إعداد: مركز سيتا

قبل يوم واحد من الذكرى الـ 23 لعودتها إلى الصين بصيغة “دولة واحدة ونظامين”، أقرّ البرلمان الصيني قانون الأمن القومي الخاص بهونغ كونغ في خطوة وصفت بالمثيرة للجدل، حيث تجاهلت دعوات دول الغرب، بعد عام على التظاهرات الضخمة فيها ضد سلطة الحكومة المركزية.

صلاحيات واسعة

بموجب القانون الجديد، من المتوقع أن تقوم بكين بإنشاء مكتب للأمن القومي في هونغ كونغ، وأن تعطي الرئيسة التنفيذية، كاري لام، صلاحيات واسعة في تعيين القضاة، خاصة وأن هذا القانون الجديد يصف أي دعوات معارضة للحكومة على أنها إرهاب، أو دعماً للنزعة الإنفصالية، أو تحريضاً يهدف إلى إسقاط الحكومة المركزية.

هذا القانون، سبق وأن عرض على اللجنة الدائمة في البرلمان الوطني، الهيئة التابعة للحزب الشيوعي الصيني، حيث أعلن أبرز حزب مؤيد لبكين في هونغ كونغ، “التحالف الديمقراطي لإزدهار هونغ كونغ”، أنه “تم إعتماد القانون حول الأمن القومي في هونغ كونغ رسمياً” حيث تم إقراره بالإجماع.
من جهتها، إعتبرت بكين أن هذا القانون، الذي يعد رداً على إحتجاجات مطالبة بالديمقراطية خرجت في هونغ كونغ العام 2019 وتحول بعضها أعمال شغب وعنف، يهدف إلى مواجهة التخريب والإرهاب والنزعة الإنفصالية والتواطؤ مع القوى الأجنبية.

مواقف مضادة

أعلن جوشوا وونغ، الناشط من هونغ كونغ، انسحابه من الحزب السياسي الذي شارك في تأسيسه، العام 2016، في أعقاب التقارير حول إقرار القانون. أيضاً، أعلنت نائبة الحزب السابقة، ناثان لو، التي تم عزلها من المجلس التشريعي المحلي، العام 2016، والناشطة أغنيس تشو انسحابهما أيضاً.

في هذا الخصوص، كتب وونغ على أن تمرير القانون يعني أن “قدراً قاسياً أمامي. لا أعرف حظي وأنا بحاجة لإظهار شجاعتي”، مضيفاً “إذا لم يسمع صوتي قريباً، آمل أن يواصل المجتمع الدولي التحدث بإسم هونغ كونغ وأن يكثف جهوده الملموسة للدفاع عن آخر جزء من حريتنا.”

في موازاة ذلك، إعتبرت منظمة العفو الدولية أن تمرير قانون الأمن القومي “هو لحظة مؤلمة لشعب هونغ كونغ ويمثل أكبر تهديد لحقوق الإنسان في التاريخ الحديث للمدينة. من الآن فصاعداً، ستكون للصين سلطة فرض قوانينها الخاصة على أي مشتبه جنائي تختاره”، مضيفة أن “السرعة والسرية التي تعاملت بها الصين في هذا التشريع، تؤكد المخاوف من أن بكين صنعت قانوناً قمعياً لإستخدامه ضد منتقدي الحكومة، بما في ذلك الأشخاص الذين يعبرون فقط عن آرائهم أو يحتجون سلمياً.”

كما إعتبرت المنظمة أيضاً أن “حماس الصين لتمرير هذا القانون بسرعة، هو أيضاً إشارة مشؤومة للإنتخابات التشريعية القادمة في هونغ كونغ في سبتمبر/أيلول المقبل (2020)، مع تهديد بإمكانية استخدام القانون الأمني ضد المرشحين المؤيدين للديمقراطية.”

مسار تصادمي

ما إن أقرت الصين هذا القانون، حتى رأت الولايات المتحدة في ذلك “فرصة” لتُصدر تشريعياً أمريكياً يقضي بفرض عقوبات على بعض المسؤولين الصينيين ينتظر فقط توقيع الرئيس دونالد ترامب، بحسب وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية. كما نقلت الوكالة، عن مسؤول في الإدارة الأمريكية، قوله إن الرئيس ترامب يدرس إتخاذ إجراءين أو ثلاثة ضد الصين، وهناك احتمال كبير أن يتم الكشف عن إجراء قريباً، خلال أيام على الأرجح، في وقت لم يحدد المسؤول فيه ماهية الإجراءات المحتملة أو يذكر تفاصيل أخرى.

فبعد يومين من إقرار القانون، وافق مجلس الشيوخ الأميركي بالإجماع على إحالة مشروع القانون إلى الرئيس ترامب، حيث قال كريس فان هولن، السيناتور الديمقراطي والمشارك في إعداد النص المدعوم من حزبه ومن الجمهوريين، إن “توقيتنا لا يمكن أن يكون أكثر حرجاً”، مضيفاً “آمل أن يوقع الرئيس ترامب مشروع القانون هذا فوراً”.

تنديد واسع

وصف كبير أمناء مجلس الوزراء الياباني، يوشيهيد سوغا، تمرير الصين للقانون بـ “المؤسف”، مشيراً إلى أن “اليابان ستواصل الإتصالات الوثيقة مع الولايات المتحدة والصين”، حيث قال إنه “من المؤسف أن قانون (الأمن القومي) تم سنه على الرغم من المخاوف القوية للمجتمع الدولي وسكان هونغ كونغ”، موضحاً بأن القانون “سيضر بالثقة الدولية بمبدأ الدولة الواحدة بنظامين. واليابان تود الإتصال مع الدول ذات الصلة لإتخاذ الإجراءات المناسبة.”

إلى ذلك، كشف مسؤولون كنديون أن بلادهم بصدد تعليق معاهدة تسليم المطلوبين مع هونغ كونغ، وأنها ستعزز الهجرة من المستعمرة البريطانية السابقة، حيث قال رئيس الوزراء، جاستن ترودو، إن كندا ستواصل الدفاع عن هونغ كونغ، التي يقطنها 300 ألف كندي، مضيفاً أن بلاده لن تسمح بتصدير مواد عسكرية “حساسة” إليها. فمن دون الدخول بالتفاصيل “سنعلق أيضاً معاهدة تسليم المطلوبين بين كندا وهونغ كونغ، ونحن ننظر أيضاً في إجراءات إضافية، بما في ذلك ما يتعلق بالهجرة”.

وضمن المواقف الرافضة أيضاً، نددت العديد من الدول، بينها بريطانيا، التي اعتبرته “إنتهاكاً واضحاً وخطيراً” لمعاهدة الإعلان المشترك بين المملكة المتحدة والصين.

إلى ذلك، حذرت الحكومة الألمانية المواطنين الألمان، المتواجدين في هونغ كونغ، من تعرضهم لإجراءات غير مواتية عقب صدور القانون، حيث قالت الخارجية الألمانية “لا يمكن استبعاد استهداف الألمان في هونغ كونغ بإجراءات على أساس القانون الجديد، حيث وقعت ردود أفعال على نشر القانون تمثلت في مظاهرات واعتقالات، ويمكن أن تقع احتجاجات وصدامات أخرى مع قوات الأمن.”

موقف حازم

أعربت الصين عن استيائها الشديد ومعارضتها القوية لإصرار الكونغرس الأمريكي على المضي قدماً بإصدار قانون فرض العقوبات ووصفته بـ “السلبي”، حيث قال المتحدث بإسم وزارة الخارجية الصينية تشاو لي جيان “إن الشؤون المتعلقة بهونغ كونغ، بما في ذلك قانون الأمن القومي لها، هي شؤون صينية داخلية بحتة، ولا يحق لأية دولة أجنبية التدخل فيها”، مشيراً إلى أن “محاولات الجانب الأمريكي لعرقلة تنفيذ الصين لقانون الأمن القومي محكوم عليها بالفشل.”

كذلك الأمر، ردت الصين بقوة على كندا، في ثاني توبيخ خلال أسبوع واحد ما قد يزيد من حدة التوتر في العلاقات بين البلدين، حيث قالت سفارة الصين في أوتاوا إن كندا “تدخلت بقوة” في الشؤون الصينية، مضيفة أن التشريع الجديد سيضمن الأمن في هونغ كونغ، مشددة على أن “تدخل بعض الدول الغربية ومنها كندا في شؤون هونغ كونغ بذريعة حقوق الإنسان، وهو ما ينتهك بشدة القانون الدولي والأعراف الأساسية للعلاقات الدولية.”

فيما يخص بريطانيا “الوريثة” السابقة لهونغ كونغ، قال ليجيان إنها تنتهك إلتزاماتها السابقة تجاه الصين بالتعهد وذلك بتوسيع حقوق الإقامة لمئات الآلاف من حاملي جوازات السفر الهونغ كونغية البريطانية، حيث جاء ذلك رداً على وزير الخارجية البريطاني، دومينيك، راب الذي أعلن إن بلاده ستمضي في خطتها لعرض المواطنة على سكان هونغ كونغ.

أخيراً، يبدو أن الغرب يحاول إستثمار كل ما تقوم به الصين من أجل تحجيمها، إذ لن يكون آخرها إبرام هذا القانون. فلقد إستثمروا جائحة “كورونا” ضدها سابقاً، وحاولوا الضغط عليها إبان مظاهرات الجزيرة (2019)، إلا أن ثبات بكين على الإلتزام بالطرق الدبلوماسية والمسار السياسي كان ظاهراً في عدم تمرير أي موقف مناهض لها من دون رد حازم، إذ لن تسمح بكين لأحد بتهديم بناء متأصل الجذور، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي؛ يوازي ذلك، عدم السماح أيضاً بالتدخل في شؤونها الداخلية مطلقاً.

مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.

مصدر الصور: فرانس 24 – موقع المصدر.

موضوع ذا صلة: “الذئب المحارب”.. الدبلوماسية الصينية الجديدة