د. شاهر الشاهر*

حظيت زيارة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى دمشق، ولقائه بالرئيس السوري، بشار الأسد، بإهتمام كبير جداً لما لها وما عليها من دلالات وأهمية بالغة في ضوء التطورات التي تشهدها المنطقة، خاصة التوترات الأمريكية – الإيرانية، عقب إغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، الفريق قاسم سليماني، ونائب قائد الحشد الشعبي، أبو مهدي المهندس، من خلال إستهداف موكبها في بغداد.

بلد السلام

إن زيارة الرئيس بوتين المفاجئة شكلت أهمية كبيرة تعكس حجم الصداقة وأهمية العلاقة بين هاتين الدولتين بعضهما ببعض، فضلاً عن الصداقة الشخصية التي تربط الرئيسين، الأسد وبوتين، المترجمة بالأفعال على أرض الواقع. فمنذ العام 2015 وإلى يومنا هذا، ظهرت مفاعيل هذه العلاقة من خلال الدعم الروسي الكامل لسورية في معركتها على الإرهاب، متفرعة إلى جوانب عدة أخرى، لكن يبقى الجانب الأبرز، هو وقوف موسكو مع الدولة السورية إلى ما لا نهاية.

كانت هذه الزيارة ترجمة حقيقية لعمق الترابط بين الدولتين حيث أعطت زخماً للتعاون في شتى المجالات، العسكرية والسياسية والإقتصادية، ودفعت قُدماً بالعملية السياسية، بالتوازي مع الشق العسكري، وأكدت على عمق ومتانة العلاقات بين الجانبين بما لا يدع مجالاً للشك بأنها متجذرة وعميقة أكثر بكثير مما قد يتخيله البعض، فلقد لاحظنا مدى حميمية اللقاء في دمشق، والذي غاب عن مشهده عدسات الكاميرات في إستقبال الرئيس الروسي بوتين ضمن مراسم خاصة عند زيارة أي رئيس دولة، الأمر الذي يعكس البعد الشخصي ودوره في تعزيز العلاقات الرسمية.

ما يمكن ملاحظته أيضاً هو أن تجوال الرئيس بوتين في دمشق، وزيارة المسجد الأموي والكاتدرائية المريمية خاصة ومصادفته مع يوم عيد الميلاد، بحسب التقويم الأرثوذكسي، هو مبعث سلام لا حرب، ويعكس أن سورية هي بلد السلام وأيقونته، وهي لوحة فسيفسائية لا تعرف إلا التعايش السلمي بين كافة أطياف وشرائح الشعب السوري. من هنا، نستنتج أن هذه الجولة قد حملت في طياتها تفسيراً لسؤال طالما أراد الشعب السوري معرفة جوابه آلا وهو إعلان نهاية الحرب على سورية.

سعي روسي

لم تتوقف الدبلوماسية الروسية، منذ اليوم الأول للحرب على سورية، بالمضي قدماً في بذل كل المساعي السياسية جنباً إلى جنب مع الميدان؛ فلقد كان هدفها الوصول إلى حلول تستطيع من خلالها إيجاد مخارج عملية بعيداً عن المعارك، حيث نجحت في مساعيها في محطات كثيرة من خلال جولات “أستانا” و”سوتشي” بالإضافة إلى حضورها على المستوى السياسي الدولي من خلال إستعمال حق النقض – الفيتو في مجلس الأمن مفضلة الحل السلمي على العسكري على الرغم من تعثره في أحيانٍ كثيرة.

إستكملاً لما سبق، إن ربط بين زيارة الرئيس بوتين إلى سورية ومن ثم التوجه نحو أنقرة للقاء الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قد يكون تمهيداً لمصالحة ما بين الدولتين تنهي التواجد التركي في البلاد، خاصة بعدما تأكد للرئيس أردوغان أن ما يسعى إليه من إنشاء مناطق آمنة، أو ما شابه ذلك، لن يتحقق وسيزيد تأكيداً عندما يشاهد الخروج الأمريكي الفعلي من المنطقة.

في الفترة الأخيرة، لاحظنا أن النبرة العربية قد إنخفضت، وتحديداً الخليجية منها، حيث شاهدنا إنفتاحاً إماراتياً على دمشق، وربما في المستقبل القريب ستتوسع الدائرة لتشمل دولاً عربية أخرى تطلب التواصل مع دمشق ضمن مساعي روسية للتوفيق بين هذه الدول وسورية خلال الأيام القادمة، بشكل غير مباشر، فقد تشكل دولة الإمارات نفسها المدخل الرئيس في تحقيق ذلك خاصة بعدما رأينا حضورها القوي، على مستوى الدولة ورجال الأعمال في معرض دمشق الدولي في دورته الـ 61 من العام 2019. يضاف إلى ذلك، إنفتاح أوروبي واسع، فزيارة الوفود الأوروبية لم تنقطع إلى سورية في عز الأزمة، إن كان على المستوى الشعبي أو على مستوى البرلمانات، حيث عملت موسكو على تقريب وجهات النظر وفتح آفاق جديدة، وقد تقطف ثمارها على شكل مصالحة عبر البوابة الألمانية، ما يعني أن الأمور تسير على قدمٍ وساق في الإتجاه الصحيح تمهيداً لنهاية حرب لم يشهد لها التاريخ الحديث مثيلاً، في مدتها وشكلها.

بيضة القبّان

عرَّت الحرب السورية الكثير من الدول، وإنقسم المعسكر العالمي بين مؤيد لدمشق ومعارضٍ لها؛ وتشكل حلف إختار الوقوف إلى جانب سورية في وجه حلف واشنطن ومن معها، وكانت إيران من أولى تلك الدول، إلى جانب روسيا، حيث تبلور محور متين بينهما.

فيما يخض الموقف الأمريكي من سورية وإيران، فلقد بات معروفاً للجميع أنه إتخذ شكل تعطيل الحلول ومحاولة تدمير الدولة السورية على مدى سنوات، وثم جاء إغتيال الفريق سليماني في سعي منها لضرب عمق هذا المحور. من هنا، كانت زيارة الرئيس بوتين تأكيداً على وجوب الخروج الأمريكي من سورية والمنطقة مع ضرورة تحييد دمشق من أن تكون ساحة لأي رد عسكري إيراني على حادثة الإغتيال، والذي تأكد من خلال إستهداف قواعد عسكرية أمريكية في العراق، كقاعدة “عين الأسد”  في محافظة الأنبار غرب العراق وأخرى في أربيل، ما يعني أن روسيا قد نجحت في تحييد الأراضي السورية، وهو ما يعطي موسكو قدرة على تحويل الرد الإيراني العسكري وإستثماره سياسياً عبر خروج القوات الأمريكية من الشمال والجنوب السوريين، وهذا ما يمكن تأكيده في القادم من الأيام، في ظل دفع العملية السياسية تمهيداً للعمل على عودة الأمان إلى سورية وخروج كافة القوات الأجنبية منها.

أخيراً، لقد عكست زيارة الرئيس بوتين عمق العلاقات الراسخة بين البلدين، وشددت قدرة هذا المحور على كسر الهيمنة الأمريكية وكبح جماحها؛ في المقابل، أكد على سلمية هذا المحور وسعيه الدؤوب إلى التهدئة على جميع الأصعدة، ولكن هذا لا يعني عدم المدافعة عن حقوقه الأصيلة وبشراسة حال فشل المساعي السياسية.

*بروفيسور في كلية الدراسات الدولية – الصين.

مصدر الصور: موقع مصراوي – روسيا اليوم.

موضوع ذو صلةزيارة بوتين ومعالم التسوية المقبلة