إعداد: مركز سيتا
أقرت اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، لعام 1982، حق البلدان في إنشاء مناطق اقتصادية خالصة على مسافة 200 ميل بحري قبالة سواحلها إنطلاقاً من نقط الأساس. كما وينص نظام معاهدة القارة القطبية الجنوبية على أن هذه القارة محمية طبيعية، مكرسة للسلم والعلم.
غير أن بعض الدول وجدت الإتفاقية عدداً من الثغرات فإستخدمتها للإلتفاف على بنودها، مستمرين في الصيد الجائر لأنواع عديدة من الثروة السمكية، أبرزها صيد الحيتان.
أزمة دولية
قضت محكمة العدل الدولية بمنع اليابان من صيد الحيتان لأسباب علمية في محيط القطب الجنوبي، مما سيتعين على طوكيو وقف برنامجها للبحث العلمي المثير للجدل في المنطقة، حيث كانت أستراليا قد قدمت دعوى أمام محكمة العدل الدولية، العام 2010، بسبب إستمرار اليابان بصيد الحيتان الكبيرة لأغراض تجارية رغم الحظر الدولي.
يقول متحدث بإسم رعاة البحر لحماية البيئة “لا أعلم إذا كان اليابانيين سيستمرون في صيد الحيتان، ربما لديهم برنامجاً جديداً للبحوث العلمية سيعملون عليه في المستقبل، ولكنني متأكد بأن ذلك لن يحدث الآن”. وكانت اليابان تستند إلى قاعدة إستثنائية تسمح بصيد الحيتان لأغراض علمية، إلا أن عدد الحيتان التي تصطادها يعد بالمئات في محيط القطب الجنوبي، تحديداً.
من جهة أخرى، قال وزير الزراعة والثروة السمكية الياباني، هاياشي يوشيماسا، إن بلاده لا تنوي وقف صيد الحيتان، لأنه نشاط يعد جزءاً من ثقافة البلاد، ومهم بالنسبة للأمن الغذائي. يأتي ذلك في وقت حدث فيه صدامات عديدة بين صيادين يابانيين والمدافعين عن صيد الحيتان في أستراليا. في هذا الصدد، قال رئيس جمعية رعاة البحر، بوب براون، إن طوكيو تتجاهل قرار المحكمة الإتحادية الأسترالية التي تحظر صيد الحيتان، وتتجاهل إنذارات قضائية، الأمر الذي يعد غير قانوني.
أغراض تجارية ؟!
إلى ذلك، أعلنت اليابان في العام 2018، إنسحابها من اللجنة الدولية لشؤون صيد الحيتان بهدف إستئناف الصيد التجاري، في تموز/يوليو 2019، متحدية المدافعين عن هذه الحيوانات بعد 30 عاماً على توقفها عن صيدها، إلا أن المعلومات تشير بأن اليابان لم تتوقف يوماً عن الصيد. فهي تستغل ثغرة في قرار تجميد الصيد المعتمد، في العام 1986، تسمح بصيد الحيتان لأغراض البحث العلمي. لكن لحوم الحيتان تنتهي دوماً في محلات بيع الأسماك، لكنها هذه المرة تستأنف الصيد علناً لأغراض تجارية، لتنضم ذلك إلى آيسلندا والنرويج اللتين تمارسان علناً الصيد لأغراض تجارية.
بناء على قرارها، بدأت الإنتقادات توجه لليابان، حيث أعربت الحكومة الأسترالية “عن خيبة أمل قصوى”، داعية طوكيو إلى إعادة النظر بموقفها، كما وجه وزير الخارجية النيوزيلندي، وينستون بيترز، الرسالة نفسها مندداً بـ “ممارسات بالية وغير مفيدة”، في وقت رفضت فيه “اللجنة الدولية لشؤون صيد الحيتان” وثيقة أساسية دعمتها اليابان بقوة بعنوان “الطريق الواجب اتباعه” لتشكيل هيئة أخرى داخل اللجنة الدولية التي تضم 89 بلداً من أجل الجمع بين حماية الحيتان والصيد التجاري لها، على أن تدير هذه الهيئة الجديدة “لجنة صيد الحيتان المستدام”. فلو تم تبني هذا الاقتراح، لإنتهى قرار تعليق الصيد، الذي اعتمد في 1986 ووقعته اليابان.
في سياقٍ متصل، قوضت الدول المدافعة عن الحيتان، بقيادة أستراليا والإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، النص الياباني الذي رفض بـ 41 صوتاً في مقابل 27 صوت، إذ عبر نائب وزير الصيد البحري، ماساكي تيناي، عن أسفه الشديد لنتيجة التصويت وتحدث عن إمكانية انسحاب طوكيو من اللجنة. بهذا القرار، تفتح الحكومة اليابانية جبهة جديدة بين مؤيدي صيد الحيتان ومعارضيه، بينما يعتبر اليابانيون، وخصوصاً القوميون منهم، هذا النشاط تقليداً من تقاليد البلاد المهمة.
تجاوزات خطيرة
تضمّ اللجنة الدولية لصيد الحيتان حالياً 88 دولة عضو من بينها دول أوروبية، مثل إسبانيا وفرنسا والمملكة المتحدة، ويتركز عملها على حفظ الحيتان وحمايتها من عمليات الصيد التي لا زالت متواصلة في العديد من دول العالم، حيث توقفت أيسلندا في العام 1991 عن العمل بالإتفاقية الدولية الخاصة بصيد الحيتان والتي تم الإتفاق عليها في العام 1986، كما أن النرويج لم تعد تحترم الإتفاقية منذ العام 1993.
في هذا الصدد يقول الباحث المتخصص في برامج حماية الأنواع في إسبانيا، لويس سواريز، إن “تجاوز الإتفاق الدولي أمر بالغ الخطورة بما يتعلق بالحفاظ على الحيتان وبقائها”، إذ يتواصل الصيد في العديد من مناطق العالم، كما هو الحال في جزر فارو حيث يموت نحو 100 حوت كل عام كجزء من التقاليد الشعبية، فيما تسمح ألاسكا بصيد الحيتان لأنها وسيلة “للبقاء” بالنسبة للسكان الأصليين.
تحدي القرارات الدولية
إلى ذلك، نفذت آيسلندا خططها لإستئناف صيد الحيتان رغم احتجاج البيئيين. ونظراً لأن سبع سلالات من 13 سلالة من الحيتان الضخمة معرضة للإنقراض، فرضت اللجنة الدولية للحيتان حظراً على صيد أضخم حيوان ثديّ، في العام 1986، لتتوقف آيسلندا عن صيد الحيتان، في العام 1989، ولكنها قاطعت اللجنة إلى أن عادت اليها مرة أخرى، في العام 2003. تحدت النرويج الحظر واستأنفت صيد الحيتان لأغراض تجارية، منذ العام 1993.
في نفس السياق، تستغل اليابان ثغرة السماح بصيدها لأغراض علمية، وهي نفس الحجة التي ستستخدمها آيسلندا لصيد 250 حوتاً من سلالتين تواجهان خطر الإنقراض، وتشير استطلاعات للرأي أن 75% من الأيسلنديين يؤيدون صيد الحيتان رغم تنديد البيئيين.
في هذا الوقت، إحتجت المنظمة العالمية لحماية الحيتان على قتل الصيادين اليابانيين لعدد كبير من الحيتان بينهم حوامل، ومن أنواع نادرة هي حيتان “المنك”، إضافة إلى عشرات الحيوانات النادرة الأخرى، وذلك في آخر حملة صيد لهم، حيث تمكنت المنظمة من رصدها. ووصفت المنظمة الأرقام المكتشفة بأنها “أرقامٌ مروعة، وإحصائيات حزينة وقاسية. والصيادون اليابانيون هم المتهمون بالدرجة الأولى في هذا الصدد”. وأكدت إلكسيا ويلبيلوف، رئيسة المنظمة، لموقع “شبيغل أون لاين” الألماني بأن التقنيات الحديثة، وجدت طرقاً غير مميتة بحيث يتمكن العلماء من إجراء الأبحاث ذات الأغراض العلمية على هذه الحيتان، مع بقائها على قيد الحياة؛ وبالتالي، لا يوجد أي مبرر لصيدها واستمرار قتلها، إلا إذا كانت لأغراض تجارية.
أخيراً، وفي كل عام، تزداد أعداد السكان في العالم بنسبة 1.5%، ومن ثم يتزايد الطلب دوماً على الغذاء، هذه الحقيقة ربما هددت حياة الحيتان بشكل أو بآخر. أيضاً، إذا استمر معدل الزيادة السكانية بهذه الطريقة، فإن الإنسان سينافس الحوت في غذائه البحري. وقد بدأت بعض الشعوب فعلاً بعض العمليات التجريبية لصيد الكريل، وهو غذاء الحيتان الرئيسي في المياه القطبية الجنوبية.
لذلك، بات من الضروري توفير الحماية الكاملة لأنواع الحيتان المهددة بالإنقراض حتى يمكنها أن تتكاثر وتعوض سنوات الإستنزاف، إذ قد لا تستطيع بعض الأنواع استعادة وضعها السابق رغم توفير الحماية الكاملة لها. فعلى سبيل المثال، وضعت الحيتان الصحيحة تحت الحماية الكاملة، منذ العام 1935م، ومع ذلك لم تتمكن بعد من استرداد أعدادها الأصلية بسبب الصيد الجائر للأغراض التجارية لا للأبحاث العلمية.
مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.
مصدر الصور: The Daily Beast – واشنطن بوست.