د. عبدالله الأشعل*
مع كل تقارب بين إحدى الدول العربية وإسرائيل يتجدد الجدل. فأنصار الحاكم الذى يُقدم على التطبيع معها يقولون أنها قضية سياسية ينفرد بها “ولي الأمر”، كما أنها قضية دينية لأن الإسلام يحث على السلام والتسامح والتعايش مع المختلفين معنا عقدياً وهم أهل الكتاب وحتى أصحاب العقائد الأرضية كالبوذية وغيرها.
أما المعارضون للتطبيع، لديهم أربعة دفوع. الدفع الأول، أن الأصل هو مبدأ فلسطين لأهلها العرب وأن اليهود غزاة مستعمرين بالقوة والخديعة، وأنهم يريدون كل فلسطين ويرفعون شعار السلام للخديعة ويقصدون به “سلام المقابر” للفلسطينيين.
الدافع الثاني، أن إسرائيل زُرعت في المنطقة للإضرار بها إذ أنها لاتكف عن قتل العرب والتخطيط لإبادتهم حيث ويجاهر حاخاماتها بأن هذا “واجب توراتي”. أيضاً، إن الإعتراف لإسرائيل بشروطها يعني طرد الفلسطينيين من أرضهم.
أما الدافع الثالث، أن الإعتراف بإسرائيل يعني التخلي عن العروبة لصالح الغزو الصهيوني. ويرى هذا الفريق أن التطبيع قضية سياسية لها أسانيد دينية؛ فهي سياسية كما ذكرنا وأوضحنا من حيث أن المشروع الصهيوني الذي لا يستند إلى قانون سوى قانون الغصب والقوة. لذلك، تجرأت إسرائيل على إحلال مصطلح الأراضي المحتلة بالأراضي المستردة، ولا يجوز شرعاً نصرة الغاصب والجور على الضحية خاصة وأن التطبيع تواطؤ مع اللص. هذا يناقض قواعد الإسلام الذي يأمر أتباعه بعدم الظلم لا بل نصرة المظلوم وحرمة إعانة الظالم.
أما الدفع الرابع والأخير، أن المسجد الأقصى المبارك يهم كل مسلم وهو أولى القبلتين والتخلي عنه لصالح الغاصب المحارب للدين وأهله هو جرم ديني وخطيئة كبرى؛ فنصرة الأقصى ضد العدوان عليه بأية ذريعة، هو واجب وإلتزام إسلامي – مسيحي. فقرار الإعتراف بإسرائيل بلا مقابل لصالح الفلسطينيين ليس أمراً سيادياً تنفرد به أية دولة، ولكن الدولة العربية الإسلامية ملزمة بالدفاع عن مقدسات الأمة التي تنتمي إليها، كما أن هذا التطبيع المجاني ينتهك كافة القررات الدولية وأحكام القانون الدولي. لذلك، صار قرار التطبيع قراراً انتهازياً من الحاكم على حساب الدولة والأمة والتنكر لواجبات المسلم، هذا كله من ناحية.
من ناحية أخرى، الحاكم العربي وحواريوه والمستفيدون منه يبررون بالدين والسياسة الإعتراف، أو عدم الإعتراف؛ أي أن الأصل هو موقف الحاكم وأنصاره من إسرائيل، وهو في كل الأحوال خدمة لسلطته وتحالفاته ضد الدين والوطن والمقدسات.
تصوير ذلك في مصر. فقد أقدم الأزهر الشريف على اصدار فتوى بأن الإعتراف بإسرائيل هو “خطيئة دينية”، ولقد فصلت الفتوى أساس التحريم. حدث ذلك في عصر الرئيس المصري الراحل، جمال عبد الناصر، الذي كان بحاجة إلى الأزهر لدعم موقفه من إسرائيل.
بعدها، قرر الرئيس الراحل، أنور السادات، التعاون مع إسرائيل على حساب الأقصى وفلسطين لمصالح شخصية وهمية مصرية وضد المؤسسات الدينية. ولدعم موقفه انطلاقاً من أنه نفسه هو “كبير العائلة” المصرية وأنه رأس دولة العلم والإيمان، فوجد المشايخ الذين يصورون صفقته مع إسرائيل بـ “صلح الحديبية” غافلين عن أن هذا الصلح كان سياسياً بين أبناء قريش المسلمين والكفار، بينما الصفقة مع إسرائيل هي التخلي عن حقوق الغير في فلسطين والزعم بأنه يمثل أصحاب الحق.
حينها، تسابق المشايخ في تبرير الصفقة من النصوص الدينية، وهي مبررات تكشف جهل المشايخ ونفاقهم وإنحرافهم واستدلالهم السقيم والمخض بآيات الله ليتروا به ثمناً قليلاً من عطايا الحاكم مستدعين من الآيات ما يخدم مقولتهم الداحضة مثل قوله تعالى ” فإن جنحوا للسلم فإجنح لهم وتوكل على الله”، غافلين عن أن السلم لا يكون مع اللص الا بعد ان يرد المسروق. وهذا بالطبع لا ينطبق إلا على نزاع بين مكونات الأمة الإسلامية، إذ لا سلم للغاصب إلا بعد أن يعيد ما إغتصبه.
ورغم الإستخدام “الفاجر” للدين من أجل دعم موقف الحاكم المتصهينين، فإن هذا الحاكم يعتقد جازماً أنه يتصرف لصالح وطنه ودينه وهو ممن قال فيهم القرآن الكريم “أخذتهم العزة بالإثم ويعتقدون أنهم المصلحون وهم فى الحقيقة مفسدون.”
فعلياً، إن التطبيع في المنطقة العربية يعتمد طابعه ومبرراته على موقف الحاكم، لكن الثابت أن الدين لا يفصَّل على حسب المواقف والوقائع الواضحة والثابتة وما تجاهر بها إسرائيل حيث سيعد الإعتراف مكافأة للغاصب القاتل فهو جرم سياسي وخطيئة دينية في آن.
يضاف إلى ذلك ان الإعتراف باللص غبن للضحية وتواطؤ على الأقصى، والمسلم ملتزم بالدفاع عنه وإنقاذه من يد الصهاينة. فأي سلام يرجي للضحية بعد اعانة الغاصب على طردهم من ديارهم الا أن يكون “سلام المقابر”؟ ثم إنه بدلاً من اعانة الضحية على استنقاذ حقوقها يكون الإعتراف بصحة كل جرائم الغاصب وحق لا يملكه المعترف للضحية؟
*سفير سابق ومساعد وزير الخارجية المصري الأسبق.
مصدر الصورة: مونتي كارلو.
موضوع ذا صلة: بين حيفا والخليج… التطبيع على السكة الخاطئة