شارك الخبر

خليل حرب*

صناديق الإقتراع وحدها بعد ثلاثة أشهر ستبرهن ما إذا كانت كامالا هاريس الإختيار الموفق للمرشح الديموقراطي جو بايدن، لتكون نائبته في السباق الاإنتخابي من اجل إخراج الجمهوري، دونالد ترامب، من البيت الأبيض.

وقد أوفى بايدن بالتزام أعلنه قبل أشهر بإختيار سيدة لتكون الى جانبه في المعركة ضد الرئيس ترامب، فهي “مقاتلة لا تعرف الخوف” كما وصفها، لكن من بين العوامل المهمة أيضاً أنها تنتمي إلى جيل سياسي أصغر عمراً مقارنة ببايدن (77 سنة)، وحتى ترامب (74 سنة)، وهي مسألة حيوية في التنافس الإنتخابي بعدما ظل الرئيس الجمهوري الحالي ينكل بخصمه الديموقراطي، واصفاً إياه بـ “بايدن النعسان” على سبيل السخرية منه.

وبطبيعة الحال، لا يأمن بايدن جانب استطلاعات الرأي التي تشير حالياً إلى تقدمه على الرئيس ترامب في نوايا التوصيت، ويذكر تماماً كيف أن انتخابات الـ 2016، جلبت المرشح الجمهوري إلى البيت الأبيض على حساب الديموقراطية، هيلاري كلينتون، التي ظلت الإستطلاعات تضعها في المقدمة طوال أشهر قبل فتح صناديق الإقتراع.

ولذلك، فإن هاريس أول سيدة ذو بشرة سمراء تترشح لهذا المنصب ستكون بمثابة رهانه الكبير لتعزيز حظوظه الرئاسية، مستعيداً تجربة فوز باراك أوباما عام 2008 عندما نال أصوات 95% من الناخبين السود الذي صوتوا. ويذكر الناخبون ذوي البشرة السمراء بطبيعة الحال أن بايدن كان إلى جانب أوباما، أول رئيس ذو بشرة سمراء في التاريخ الأميركي، وهو يختار الآن أول سيدة ذو بشرة سمراء لتكون الى جانبه. ومعلوم أن الأميركيين الأفارقة يمثلون أكبر التكتلات العرقية الإنتخابية. ولكامالا هاريس أصول آسيوية ايضاً، ما يعني أنهما الأقليتان العرقيتان الأكبر في الولايات المتحدة بعد ذوي البشرة البيضاء.

لكن لون البشرة ليس المغزى الوحيد في اختيار بايدن لكامالا هاريس، ففي تجربة إنتخابات عام 2008 أيضاً، تفوقت النساء اللواتي أدلين بأصواتهن على الناخبين الرجال، بأكثر من 10 ملايين صوت، صبت غالبتيها لمصلحة أوباما. هذا عنصر بالغ الحيوية في بلد يبلغ فيه عدد النساء نحو 160 مليون امرأة ويقبلن على صناديق الإقتراع أكثر من الرجال بنسبة 65% مقابل 61%. وفي الإنتخابات الماضية، أدلت 70 مليون سيدة بأصواتهن.

وبهدا المعنى تمثل كامالا هاريس رهاناً كبيراً بالنسبة إلى الحزب الديموقراطي، فهي إلى جانب مسألة صغر عمرها نسبياً، وبشرتها الداكنة وكونها سيدة، تتجمع بين يديها أوراق عدة من عناصر القوة الضرورية للإنتصار المنتظر.

وتميزت مسيرتها بالكثير من العلامات البارزة، فلها تاريخ حافل بمناهضة التمييز العرقي، القضية الحاضرة دوماً في العمل السياسي الأميركي والتي اكتسبت زخماً إضافياً مع قضية مقتل جورج فلويد مؤخراً، واختيارها لمنصب نائب الرئيس، يعزز صورة الحزب الديموقراطي بأنه المدافع الأشد عن المساواة العرقية في البلاد، بينما أظهرت السنوات الأربع الماضية خفة الرئيس ترامب وحماقته في التعامل مع هذه القضية الحساسة.

ولم يكن مفاجئاً أن يسارع الرئيس ترامب الى وصف كامالا هاريس بأنها العضو “الأكثر لؤماً وفظاعة” في مجلس الشيوخ، وبأنها لم تثر إعجابه في الإنتخابات التمهيدية للحزب الديموقراطي التي فاز فيها بايدن.

إلا أن سيرتها تقول أشياء كثيرة أيضاً. فهي من كاليفورنيا الخزان الحيوي للديموقراطيين. وهي أول مدعیة عامة ذات بشرة سمراء لولایة كالیفورنیا، وهي أيضا أول إمرأة من أصول جنوب آسیویة تفوز بمقعد في مجلس الشیوخ. لها ميزة مشابهة بذلك لأوباما، أول رئيس ذو بشرة سمراء، الذي تتحدر جذوره من أصول اندونيسية وأفريقية. 

وقد تفتح لها أبواب البيت الابيض بعد انتهاء ولاية بايدن الذي سيكون قد تخطى الثمانين من العمر، فتصبح بذلك أول سيدة وأول أميركية أفريقية تتولى منصب الرئاسة في تاريخ الولايات المتحدة. 

وستحرص هاريس إلى جانب بايدن على تحويل الإنتخابات الرئاسية إلى “استفتاء” على ولاية الرئيس ترامب الأولى، وهي حافلة بالإنتكاسات والأخطاء التي قد تنهي مسيرته السياسية، خصوصاً بعد تصاعد الإتهامات ضده بالفشل في التصدي لوباء “كورونا”، ما ألحق ضرراً هائلاً بالإقتصاد الأميركي، مثلما تعامل بعنجهية مع قضية جورج فلويد. 

ولهذا، أمام هاريس فرصة لصناعة التاريخ. ولم تكن هذه السيدة التي توصف بأنها عنيدة، ولكن رائدة، خصماً سهلاً في وجه حليفها الحالي بايدن، اذ نكلت به خلال الإنتخابات التمهيدية للحزب الديموقراطي، لكن ذلك لم يمنع بايدن من اختيارها الآن، ما يضعه في هذا الموقف الفريد، في تعارض تام مع الرئيس ترامب الضيق الصدر الذي إنفضّ من حوله العديد من مساعديه والوزراء، أو أقالهم بنفسه مثلما فعل مع جون بولتون. 

في تغريدة لها على تويتر مؤخراً، كتبت هاريس “إن خطاب ترامب العنصري المتكرر یحاول توجيه اللوم في إخفاقاته المتعلقة بفیروس كورونا المستجد لأي شخص ما عداه.. ھذه مسألة خطیرة وخاطئة ولھا تداعیات في الحیاة الفعلیة على الأمیركیین الآسیویین والمھاجرین الآسیویین.” 

ولدت هاريس من أبوين مهاجرين، والدها من جامایكا ووالدتھا من الھند. ونالت شهادتها من جامعة ھوارد إحدى جامعات السود التاریخیة في واشنطن. ودرست القانون في كلیة ھایستینغز في جامعة كالیفورنیا، وأصبحت مدعیة وشغلت منصب المدعي العام لسان فرانسیسكو لولایتین، قبل أن تنتخب مدعیة عامة لكالیفورنیا في العام 2010 ويعاد انتخابھا في العام 2014. وفازت بمقعد في مجلس الشیوخ، في نوفمبر/تشرین الثاني، لتصبح ثاني سيناتورة ذات بشرة سمراء في تاریخ الولایات المتحدة.

في حرب التلاسن التي ستتصاعد في الأسابيع القليلة المقبلة، ستكون هاريس السلاح الأمضى لبايدن الأكثر اتزاناً وعقلانية وتواضعاً أمام الرئيس ترامب، الذي نجح بسلاطة لسانه وعفويتة الشعبوية في إطاحة هيلاري كلينتون قبل أربع سنوات. كامالا هاريس ربما من دون مبالغة متسرعة، ستكون بمثابة “الحصان الأسود” الذي قد يغير وجه أميركا للسنوات الأربع المقبلة. سنرى.

*كاتب لبناني.

المصدر: جريدة النهار.

مصدر الصور: سبوتنيك – نيويورك تايمز.

موضوع ذا صلة: إخفاقات مدوية لترامب قبل “بوعزيزي” الأميركي… نعم “نريد أن نتنفس”!


شارك الخبر
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •