سلمان شبيب*
اعتادت العاصمة السورية – دمشق في محطات هامة أن تستقبل المبعوث الروسي الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، الذي يعتبر الشخصية الروسية الأبرز المعنية بكل جوانب الملف السوري وتعقيداته.
ولا شك أن زيارته الأخيرة تكتسب أهمية خاصة لأسباب متعددة أهمها، أنها تأتي بعد زيارة الرئيس بوتين إلى دمشق والرسائل التي حملتها، وبعد تزاحم الأحداث وتلاحقها خلال هذا الشهر، مما يوحي بأن العام الحالي سيكون مفصلياً ليس للأزمة السورية فقط بل لكثير من ملفات المنطقة الملتهبة، ويمكن الجزم بأن زيارة بهذا المستوى الرفيع، وشكل اللقاء الذي جرى مع القيادة السورية، قد تم البحث فيها بعدد من الملفات الهامة التي تهم الطرفين في إطار التنسيق الدائم بينهما.
ويأتي ملف إدلب وفشل وقف العمليات العسكرية وتهرب تركيا ومراوغتها في تنفيذ التزاماتها وخاصة فتح الطرق الدولية بين حلب وكل من حماة واللاذقية ونتائج الإجتماع الأمني السوري – التركي، الذي عقد بين اللواء علي مملوك رئيس جهاز الأمن الوطني السوري وحقان فيدان رئيس جهاز المخابرات التركي، نتيجة جهود ورعاية روسية كاملة. فالعملية العسكرية التي بدأها الجيش السوري، بمساندة روسية في ريفي حلب الغربي والجنوبي وفي محافظة إدلب، من المتوقع أن تستمر على الرغم من ما يمكن أن تشهده من محاولات تصعيد تركي وتهويل دولي لوقفها بذرائع “إنسانية” مختلقة.
كما تشير المعلومات بأن ملف العلاقات السورية مع دول الخليج، وخاصة السعودية، كان حاضراً على طاولة الإجتماعات بين الطرفين، حيث تم تقييم الجهود الروسية الحثيثة المتواصلة لإعادة هذه العلاقات إلى مسارها الطبيعي، والنتائج الإيجابية التي حققتها حتى الآن برغم كل الضغوط الأمريكية لعرقلة وإفشال الجهد الروسي في هذا المجال.
أما أجواء الإحتفال الذي أقامته سفارة الإمارات بدمشق وما قيل خلاله من كلام إيجابي تجاه سوريا وقيادتها والدعوة الخاصة التي تلقاها السفير الدائم لسوريا لدى الأمم المتحدة، بشار الجعفري، من مندوب السعودية في الأمم المتحدة للمشاركة في حفل الإستقبال الذي أقيم على شرف وزير الدولة السعودي، فهد المبارك، والحفاوة التي استقبل فيها الدكتور الجعفري يصب في إطار إيجابي، خصوصاً مع تقصد المسؤولون السعوديين الإنفراد به خلال الحفل، وما تسرب من كلام سمعه منهما عن مكانة سوريا، والإشارة إلى أن ما شاب العلاقات بين البلدين هو “غمامة صيف” زائلة.
ورغم أن الحقيقة تقول إن ما مر في أجواء العلاقات السورية – السعودية هي “غيوم داكنة” و”عواصف شتاء قاسية”، لكن الكلام الإيجابي للسفير والوزير السعوديين يوحي بأن جواً جديداً قد إستجد نتيجة لنجاح الجهود الروسية في خلقه، فهناك معلومات تقول بأن زيارة مرتقبة لرئيس مكتب الأمن الوطني السوري، الذي حضر لقاء الرئيس الأسد مع المبعوث لافرنتييف، قد تتم إلى السعودية وقد تكون معلنة هذه المرة. مما لا شك فيه، إن الصراع المحتدم في المنطقة، بين محوري تركيا – قطر من جهة والسعودية – الإمارات – مصر من جهة أخرى، وأهمية سوريا ومحوريتها كان عاملاً داعماً للدور الروسي في تحقيق تقارب سوري – سعودي تتوالى مؤشراته.
لقد كان ملف العملية السياسية في صلب الحديث، وفي مقدمها موضوع اللجنة الدستورية المعلق عملها نتيجة التدخلات الدولية والفشل الذي واجهته في بداية عملها حيث بات معروفاً مدى الأهمية الكبيرة التي تعلقها روسيا على هذه اللجنة إذ تعتبرها إنجازها السياسي الأكبر في سوريا، وتعتبر إنطلاق عملها بجدية هو مؤشر هام يقدم للمجتمع الدولي عن إنطلاق العملية السياسية؛ وبالتالي، نزع ذرائع من يحاول إبقاء العقوبات على سوريا وعرقلة عودة المهجرين وبدء عملية إعادة الإعمار.
ومما لا شك فيه أن زيارة المبعوث لافرنتييف قد مهدت أجواء دمشق لزيارة المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، ومقاربته الجديدة لطريقة عمل اللجنة الدستورية بأن يتم الإتفاق على جدول عملها قبل دعوتها للإجتماع في جنيف لضمان عدم تكرار الفشل من جديد.
ختاماً، يمكن التأكيد بأن حقيبة المبعوث الروسي كانت حافلة كعادتها بالملفات والتي تعجز رسالة واحدة من القيادة الروسية إلى القيادة السورية على حملها، كما يمكن التأكيد أن كل الملفات قد تم بحثها بروحية التعاون والتنسيق المشترك والدائم بين حليفين.
*رئيس حزب “سوريا أولاً” المعارض – محلل سياسي سوري.
مصدر الصور: العربي الجديد – فلسطين اليوم.
موضوع ذو صلة: زيارة بوتين إلى الخليج: مدخل إقتصادي لنفوذ سياسي؟!