هدى رؤوف*

في الوقت الذي تتجه أنظار العالم كله إلى الانتخابات الأميركية، انتظاراً للفائز الذي سيحدد ملامح السياسة الخارجية الأميركية، سواء استمرار العزلة وتخفيف الانخراط في القضايا العالمية، أو إعادة صياغة أو استمرار نمط علاقات التحالف والعداء، أعلنت إيران أنها غير معنية بنتائج الانتخابات، ومع ذلك يمكن رصد مؤشرين يناقضان تصريحات مسؤوليها.

فقد كسر المرشد الأعلى لإيران الصمت في شأن الانتخابات الأميركية، عندما علق في خطاب علني له في شأنها، معتبراً أن فوز مرشح ديمقراطي أو جمهوري لن يؤدي إلى أي تغيير في السياسة الإيرانية.

ورأى أن سياسة بلاده تجاه الولايات المتحدة محددة ومحسوبة، ولن تتغير بناء على من يدخل البيت الأبيض أو يغادره.

وفي السياق ذاته، قال الرئيس الإيراني حسن روحاني إنه لا يهم من سيفوز في الانتخابات الرئاسية، وإن بلاده خططت “لظروف صعبة” في المستقبل.

أما الحرس الثوري فأصدر بياناً حث فيه المواطنين على الاعتماد على القدرات المحلية، بدلاً من الاهتمام بالانتخابات الأميركية لحل مشكلات البلاد.

ولكن هل إيران حقاً غير معنية بنتائج الانتخابات؟ هناك موقفان يوضحان الاهتمام الإيراني بنتائج الانتخابات، ومن سيصل إلى البيت الأبيض، فالأول أنه منذ نحو أسبوع صدر بيان عن مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية التابعة لوزارة الأمن الداخلي، يؤكد قيام متسللين إيرانيين بإرسال وابل من رسائل التهديد إلى الناخبين الأميركيين بعد الوصول إلى بياناتهم، وأن الخرق الأمني هو أحدث محاولة تستهدف الانتخابات الأميركية 2020، بما في ذلك محاولات ضرب حملات الرئيس دونالد ترامب وخصمه جو بايدن. ووفقاً لشركة مايكروسوفت، فقد حاولت المجموعة من دون جدوى تسجيل الدخول إلى حسابات مسؤولي الإدارة وموظفي حملة ترامب.

إذاً، إيران أرادت التأثير في الرأي العام الأميركي، والتأثير في صدقية نتائج الانتخابات، وهذه ليست المرة الأولى التي تستخدم فيها هجمات إلكترونية، ففي سبتمبر/ أيلول 2015، عيّن المرشد الأعلى علي خامنئي أعضاء في المجلس الأعلى للفضاء السيبراني، وفي عام 2011 – 2012 أنشأت إيران قيادة مشتركة للدفاع السيبراني لإحباط الهجمات ضد المنشآت النووية الإيرانية، خصوصاً بعد هجمات تعرض لها برنامجها النووي.

ولدى الحرس الثوري قيادة الدفاع السيبراني الخاصة به، ويوظف ما يسمى بجيش إيران السيبراني، وقد نفذ هجمات قرصنة ضد عدد من المنظمات الأجنبية، وتُطور إيران باستمرار القدرات السيبرانية التي لا تعد مجرد أداة للدعاية والاستغلال المخابراتي وحسب، لكن أيضاً وسيلة يمكن لإيران أن تعوض بها ضعفها العسكري التقليدي في مقابل جيرانها الإقليميين والولايات المتحدة، واستخدام هذه الأداة للاستفادة من التجسس والدعاية والهجمات لدعم أولوياتها الأمنية، والتأثير في الأحداث والتصورات الخارجية عنها، ومواجهة التهديدات بما في ذلك حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة.

كما استخدمت قدراتها الإلكترونية بشكل مباشر ضد أميركا، فعلى سبيل المثال قام أحد القراصنة الإيرانيين بالتدخل في نظام التحكم الصناعي للسد الأميركي عام 2013، وكذلك نفذت الجهات الإيرانية هجوماً لحذف البيانات ضد شبكة الكازينو الأميركي العام 2014.

أما المؤشر الثاني، فيرتبط باستعدادات إيران لترتيب أوضاع جديدة للمرحلة الثانية في علاقتها مع الولايات المتحدة، فقد قام مجلس الشورى الإيراني خلال الأسبوع الحالي بالعمل على تشريع من شأنه إلزام الحكومة بإعادة تأهيل قلب مفاعل أراك للماء الثقيل، وعملية تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المئة، واتخاذ الإجراءات المتعلقة بتركيب 1000 جهاز طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم في منشاة نطنز النووية تحت الأرض، وتركيب 1000 جهاز طرد مركزي في محطة فوردو النووية.

وستتم إعادة تصميم مفاعل أراك للماء الثقيل إلى ما كان عليه قبل الاتفاق النووي في العام 2015، وزيادة كمية تخصيب اليورانيوم إلى 500 كيلوغرام شهرياً، بالنسبة التي تحتاج إليها الأغراض السلمية، ووقف أعمال رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية خارج البروتوكول الإضافي.

وبالطبع فإيران لا يمكنها اتخاذ إجراءات تراجعية في ما يخص إلتزماتها في الاتفاق النووي المبرم عام 2015، كي لا يصطف الأوروبيون والوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى جانب الموقف الأميركي، لكن توقيت مشروع القانون جاء قبيل الانتخابات الأميركية لتفويت الفرصة على ترامب لاتخاذ رد فعل ضد إيران، يستفيد منه في حشد المصوتين له من جانب، ومن جانب آخر تريد إيران الاستعداد لمرحلة التفاوض مع الولايات المتحدة التي ستنتهى بشكل مرجح باتفاق مع الإدارة الأميركية، سواء كان الفائز ترامب أم بايدن، لذا فإن طهران تريد تسريع موعد التفاوض معها بعد إعلان نتائج الانتخابات الأميركية، فضلاً عن رغبتها في رفع سقف التفاوض عبر الإيحاء بالتخفيف من التزاماتها في الاتفاق النووي المبرم، بما يجعل الطرف الأميركي يفاوض على أقصى الممكن، فتمنح إيران أدنى الممكن المرتبط بالملف النووي لتوحي بإعادة التزامها، ولكن من دون التفاوض على سياساتها الإقليمية وبرنامجها الصاروخي.

*كاتبة وباحثة في الشأن الإيراني – مصر.

المصدر: إندبندنت عربية.

مصدر الصورة: إندبندنت عربية.

موضوع ذا صلة: بايدن “النائم”.. وترامب “جرو بوتين”