هاني الظليفي*
الأسبوع الفائت، شهد الأردن جريمة مروعة ارتكبها أب ستيني بحق ابنته في سياق ما يعرف محلياً بـ “جرائم الشرف” وقد كانت ضمن 9 جرائم أخرى وقعت خلال العام كانت ضحيتها إمرأة أردنية. وبالرغم من إجراءات الإغلاق التي تنفذها السلطات الأمنية، خرجت حشود من أعضاء وناشطي المنظمات النسوية للإحتجاج على استمرار هذا النوع من الجرائم الإجتماعية التي تحدث بين الفينة والأخرى.
لكن من المستهجن أن تأتي ردة فعل البعض تجاه وحشية جريمة يتم فيها تكسير رأس إنسان في الشارع وإهراق دمه وكرامته، وعلى صدى صرخات إستغاثة غير مبالي فيها. ردود أفعال إجتماعية تتضمن التأليب على مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية، والتشهير بالنظام السياسي الذي يسمح وفق أحكام القانون للمنظمات والأحزاب والجمعيات والمنتديات أن تقوم بواجبها ودورها في الدفاع عن كرامة الإنسان وحريته وحقه في حياة كريمة وعيشة تلبي فيها احتياجاته المادية و المعنوية.
هل أن المجتمع المدني، بمؤسساته وناشطيه، هو الذي يحطم أحلامها أصحاب العقول وأفكارها ومشاعرها ويشرب من دماء المذبوحين وكرامتهم المدعوسة على الإسفلت ويجلس صامتا ليدخن؟ وهل يروج بشعاراته وخطبه وأدبياته وتعليقاته للعنف والإنتقام والعقاب الإرتجالي الهمجي الدموي الجاهلي؟ هل يتصور أي عاقل أن يطلق أحد ما صفة “المسخ” على من يسأل “بأي ذنب قتلت”؟
تُرى من المسؤول عن ترويج ثقافة تخوين وتسفيه وتشويه وإدانة مؤسسات المجتمع المدني والتأليب عليها غير تلك القوى التي تتماهى مع الإتجاهات الظلامية ذاتها والتي تتبنى الإرهاب الفكري ومارسته لسنين في دولة خرافية إرهابية بالكاد تخلص العالم منها.
هذه القوى الرديفة والكامنة والمقيمة بيننا ما فتئت تحشو رؤوس الناس بلغو فارغ ظلامي يمجد الظلم والعنف والتوحش والقسوة والإدانة ويحتكر الحق والحقيقة والشرف ويزيف الأمجاد والبطولات، ويريد أن يكتم صرخات الضحايا الذي صنعهم عبر خطاب استعلائي يتنكر لكل قيم الكرامة الإنسانية والحرية والعدالة والتطور الإجتماعي والحضاري مثلما يشوش على أصوات التغيير والتحديث والتنمية الإنسانية.
أليس هو الخطاب الذي يقول “أنا” الشارع والدولة والمجتمع والدين والحقيقة وأن الآخرين مجرد شخوص المؤامرة سواء كانت دولة أو منظمة أو حزب أو نادي أو قناة فضائية أو كتاب أو يافطة؟ من هو المسخ الحقيقي و”الغول” الذي يقتات على دماء وأحلام وتطلعات أجيالنا؟ في أي كهف يختبىء منذ قرون ليخرج في جنح الظلام يجلس ويراقب عتبات الناس ويهمس في آذان الآباء والأمهات طلاسيم تستفز التوحش والغضب والقسوة تجاه فلذات الأكباد بحجة الحفاظ على الشرف العائلي؟!
أليس هو ذات الغول الذي يصور الإرث العشائري والمجد القومي والعزة الدينية بتمثال إمرأة سواء كانت من السبايا أو البغايا أو الحوريات أو نساء العائلة أو العشيرة؟ أليس هو الغول الذي “يوسوس في صدور الناس” ويختبيء وراء كل مشاجرة شبابية في جامعة أو تحرش في سوق أو جريمة عائلية ضحيتها امرأة؟ أليس هو ذاته الذي يعض ويقول بأنها “ناقصة عقل ودين وروح” وأنها “مطية الشيطان” وعورة ولا تستحق المساواة وسبب بطالة الشباب وتجب عليها القوامة والخضوع وتقبيل يد ورِجل زوجها كواحدة من أربعة غيرها؟
من خلال ما سبق نقول إن الدولة مدعوة اليوم إلى تعزيز دور وجهد مؤسسات المجتمع المدني بما يخص حماية المرأة، أياً وكانت وأينما كانت، والدفاع عن عيشها بكرامة كاملة غير منقوصة. و هي مدعوة أكثر للأخذ على أيدي المتغولين من خطباء ومعلقين ممن يروجون لأفكار أشد فساداً تدعو لدونية المرأة، وعدم أهليتها الإنسانية، والذين يقفون في طريق تحقيق التنمية الإنسانية المنشودة في كل مكان ويختطفون المنابر والمجالس ومقرات النقابات ليبثوا “شعبويات” فارغة ذات حمولة مناهضة للمؤسسات والقيم التي تتبناها الدولة والمجتمع المدني المستنير مستهدفة تقويض المشروع التنموي الإصلاحي وتشويهه والرجوع بالأمة، والتقهقر إلى زمن ارتهنت فيه تطلعاتها إلى “فرمانات” السلاطين المستبدين الذين كبلوا شعوب المنطقة بأصفاد التخلف والتدهور الحضاري، وحطموا آمال الأحرار على حيطان الإستبداد والقمع المتلبس بعمامة الدين وخرقة الزاهد بالحرية والحياة الكريمة.
فمثلما تكون الدولة معنية بأحداث التغير الإجتماعي وإستكمال المشروع النهضوي والتنموي، الذي يخفي في جوهره الإنسان الحر الكريم الآمن المشارك في الإنتاج والتنمية، فهي معنية أيضاً بمكافحة الفساد الفكري والإجتماعي الذي يروج لظلم وإضطهاد المرأة التي تمثل نصف المجتمع وكل المستقبل وصيانة حياتها وحريتها وحقوقها من كل تعديات مادية ومعنوية أو محاصرة الخطاب السلبي الرجعي من خلال التوعية وخلق سجال حضاري تكون مؤسسات الدولة والمجتمع المدني عماده.
*كاتب سياسي أردني – رومانيا
مصدر الصورة: الجزيرة.
موضوع ذا صلة: قمع الإرهاب يبدأ بمعالجة أسباب الفساد