خاص_ سيتا

جان فان زيبروك*

في عام 1989، أُزيل جدار برلين. توقع العالم مستقبلاً حافلاً بالسلام والازدهار. فتح باب الحرية في الشرق، وهتف الناس بنهاية الحرب الباردة. بإختصار، توحدث الالمانيتين. في حينها، لم يتمكن الكثيرين من استشراف ماذا سيحدث لاحقاً. كانت الحكومة الألمانية تستعد لكل شيء ما عدا السلام.
وكان اول ما قامت به هو توريد الأسلحة إلى ميليشيات اليمين المتطرف الكرواتي والسلوفيني، والتي بدأت بالهجوم على ثكنات الجيش اليوغوسلافي. فألمانيا، التي كانت نواياها الواقعية تتجه الى استعادة سلوفينيا وكرواتيا، اعترفت رسميا بكرواتيا، تسببت في الواقع بتدمر يوغوسلافيا وما تمخض عنها من نتائج الكارثية اصبحنا نعرفها جيداً. وثاني ما قامت به برلين، تمثل في قيام الأقلية الألمانية الأوليغارشية، في القسم الغربي، بشراء المصانع التي كانت موجودة في القسم الشرقي بأسعارة بخسة، والاستغناء عن الكثير من العمال، على عكس فترة وجود دولة المانيا الشرقية التي امنت الوظائف لجميع المواطنين.
تحديث وتمدين ألمانيا، فرض على بقية أوروبا أسعار فائدة مرتفعة للغاية، قامت اغلب الشعوب الاوروبية بدفعها. فخلال تلك الفترة، أي إعادة الإعمار، كانت كل فرنسا وإيطاليا تقومان بتلك العملية من الباطن. بعدها، قامت برلين بنقل مصانعها وشركاتها الى الدول “الشرقية”، ودفعت أجوراً متدنية للعاملين، من دون حتى ان تستشير، في هذه الخطوة، شركاءها الأوروبيين أبداً.
في عام 2002، وضع وزير العمل الألماني جدولاً رسمياً غير صحيح عن أرقام البطالة مشيراً الى أن عدد العمال العاطلين يبلغ 4 ملايين شخص. ولكن بعد 15 يوماً، تم اكتشاف الحقيقة اذ ان الواقع يختلف تماماً، فالأرقام الدقيقة الواقعية بلغت 6 ملايين عاطل عن العمل. بعدها، ارادت الحكومة تطبيق ما يسمى بـ “إصلاحات هارتس”. تذكروا هذا الاسم جيداً. إنه نفس النموذج الذي اتبعته الولايات المتحدة بعد أزمة الرهن العقاري في العام 2008. ويعتبر هذا النموذج، أحد السياسات التي ينتقدها بعض القادة الأوروبيين والتي تسمى الآن “تعليمات العمال المنشورة”. هذه التعليمات، التي تضمنتها اتفاقية لشبونة 2005، تلزم الدول الأوروبية بقبول عمال من الدول الشرقية، مع اعطاء الحق للدول الاوروبية المستقبلة للعمالة بحرية الابقاء على نفس الاجور المتدنية الموجودة في بلدانهم الاصلية.
هذه الإصلاحات ليست أكثر من طريق لإفقار العمال، وسبيل حقيقي يدفع العديد منهم إلى بيع أنفسهم بأرخص الاثمان للشركات، وهذا ما يفسرلنا، في المانيا، كيف ان العمال يزدادون فقراً والاغنيار يزدادون مالاً.
في تسعينيات القرن الماضي، اصبحت الصين مطمعاً لرجال الأعمال، واصبحت أول مشترٍ للمنتوجات الألمانية لاسيما المعدات التكنولوجية والسيارات. في المقابل، اصبحت الولايات المتحدة اول زبائن ألمانيا، كونها بلد يعتمد على الصادرات، وهذا ما جعلها اكبر قوة اقتصادية مهيمنة، خصوصاً داخل منطقة اليورو.

في عهد الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن، شهدنا تحالفاً المانياً – امريكياً كبيراً وشاملاً. ومن اهم مضامين هذا التحالف ما حُكي عن أي دول شرقية تريد الدخول الى المنطقة الأوروبية، يتعين عليها أن تنظم أولا، وقبل كل شيء، الى حلف شمال الأطلسي، وهو شرط لا غنى عنه. ليس هذا فحسب بل عليها ان تكون اداة اطلسية تقف على ابواب روسيا، كرومانيا ودول البلطيق وبولندا.
ومنذ الأزمة الاقتصادية التي ضربت إسبانيا والبرتغال وإيطاليا وفرنسا واليونان، حيث عانت الاخيرة كثيراً من جرائها، مما دفعها الى تلقي مساعدات مالية ضخمة من صندوق النقد الدولي وكذلك البنك الاوروبي. هذا الوضع، كان فرصة لألمانيا كي تفرض شروطها، وهذه الشروط كانت قاسية جداً، على المستوى الاقتصادي الداخلي لهذه البلدان، اذ كان الخبراء الالمان هم الذين يقررون ما يجب على تلك الدول القيام به. هذه الظروف، دفعت بالكثير من الشعوب إلى حافتي البؤس والفقر. ان ما شهدته ألمانيا في عام 1929، ازمة الكساد الكبير، عانت منه اليونان عام 2008. الى ذلك، يقول وزير المالية الالماني، فولفغانغ شويبله، عن الأزمة اليونانية “يجب أن تسمع فرنسا معاناة الشعب اليوناني”.
هذه الأزمات في بلدان الجنوب، دفعت الشباب للعمل في الخارج، حيث سافر جزء كبير منهم إلى بلدان بعيدة، مثل أمريكا اللاتينية، اما الشباب البرتغالي فقد سافر جزء منه إلى البرازيل.
اتى الفائض المالي الألماني من التصدير. ولكن برلين لم تنفق شيئاً على البنى التحتية. لم تتم صيانة الطرق السريعة، والمحطات بقيت على حالها منذ تسعينات القرن الماضي، اضافة الى مخاوف تطال التناقص السكاني. هذا الامر الاخير، يعتبر مهماً للغاية اذ ان نسبة الاستهلاك المحلي تصل الى 70% من الناتج المحلي الإجمالي.
في كثير من هذه البلدان الجنوبية، تزداد كراهية ألمانيا. عندما راوت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل اليونان، شبهها التظاهرون بهتلر. فبينما كانت برلين تحث اثينا على تسديد ديونها، كان رئيس الوزراء اليوناني الكسي تسيبراس يبذل “كل ما هو ضروري” للحصول على تعويضات، نتيجة الاحتلال النازي لبلاده في الحرب العالمية الثانية، تقدر بمبلغ يصل الى 270 مليار يورو.
ختاماً، يرى الكثير من الاوروبيين بأن المانيا سوف تدمر منطقة اليورو. “منطقة اليورو سوف تموت، لكن السؤال يبقى من يلاحظ ذلك والى متى.”

مصدر الصور: الكاتب – موقع التحرير