سعد عبدالله الكواري*
منذ إرتفاع تداعيات جائحة “كورونا” (كوفيد – 19) وما ترتب عليها من تراجع الطلب على النفط وانخفاض الأسعار، والجميع يسأل متى يتعافى سوق النفط العالمي من الجائحة؟ وخلال السطور التالية، سنحاول الإجابة على هذا السؤال عبر رصد للتطورات التي طالت السوق، والتوقعات المستقبلية سواء ما يتعلق بخسائر الإيرادات أو حجم الطلب.
ونشير في هذا الصدد إلى أن صندوق النقد الدولي أشار الأسبوع الماضي إلى أن انخفاض الأسعار وخفض الإنتاج سيضر بشدة بمصدري النفط في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث من المتوقع أن ينخفض إجمالي دخل النفط لتلك البلدان بمقدار 270 مليار دولار أمريكي هذا العام، مقارنة بالعام 2019.
ومن المتوقع أن تشهد الإقتصادات الخليجية وحدها انكماشاً مجتمعة بنسبة 7.6% هذا العام بسبب تراجع أسعار النفط ومشتقاته، وهو ما توقعه صندوق النقد الدولي في نهاية يونيو/حزيران 2020. وتشير التحاليل إلى أن قطاع النفط سينكمش بشدة بنحو 7% وسيصاحبه إنخفاض في صناعة الغاز الطبيعي المسال والصناعات التحويلية. وفي يونيو/حزيران، ارتفعت واردات الصين من النفط الخام إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق، حيث سجلت الواردات 47.97 مليون طن، أو 11.34 مليون برميل يومياً. وكانت قوة شراء النفط كبيرة من قبل أكبر مستورد للخام في العالم أحد الأسباب الرئيسية وراء تمكن أسعار النفط من العودة بسرعة من أدنى مستوياتها التاريخية في أبريل ويتصاعد سعره إلى حوالى 40 دولاراً للبرميل.
ولكن بعد شهرين متتاليين من ارتفاع المشتريات، تباطأت واردات الصين من النفط الخام بشكل كبير في شهر يوليو/تموز، حيث أفاد مصدرو النفط الخام بأن شهية البلاد للإستيراد قد تراجعت بشكل كبير في الأسابيع الأخيرة. وتظهر بيانات الجمارك من 27 دولة منتجة أن المصدرين كانوا يشغلون 2.55 مليون برميل يومياً، أو 22%، أقل من الخام المتجه إلى الصين خلال شهر يونيو/حزيران.
ويمكن أن يؤخذ تراجع الصادرات على أنه يعني شيئين: الطلب الصيني على النفط عكسياً مرة أخرى، وذلك ربما بسبب ما يسمى بالموجة الثانية من “كوفيد – 19″، أو أن وتيرة شراء الخام كانت غير مستدامة كما كانت عليه قبل الجائحة. ويبدو أن الخيار الثاني هو سبب أكثر صحة للسيناريو القادم وهذا ما يشجع المضاربين لجني بعض الأرباح من تقلبات سعر النفط.
كما استغلت المصافي المستقلة الحساسة للسعر النفط في الصين، والمعروفة بإسم “أقداح الشاي”، انهيار أسعار النفط في أبريل/نيسان لتخزين الخام الرخيص وخفض مشترياتها بشكل حاد بعد انتعاش أسعار الخام واستوردت الصين رقماً قياسياً 24 مليون برميل من روسيا للتحميل في شهر يونيو/حزيران الماضي وتستغرق الرحلة من موانئ بحر البلطيق الروسية حوالي 40 – 50 يوماً، ما يعني أن الكثير من النفط المحمل في يونيو/حزيران كان سيصل إلى الموانئ الصينية في أغسطس/آب. وما يعلق عليه بعض تجار النفط والموردين الأمل، هو أن مصافي الشاي في الصين لا تزال جائعة، بشدة، لواردات النفط الخام، إذا كان فقط للإحتفاظ بتراخيص الحكومة للإستيراد عند حصة معينة.
ولاحظ التجار أيضاً حقيقة أن الواردات من قبل الشركات الصينية العملاقة، شركة البترول الوطنية الصينية (CNPC) وشركة النفط الوطنية الصينية (CNOOC) وشركة البترول والكيماويات الصينية (Sinopec)، لم تفوت أية فرصة لشراء النفط الرخيص وتخزينه ومن ثم إعادة تكريره. وهذا بدوره يعني أنه من المرجح أن تظل الواردات باهته في يوليو/تموز وربما تتعافى في سبتمبر/أيلول تدريجياً؛ ومع ذلك، فإن هذا التفاؤل يفشل في تفسير حقيقة أن هذه المصافي “الحساسة للسعر” تشكل أكثر من خمس طاقة معالجة الخام الصينية.
وفيما يتعلق بالطلب الذي دمرته جائحة “كورونا”، نجحت الصين في التعامل مع موجة “كوفيد – 19” الثانية، وسرعان ما سيطرت على الوضع خلال أسابيع وظلت مستقرة نسبياً. في غضون ذلك، يجدر مراقبة العقود الآجلة للنفط الخام المقوم باليوان، والتي تم إطلاقها في مارس/آذار 2018، لأن الإهتمام العالمي يتجمع، حتى لو كان بطيئاً. لا تزال هناك تحديات تحول دون أن يصبح هذا معياراً عالمياً للنفط المستورد للصين.
بالإضافة إلى ذلك، لأول مرة قالت مصادر في الصناعة إن شركة “بريتش بتروليوم” أصبحت الآن رسمياً أولى الشركات العالمية الكبرى التي تسلم النفط على أساس عقد شنغهاي في يوليو/تموز. وبحسب ما ورد، سلمت شركة بريتيش بتروليوم 3 ملايين برميل من النفط العراقي إلى العقد، ومن المقرر أن تسلم مليون برميل أخرى الشهر المقبل فهل سيتم تداول المزيد من النفط الخام في بورصة شنغهاي قريباً ويصبح النفط المستورد للصين يتعامل فقط بهذا المعيار والعملة الصينية؟
أنا واثق بأن جميع الشركات والمشغلين والمنتجين في أنحاء العالم، سيركزون على التساؤل الخاص بالقدرة على ترشيد النفقات التشغيلية وبيع مايتم إنتاجه لتحقيق هامش ربح وذلك بسبب الضبابية المستمره في سوق النفط وأسعاره.
وفي الختام، نشير إلى ما طرحناه في بداية المقال في ضوء هذه التطورات وهو متى يتعافى سوق النفط العالمي، ونقول إن الطلب العالمي للنفط لا يزال يتعافى من تداعيات جائحة “كورونا”، كما أن التوقعات ترجح نمو الطلب على النفط الخام في الصين بنسبة 50% بحلول 2023.
*خبير في النفط والغاز – قطر.
المصدر: جريدة الراية القطرية.
مصدر الصورة: مجلة عالم النفط والغاز.
موضوع ذا صلة: الرياشي: تنازلات روسية جدية بعد “حرب النفط”