سعدة الهمالي*

دولياً، تحول الحديث عن ضرورة وجود المرأة في مفاوضات السلام من مجرد فكرة إلى قرار أممي، حيث لم يتم تفعيله سوى في العام 2000 من خلال القرار رقم 1352 إذ اعترفت الأمم المتحدة من خلاله ليس فقط مسألة التأثير الخاص للنزاعات على النساء ولكن أيضاً الحاجة إلى تضمين النساء بإعتبارهن صاحبات مصلحة في درء الصراعات وحلها.

رغم أن قرار الحرب في ليبيا لم تشارك في صنعه أبداً أي من النساء بحكم إبتعادهن أو إبعادهن عن دوائر القرار الرسمي من خلال “حصر وجودهن في الوجود الشكلي غير الفاعل”، إلا أن المرأة تتحمل العبء الأكبر لأضرار الإقتتال المتواصلة منذ سنوات.

ومع تعقيد المعارك أكثر، فإن الحديث عن مفاوضات السلام ثنائية الأطراف بشكلها التقليدي باتت أمراً غير واقعي، حيث أصبحت الحاجة ملحة لنقلة نوعية تبتعد بالسلام من مجرد نظرية إلى عملية حقيقية، من عملية عسكرية – سياسية تهدف إلى الإستحواذ أو تقاسم السلطة إلى عملية مجتمعية هدفها تقاسم المسؤولية.

أيضاً، يجب التخلص من احتكار الجهات المسلحة للمفاوضات إلى إشراك الجهات الفاعلة في عملية السلام، وخاصة النساء بُناة السلام، حيث أن إشراك المرأة والمجتمع المدني يزيد من فرصة إستدامة السلام بنسبة 54%، وذلك بحسب إحصائيات منسوبة للأمم المتحدة.

ولكن على الرغم من محاولات المرأة الليبية إقتحام دوائر السياسة وهيمنتها بشكل ملفت على مؤسسات المجتمع المدني، إلا أن الأطراف الفاعلة ما زالت تتنكر لمشاركة المرأة في مفاوضات السلام، ولا يتم مجرد الإشارة إلى أهمية وجودها فيها.

لا يمكن الحديث عن سلام ناجح ومستمر في ظل التلويح بإقصاء طرف أو تغول آخر، بل إن تجارب الدول التي عانت حروباً مشابهة، على غرار ما يحدث في ليبيا، تقول إن الإتفاقيات الجيدة هي التي تؤسس للمجتمع بكافة أطيافه وتوجهاته السياسية والنوعية وهنا تكمن أهمية إشراك المرأة في عمليات السلام.

والسؤال هنا: فكيف يمكن ضمان إشراك النساء؟ في هذا الخصوص، تقترح بعض المنظمات خطوات عملية لإنجاح عملية الإشراك تلك من خلال:

– جعل إشراك المرأة واحداً من شروط إضفاء الشرعية على الأطراف المتحاربة.

– تخصيص حصة مفروضة لوجود نساء على طاولة المفاوضات، وغياب المرأة يعني أن بعض المقاعد ستبقى شاغرة.

– تذويب فكرة أن النساء غير كفؤات من خلال طرح تساؤل حول كفاءة الرجال الجالسين على طاولة المفاوضات، وطرح أسماء نساء يملكن كفاءة حقيقية وليس مجرد تمثيل شكلي.

– إقتراح المعايير اللازمة لإشراك المرأة والمجتمع المدني على أسس معينة، كإلتزامهم بالدفاع عن حقوق الإنسان ونبذ العنف وخبرتهم التي اكتسبوها من خلال العمل الميداني مع الضحايا المدنيين لتلك الحروب.

إن وجود المرأة في مفاوضات السلام سيشكل فرقاً فعلياً في نتائج تلك المفاوضات، حيث أن وجودها يضفي لمسة إنسانية ويرفع من إحساس المتفاوضين بضرورة التوصل إلى اتفاق يحمي الفئات الضعيفة في المجتمع. كما أن السلام كلعبة سياسية، لا يمكن أن ينجح أبداً في غياب لاعبين مسالمين، حيث أن أطراف النزاع الليبي من الرجال تغلب عليهم العقلية غير المسالمة التي تضع مسألة “الحصول على مكاسب سياسية” كأولوية مقارنة بالمكاسب الإنسانية، في حين تختلف المرأة في ترتيب تلك الأولويات خاصة إذا ما وضعنا في الإعتبار أن المرأة تعتبر واحداً من أكثر المتضررين من استمرار الإقتتال وغياب صوت السلام والمصالحة.

*صحفية ليبية.

مصدر الصورة: الحرة.

موضوع ذا صلة: الفرجاني: بدء التحضيرات للاستثمارات الواعدة في ليبيا