اعداد: يارا انبيعة
ان تراجع الدور الذي يلعبه الاتحاد الأوروبي على كثير من الملفات الإقليمية والدولية، وخاصة الملفات المتشابكة، حفز رغبة البعض من دوله في استغلال هذا الوضع للعب دور فاعل بهدف استعادة أمجاد امبراطوريات سابقة.
هذا هو حال فرنسا التي عادت إلى الساحة الدولية للعب هذا الدور مستغلة الاشتباك الحاصل بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، اضافة الى ضعف الأداء السياسي الذي يؤديه الاتحاد الأوروبي.
يسعى الرئيس الفرنسي، ايمانويل ماكرون، الى نسج صيغة جديدة لعلاقاته الخارجية على اساس الوسطية، سواء مع القوى الكبرى، مثل روسيا أو الولايات المتحدة الأميركية، او الاقليمية، مثل إيران في ملفها النووي والجزائر من خلال اتفاقيات اقتصادية مهمة، هو يستعد للدخول مجدداً إلى الساحة الأفريقية من بابها العريض عبر إستعادة علاقات بلاده مع الدول التي كانت، في يوم من الايام، مستعمرات اساسية لفرنسا، واحدى اهم اسباب قوتها الإمبراطورية.
اهم المحطات
القى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماركون محاضرة في واجادوغو امام حوالي 800 طالب، ركز فيه على الامور الاساسية التي تهم فرنسا، من موضوع الارهاب وصولاً الى قضايا المجاهرين.
كما لم يغب عن بال ماكرون الموضوع العسكري – الامني حيث تطرق إلى موضوع تشكيل القوة المشتركة لخمس دول في المنطقة، هي “بوركينا فاسو، وتشاد، ومالي، وموريتانيا، والنيجر” لمواجهة التحديات الأمنية، اذ من المقرر أن تضم القوة ما يصل إلى 5 آلاف عسكري لمواجهة المسلحين الناشطين في مالي والنيجر وتشاد.
في غانا، تعد زيارة إيمانويل ماكرون الأولى من نوعها لرئيس فرنسي لهذا البلد. وتأتي في وقت حصلت فيه العاصمة أكرا على الضوء الأخضر لبناء أولى محطاتها النووية.
الى ذلك، يرى الكثير من المحللين بأن زيارة أكرا تعكس اهتمام باريس بمصالحها الاقتصادية، خصوصاً وأن غانا تشهد نمواً اقتصادياً ملحوظاً هو الأعلى في المنطقة. فقد سجلت البلاد نمواً بنسبة 7.9% لعام 2017، ومن المتوقع أن يستقر معدل النمو عند نسبة 6.8% في العام 2018.
فمساعي ماكرون أيضاً، تهدف إلى ضمان مصالح فرنسا فيما يتعلق بقطاع البترول، حيث أن غانا دولة صاعدة في إنتاج النفط الخام وتطمح إلى الحصول على موطئ قدم لها في نادي كبار مصدري النفط في أفريقيا، برغم المنافسة الصينية والهندية الصلبة في هذا الشأن.
وفي ابيدجان، افتتح مع رئيس كوت ديفوار، الحسن واتارا، مشروع مترو أبيدجان الضخم الممول بقرض فرنسي قيمته 1.4 مليار يورو.
مواقف ايجابية تجاه القارة
“أنا لست من الجيل الذي يأتي ليقول للأفارقة ما يفعلونه. أنا من الجيل الذي يعتبر فوز نيلسون مانديلا بالنسبة إليه من أفضل الذكريات السياسية”. بهذه العبارة، صرح بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في كلمته التي ألقاها أمام 800 طالب من جامعة واجادوغو، في محاولة منه لسد شرخ الاستعمار القديم الفرنسي في أذهان الشعب الفرنسي.
كما تعهد الرئيس الفرنسي إنهاء الإملاءات الفرنسية على إفريقيا، مؤكداً أنه سيركز جهوده على تعزيز العلاقات بين أوروبا والقارة السمراء، وأضاف “أنا لن أقف إلى جانب هؤلاء الذين يقولون إن القارة الإفريقية مصدر الأزمات والمعاناة، بل سأكون مع هؤلاء الذين يؤمنون بأن إفريقيا ليست قارة مفقودة أو قارة يجب إنقاذها”.
وقال ماكرون “كانت هناك أخطاء وجرائم وأشياء كبيرة، كما كانت هناك تواريخ سعيدة”، لكن جرائم الاستعمار الأوروبي “لا جدال فيها”، مشيراً إلى أن ذلك يشكل “ماضياً يجب أن يمضي”.
ابرز النتائج
عن الازمة الليبية، أكد الرئيس الفرنسي أنه لم يكن ليؤيد التدخل العسكري الفرنسي في ليبيا العام 2011، مؤكداً على سعي حثيث منه من اجل ايجاد حل للأزمة السياسية والإنسانية التي تعصف بليبيا منذ نحو سبع سنوات، اذ استطاع ماكرون ان يحقق نجاحاً دبلوماسياً هاماً بجمعه الغريمين الأساسيين الليبيين رئيس حكومة الوفاق الوطني، فايز السراج، وقائد الجيش الليبي الوطني، خليفة حفتر، سوياً في 28 من يوليو/تموز 2017 بباريس للاتفاق على تنظيم انتخابات تشريعية في غضون عام من تاريخه.
ودعا الرئيس ماكرون الى ارسال قوات شرطية أفريقية الى ليبيا لمكافحة شبكات تهريب المهاجرين. وأضاف أن التعاون بين الدول الأفريقية في هذا الملف “غير كافي”، وأن الاتحاد الأفريقي اقترح بناء على ذلك إجراء المزيد التنسيق بين الدول، لافتاً الى إمكانية مساهمة عملية “برخان” الفرنسية عند الضرورة على الأرض في تشاد والنيجر ومالي وفي بعض العمليات، نظراً لأن مكافحة الإتجار في البشر مرتبطة بشكل وثيق بمكافحة المخدرات والإرهاب.
وعلى هامش القمة الافريقية – الاوروبية، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن الاتحاد الأوروبي قد يدعم “عمليات أمنية وعسكرية” من أجل “ضرب المنظمات الإجرامية وشبكات التهريب” التي تستغل المهاجرين و”تستعبدهم” والتي تعد جرائم ضد الانسانية، اضافة الى فرض عقوبات شخصية من أجل مكافحة تجارة البشر في ليبيا، واضاف “نبحث مبادرة متعلقة بإجراء عمليات محددة للشرطة والجيش على الأرض من أجل تدمير شبكات تجار البشر”.
من هنا، أعلن ماكرون عن توصل لاتفاق بين زعماء دول أوروبية وأفريقية بينها ليبيا، بالإضافة إلى الأمم المتحدة والاتحادين الأوروبي والأفريقي، لإجراء “عمليات إجلاء طارئة في الأيام أو الأسابيع المقبلة” للمهاجرين الذين يشكلون ضحايا لعمليات الاتجار بالبشر في ليبيا، حيث اشار الى ان هذا القرار اتخذ خلال “اجتماع عاجل بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وتشاد والنيجر وليبيا والمغرب والكونغو” بناء على طلب فرنسي.
وفي خطوة لافتة، اعلن الرئيس ماكرون عن نية بلاده فتح مدرسة عسكرية في دولة كوت ديفوار، في إطار مكافحة الإرهاب، اذ أوضح أن “المدرسة العسكرية المقررة إنشاؤها ستمكن القوات الخاصة في تلك البلاد من الاستفادة منها”. وتوقّع ماكرون افتتاح المدرسة في يوليو/تموز 2018، معتبراً أن القوات الإيفوارية الخاصة التي ستتلقى تعليمها في المدرسة، سيمكنها المشاركة في مكافحة الإرهاب بالبلاد والمنطقة.
عدم ترحيب شعبي
لم يكن الشعب الافريقي مرحباً بهذه الزيارة، حيث القى شابين ملثمين قنبلة يدوية على آلية للجيش الفرنسي في أحد الأحياء الشمالية لواغادوغو عاصمة بوركينا فاسو قبل وصول ماكرون بساعتين، وأفاد مصدر أن آلية الجيش الفرنسي لم تصب بأضرار، بينما أحدث حفرة في الأرض مع تعرض بعض السيارات المجاورة لبعض الأضرار.
وكانت حافلة ضمن موكب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تعرضت للرشق بالحجارة في العاصمة البوركينابية ما أسفر عن كسر إحدى النوافذ دون وقوع اصابات.
كما أقام عشرات المتظاهرين حواجز على الطريق المؤدية لجامعة واغادوغو للتعبير عن احتجاجهم على زيارة ماكرون، رافعين شعارات مناهضة للسياسة الفرنسية في إفريقيا منها “يسقط استغلال الغرب لإفريقيا”.
الى ذلك، دعت أكثر من منظمة إلى التظاهر على طول مسار الرئيس الفرنسي احتجاجا على “نهب” الشركات الفرنسية الكبرى للموارد الطبيعية وعلى الوجود العسكري الفرنسي والاحتفاظ بالفرنك الغرب أفريقي الذي اعتبرته “عملة الاستعمار”.
مصدر الصور: الجزيرة – سكاي نيوز