خاص “سيتا”

حيدر مصطفى*

اثبتت أدبيات السياسة التركية، خلال السنوات الأخيرة، ان نهج التلاعب يسود آليات عمل كبار مسؤوليها، والتفاهمات والتوافقات التي يتوصلون إليها مع شركائهم الدوليين المفترضين (الروس مثلاً) سرعان ما تبدو كمجاملات أو أفخاخ سياسية.

كان واضحاً أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لم يرغب في الإكثار من الحديث خلال مؤتمره الصحفي المشترك مع نظيريه الإيراني حسن روحاني والروسي فلاديمير بوتين، واكتفى بالإشارة إلى العموميات المعتادة أو المقولة التي يلجأ إليها جميع المعنيين الدوليين في الأزمة السورية عندما يحشرون في الزاوية “سنواصل عملنا وكفاحنا من أجل تأسيس مناخ سلام يعتمد على الحل السياسي في سوريا”.
أردوغان بعد قمة سوتشي قال إنه توصَّل إلى تفاهم مع نظيريه حول ضرورة تطبيق ما أنتجته جولات أستانا، لكن هو نفسه كان قد انتهك روح الاتفاق بإعلانه النية لشن عملية عسكرية باتجاه منطقة عفرين السورية التي تسيطر عليها القوات الكردية وقوات سوريا الديمقراطية منذ أكتوبر/تشرين الاول، آنذاك تبين واضحاً ان التركي يكمن في الشمال لخداع الروسي، فالتهديد بالدخول إلى عفرين جاء مباشرة بعد الإعلان عن تفاهمات تم التوصل إليها بين أنقرة وموسكو.

مجدداً، كمن التركي للروسي في ثنايا اتفاقات سوتشي التي يفترض أن من جملة أهدافها لحل العقدة التركية – الكردية، وهذا ما لم يحدث.

وما لبثت طائرة أردوغان أن عادت به إلى تركيا، حتى حصل الالتفاف الفاضح للسياسة التركية والذي لم يكن مفاجئاً لا بل كان متوقعاً وتسبب بنسف تفاهمات سوتشي، وأجبر موسكو على تأجيل مؤتمر سوتشي للحوار الوطني السوري.

أعلنت أنقرة عن احتمال بدء عملية عسكرية في عفرين مباشرة بعد اتصال حصل بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والأمريكي دونالد ترامب وُعِد به الأخير بتقليص الولايات المتحدة الدعم للقوات الكردية في سوريا، وهو ما قلب الموازين وأعاد التأكيد بأن المصلحة التركية لا يمكن لها أن تخرج من العباءة الأمريكية، وهو ما يثبته التاريخ مراراً.

وفي حال صدقت المعلومات حول نية تركيا اجتياح عفرين خلال الساعات أو الأيام المقبلة، لا ضير في القول إن الروسي سقط في الفخ التركي من جديد، ولا ندري إن كان قد تعمد ذلك لتعرية دوره كلياً، وسحب الذرائع منه واقتناص الفرص المناسبة لضرب آخر أوراق متبقية له في الداخل السوري.

ولكن لا شك أن موسكو التي اختبرت التركي جيداً خلال السنوات الأخيرة، لديها القدرة على الاستثمار في أفخاخ أنقرة، وتحويلها إلى شراك تبتز فيها التركي وتحطم آماله ونواياه كما حصل سابقاً بعد واقعة الطائرة الروسية التي أسقطتها الدفاعات الجوية التركية عام 2015 وما تبعها من قطيعة في العلاقات استثمرتها روسيا في الميدان حتى استعاد الجيش السوري مناطق حلب وريف اللاذقية الشمال.

بالعودة قليلاً في الذاكرة إلى أكتوبر 2017 عندما أدخل التركي عشرات الآليات العسكرية إلى إدلب، صعدت الأنباء عن تحضيرات عسكرية للجيش السوري والحلفاء للتقدم باتجاه مطار أبو الضهور، وهي رسالة أوقفت التقدم التركي باتجاه المطار والمناطق المحاذية مباشرة لعفرين نسبياً كونه يعد خروجاً عن نصوص التفاهمات الروسية التركية، لكن وبحسب ما يبدو أن التركي ما زال يرغب fالمزيد من التحدي.

وها نحن اليوم أمام عمليات عسكرية للجيش السوري وحلفائه بدأت في ريف حماه الشمالي المحاذي لإدلب وربما لن تقف هذه المرة عند مطار أبو الضهور، توازياً مع تهديد أنقرة ببدء عملية عسكرية في عفرين. ان مجرد الإعلان عنها يشكل انتهاكاً صارخاً لاتفاقيات استانا وتفاهمات سوتشي أو على الاقل “مجاملات” سوتشي.

فهل ستثبت هذه المعادلة صحتها مجدداً بأن “التركي لا يفقه في الميدان السوري سوى لغة النار والمصالح الشخصية”، وأن الحديث عن رغبته في سلام دائم ودعمه للعملية السياسية، ليس سوى المطية التي حصل منها على صواريخ “إس.400” وعشرات الاتفاقيات الاقتصادية مع الروسي، ويتخذها ذريعة لتمرير أهدافه بضرب الأكراد وعرقلة العملية السياسية المرجوة ما يحتِّم ضرورة قطع الذيل التركي عسكرياً في إدلب وشمالي حلب وغوطة دمشق الشرقية؟ وفي المقابل، هل يكون السماح الروسي لتركيا بالتدخل عسكرياً، وتماديها المتوقع في عفرين، مفيداً من أجل توريطها بشكل يسهل على موسكو إمكانية فرض شروط جديدة عليها، خصوصاً وأن روسيا اصبحت خبيرة في “انزال الدول عن الشجرة”؟

لا شك أن التداعيات ستكون أخطر في حال استطاعت كل من أنقرة وواشنطن رأب التصدعات بينهما وتناسي الخلافات الثانوية مقابل مضايقة موسكو وإطالة أمد الحرب في سوريا.

*اعلامي سوري

مصدر الصورة: Daily Sabah – ترك برس