د. نورا أريسيان*
بعد مناقشات طويلة دامت عدة سنوات، ها هي جمهورية أرمينيا تحاول مرة أخرى التقرب من الاتحاد الأوروبي. وقد حظي اتفاق الشراكة الشرقية بين أرمينيا والاتحاد الأوروبي الذي تم توقيعه في 24 تشرين الثاني الجاري خلال القمة الخامسة للاتحاد الأوروبي للشراكة الشرقية في بروكسل، أهمية بالغة لأنه ولأول مرة يتم التوقيع على اتفاق بين الاتحاد الأوروبي مع دولة عضو في اتحاد الاقتصادي الأوراسي؛ وهو يشمل تعزيز الشراكة السياسية والاقتصادية الشاملة، والتعاون على أساس القيم العامة والروابط الوثيقة، لرفع مستوى مشاركة جمهورية أرمينيا في سياسة الاتحاد الأوروبي وبرامجها ووكالاتها.
بالإضافة الى أنه يشمل تعزيز التعاون الوثيق في مجالات النقل والتنقل والطاقة والتجارة والاستثمار.
ويحدد الاتفاق القيم التي ستلتزم بها الاتحاد الأوروبي ودول الشراكة الشرقية في السنوات المقبلة، وترسم أفاق التعاون المستقبلية في المجالات السياسية والانسانية وغيرها. وسيمنح الاتفاق قوة القانون، لأنه سيتم المصادقة عليه من قبل كافة برلمانات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
وكان مشروع الشراكة الشرقية قد بدأ عام 2009 لنشر القيم الأوروبية في الجمهوريات السوفييتية سابقاً، وهي: أرمينيا وأذربيجان ومولدوفيا وأوكرانيا وجيورجيا وبلروسيا.
وقد التقى قادة الدول الستة في الشراكة الشرقية مع قادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل، من أجل تعزيز الروابط بين الاتحاد الأوروبي والجمهوريات السوفييتية السابقة.
وكان الحدث الأبرز هو توقيع اتفاق التعاون الشامل والموسع مع أرمينيا، والذي يلزم أرمينيا إجراء الإصلاحات في مؤسساتها وقوانينها ونظامها السياسي، لكي تكون قريبة من معايير الاتحاد الأوروبي.
أي أنه في القطاع الاقتصادي، ستلتزم أرمينيا بتقريب قوانينها وسياستها الاقتصادية والمالية مع معايير الاتحاد الأوروبي تدريجياً. وهذا يغطي الالتزام في تنظيم الأعمال التجارية والزراعية والنقل والبيئة و حماية المستهلك والطاقة.
وإن تمكنت أرمنييا من إجراء التزاماتها في هذا الاتفاق سيلتزم الاتحاد الأوروبي بالدعم الاقتصادي جدياً، والإسهام في الاستثمارات في أرمينيا.
كما يشمل الاتفاق مواد خاصة بالأعمال صغيرة ومتوسطة الحجم، والائتمان بالعملة المحلية، ما يدفع الى تطوير الاقتصاد في أرمينيا. وسيتم اتخاذ خطوات عملية مشتركة بين أرمينيا والاتحاد الأوروبي من أجل تفعيل الاتفاق.
ويتمثل الاتفاق بوثيقة تتألف من 357 صفحة، تتناول التعاون السياسي والاقتصادي مع الاتحاد الأوروبي.
لاسيما وأن الاتفاق يؤكد على تعزيز الديموقراطية والاستقرار الاقتصادي والسياسي والمؤسساتي في أرمينيا، حيث سيقوم الاتحاد الأوروبي بمساعدة أرمينيا على الحفاظ على حقوق الإنسان وإصلاح النظام القضائي.
كما ينص الاتفاق على تكثيف الحوار والتعاون بين الطرفين في مجال السياسة الخارجية والأمنية بما في ذلك الدفاع والأمن المشترك. والنقطة الأبرز في الاتفاق هو تعزيز السلام والاستقرار على المستوى الإقليمي والدولي، لاسيما توحيد الجهود لإزالة مصادر التوتر، عبر تقوية الأمن الحدودي، وعلاقات التعاون الحدودية وحسن الجوار.
وبهذا الصدد شدد نص الاتفاق على ضرورة التزام أرمينيا في التسوية السلمية طويلة الأمد لنزاع كاراباخ الجبلية، وضرورة الوصول الى الحل من خلال عمل مجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي، بالإضافة الى التزام الاتحاد الأوروبي بدعم عملية التسوية.
بالتالي، هذا الاتفاق سيدعم التسوية السلمية للنزاعات في المنطفة، لا سيما في كاراباخ الجبلية. وقد أكدت منسقة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني بأننا “سندعم جهود الرؤساء المشاركون في مجموعة مينسك التي ترمي الى تسوية سلمية للنزاع”.
وأوضح رئيس أرمينيا سيرج سركيسيان عن أمله في أن حل النزاعات الراهنة في إطار الشراكة الشرقية سيؤدي الى أوروبا تنعم بالسلام والازدهار أكثر، وأن أرمينيا مستمرة في إخلاصها لرؤيتها في تطوير تعزيز السلام والاستقرار.
وجاءت التصريحات الأرمينية مؤكدة بأن أرمينيا تأمل بأن يكون الاتفاق فرصة لالتزام الاتحاد الأوروبي بجهود مجموعة مينسك حول تسوية نزاع كاراباخ، ودعوة لتفعيل الجهود وتكثيفها بهذا الاتجاه.
ولابد أن نشير الى أن الاتفاق جاء نتيجة توافق بالاجماع، وأن دول الشراكة رحبت باتفاق الشراكة الموسع مع أرمينيا، وقد كان الاتحاد الأوروبي قد وقع سابقاً اتفاقات مع جيورجيا مولدوفا وأوكرانيا.
أما روسيا، فقد أعربت عن ارتياحها لهذا الاتفاق من خلال تصريحات المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، تعليقاً على توقيع أرمينيا للاتفاق، بأن علاقة روسيا مع الدول عامة، ولاسيما أرمينيا، تقوم على تطوير علاقاتها على أساس المصالح المشتركة، وأضافت: “نتفهم أن كل دولة لديها مصالحها السياسية الخارجية وأهدافها وقضاياها، ونتعامل مع ذلك باحترام”.
ولذلك أبرز ما يمكن القول عن توقيع أرمينيا للوثيقة هو أنه لأول مرة دولة حليفة لروسيا تقوم بتوقيع اتفاق مع الاتحاد الأوروبي.
ومن جهة أخرى، ومع إتمام الاتفاق، سيبدأ الاتحاد الأوروبي المباحثات مع أرمينيا حول قضية تحرير تأشيرات الدخول. ومن المزمع أيضاً التعاون في قضايا اقتصادية وسياسية وأمنية أيضاً، ففي إطار منظمة الاتحاد الاقتصادي الأوراسي لا توجد التزامات بالقضية الأمنية، بذلك يمكن لأرمينيا عقد اتفاقات مماثلة مع الاتحاد الأوروبي. ولذلك تتمحور التزامات الاتحاد الأوروبي حول مساعدة أرمينيا في مجال الأمن، ما سيعود بفائدته على أرمينيا، بالإضافة الى تخفيف الحواجز غير الجمركية المفروضة على تجارتهما.
مع الإشارة الى أنه بعد مناقشات دامت ثلاث سنوات، تم توقيع اتفاق عام 2013 مع الاتحاد الأوروبي، ثم مذكرة عضوية لمنظمة الاتحاد الاقتصادي الاوراسي.
وبالنتيجة، يعد عام 2017 أهم مرحلة في تاريخ العلاقات بين أرمينيا والاتحاد الأوروبي. وبهذا الاتفاق أصبحت أرمينيا أول دولة عضو في منظمة الاتحاد الاقتصادي الأوراسي ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي توقع اتفاقاً موسعاً مماثلاً مع الاتحاد الأوروبي، لتنجح بذلك في دمج مصالح الشركاء الجيوسياسيين.
*نائب في مجلس الشعب السوري
المصدر: موقع الازمنة
مصدر الصورة: ارمينيا برس