د. رائد المصري*
بهدوء.. لا شأنَ للأحرار في لبنان بما تفعله أحزاب السلطة وإقطاعها السياسي والتكتلات الدينية والمذهبية والطائفية الحاكمة بقوة الأمر الواقع وبالإستبداد الميلشياوي المتعشعش في زوايا إدارات الدولة وفي توظيفاتها العشوائية. فهذه القوى، المسماة سياسية ذات البُعد المذهبي القبيح، لا تنفك تتمايل يميناً وشمالاً وتُعيد تموضعها، زيادة أو نقصاناً، وحساباتها السياسية الربحية مع أقرانها من الإقطاعيات فتبتكر، في كل يوم أو حدث، خطاباً سياسياً أسوأ مما إرتكبته طيلة خدماتها في جهاز الحكم والإدارة التي نهبتها منذ العام 1992، كما يريدون إقناع الناس أنهم معارضون متوازنون ويمتلكون الحق الشرعي في ذلك قبل الحديث عن حقهم في الغطاء الديني الممنوح لهم لممارسة الإستبداد التعسفي في جولات الجوع اليومي المجاني الذي عاشه الشعب اللبناني طيلة الفترة القريبة الماضية.
يريدوننا أن نضحك ونصدق ونقبل وأن نُقنع غيرنا ومن حولنا بأن رئيس الحكومة السابق، سعد الحريري، ورئيس الحزب الإشتراكي، وليد جنبلاط، ورئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، هم قوى سياسية تمارس المعارضة الديمقراطية في وجه سلطة رئيس الحكومة، حسان دياب، ورئيس مجلس النواب، نبيه بري، ورئيس تيار المردة، سليمان فرنجية، وحزب الله وتوابعهم من القوى السياسية. فمن يصدق ذلك؟ ويريدون منا ومن كل الشعب اللبناني أن نلفظ أطراف اليمين والإنعزالية الذين كانوا، وما زالوا، يحشدون الناس عليها للإستثمار المذهبي الرخيص، فوجدنا أن هذه القوى الستة الممثلة للطوائف الحاكمة هي لب وعصارة اليمين الديني والإنعزالي وكله عبر الممارسة بالنقاط وبالأسلوب الديمقراطي المشوه على مدى ثلاثين عاماً.
إنها حالة تموضع لقوى الطوائف يحاول الرئيس الحريري إستجماعها مع حليفيه التقليديين، جنبلاط وجعجع، عله يكسب بعضاً مما سيرزقه الله في قوى ثورة “17 تشرين” ليدخل حلبة الإبتزاز السياسي مع نهج الحكم الجديد الذي يمثله الرئيس دياب، ويقوموا بإنتاج سلطة جديدة بتفاهمات مع حزب الله والرئيس بري تعيد إنتاج التسوية التي أطاحت بها ثورة الكرامة في “17 تشرين” المباركة. بالنسبة إلى الرئيس بري، فهو لا يستسيغ أبداً فكرة الرئيس دياب الآتي من خارج النادي السياسي الطائفي الكلاسيكي والعنيد، والذي يمتلك نوعاً من الجرأة في الطرح، وهو يخيف قوى الطوائف ويحد من تسلطها أو يكبح جماحها على الأقل.
إن هذه القوى الطوائفية لا يمكن لها ولا تريد ولا ترى مصلحة أصلاً في التعامل مع حكومة مبتدئة سياسياً، تترأَّسها شخصية كالرئيس دياب، لا تملك ثقلاً شعبياً ووزناً سياسياً يسمح لها بالتعامل مع القوى الأخرى في البلد من موقع المفاوض وليس من موقع المتلقي. هذه هي أزمتهم الحقيقية رغم أنهم كابروا ولم يتنازلوا وساروا به حتى النهاية، وقد قلناها سابقاً أن مشكلة الرئيس دياب هي في عدم وجود خلفية ورافعة سياسية وشعبية له؛ ففي بلد مثل كلبنان تحكمه أدبيات الطوائف والدين والمذهب، يجب على كل فاعل أو ناشط سياسي أن يتلحف بها وتغمره شرعيتها. إن هذا “اليمين” يعتبر أن لا مكان لهكذا شخصيات في العمل السياسي لا سيما في موقع رئاسة الحكومة.
نقول أخيراً أنه وبغض النظر كثوار ومعارضين لنهج ميليشيا الطوائف وأحزابها المتسلطة على البشر والعباد، وحيث نعتبر أن معركتنا ليست مع الرئيس دياب وحكومته الحالية مباشرة بل مع ما بعد بعد حكومته رغم ما أورده من إنجازات في التعيينات غير المكتملة أصلاً والتي تتطلب توقيع رئيس البلاد في جمهورية “التحاصص” الطائفي والمذهبي والميلشياوي، فإننا نسألهم: كيف تديرون دولة وأنتم غير قادرين ومتقاعسين في عملكم؟ وزارة الإقتصاد غير قادرة على تحديد الأسعار والرقابة، ووزارة المال غير قادرة على مساءلة مصرف لبنان عن الحسابات أو حتى إجبار المصارف على دفع أموال الناس، ووزارة الإعلام التي كان من المفروض أن تلتغى مع صندوقين ومجلسين أرتكبا كل الموبقات والفساد ولم يتم إلغاؤهم، ووزارة الإتصالات غير القادرة على تستلم قطاع الخليوي لمصلحة الدولة.
نصيحتي، إتركوا أحزاب وقوى سلطة الطوائف والمذاهب وميليشياتها الحاكمة في لبنان تتقاتل مع بعضها بحجة أنهم معارضة وموالاة، أتركوهم فهؤلاء لا يشبعون من إثارة النعرات، فمعاركم الجانبية بين بعضهم البعض كفيلة بتصفيتهم، بينما هم في حقيقتهم يتبادلون الأدوار للإنقضاض على ثورة الشعب وإعادة إقتسام السلطة وإنتاج التسويات التي ضاعت عليهم وضيعتها عليهم ثورة “17 تشرين”. وإن الغدَ لناظره قريب.
*أستاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية
مصدر الصورة: لبنان 24.