرغ في ملاك الجامعة اللبنانية جاء ليفضح الفساد، حيث أرسل رئيسها ملفاً “ملغوماً” لوزارة التربية لم تراعى فيه الإختصاصات المطلوبة وشروطاً أخرى، فراح يدعي أن الملف مدروس في العمادات في حين أنه “مفخخ” بالأسماء، إذ أن مجلس الجامعة نفسه قد رفضه مرات قبل أن يصادر الدكتور أيوب صلاحيته.

أيضاً، قام رئيس الجامعة بتحريض المتعاقدين على الوزير، فتارة يقول لهم أن الوزير هو من يعرقل التفرغ، وطوراً يقول إنه لن يفرغهم، في وقت يماطل فيه رئيس الجامعة برفع ملف الملاك موعزاً إلى “أزلامه”، وبعض العمداء، بتلغيم هذا الملف سواء رفع له أم للوزير.

على العموم، يبدو أن الوزير المجذوب يئس من الفبركات والإشاعات ضده وضد زوجته، كما يبدو أيضاً أنه أخطأ حين فتح ملفات الفساد دفعة واحدة. من هنا، تقدم بإستقالته لرئيس الجمهورية التي رفضها، حتى الآن، كون إستقالته لن تصب في مصلحة محاربة الفساد، كما تقول بعض الدوائر السياسية المقربة منه والتي بقيت سرية، كون من أوصله إلى اليأس يعرف شخصيته جيداً، ويدرك أنه ليس بالشخصية “الذئبية” التي لا تنام على ضيم بعد أن أوقعه منصبه في وحول الذئاب والفاسدين.

فهل حقاً ستقُبل إستقالة وزير التربية؟ وهل سينتصر بإستقالته الفاسدون؟

*أستاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية

مصدر الصورة: دالاتي ونهرا.

موضوع ذا صلة: خرائط أحزاب السلطة الجديدة في لبنان