إيمان الشعراوي**
تطور خطير عكسه إعلان رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، إنتشار الجيش في إقليم تيغراي وإعطائه أمرا لقوات الدفاع الوطني ببدء هجوم عسكري ضد “جبهة تحرير تيغراي”، بعد إتهام حكومة الإقليم بمهاجمة القوات الإتحادية وقاعدة عسكرية فيدرالية، في خطوة إعتبرت تعميق لتدهور العلاقة بين حكومة إقليم تيغراي والحكومة الفيدرالية في أديس أبابا، وإنذار بموقف يهدد الإستقرار السياسي في إثيوبيا وقد يصل بها إلى سيناريو الحرب الأهلية.
ويعُد الإعلان عن رد عسكري من السلطة الفيدرالية تجاه إقليم تيغراي خاصة بعد فرض الطوارىء وقطع الإتصالات والاإنترنت بداية نزاع في إثيوبيا التي تضم العديد من القوميات الإثنية المختلفة وشهدت سلسلة من النزاعات الداخلية المتزايدة، وهو ما يثير القلق من زيادة تدهور الأوضاع في إثيوبيا ومنطقة القرن الإفريقي بشكل عام أحد أكثر مناطق العالم إضطراباً.
جذور الخلاف بين عرقية التيغراي وآبي أحمد
على الرغم من إرجاع البعض تصاعد الخلاف بين الحكومة الإثيوبية وإقليم تيغراي لإجراء الإقليم الإنتخابات بشكل منفرد والإعتراض على تأجيلها بعد أن كانت مقررة في أغسطس/آب 2020 وتمديد فترة آبي أحمد في منصبه وما تبعه من قرار وقف التمويل كقرار عقابي تصعيدي من النظام الفيدرالي ضد الإقليم، إلا أن هذه الخلافات لم تكن هي السبب الرئيسي في الأزمة التي تعاني منها إثيوبيا في الفترة الحالية والتي بدأت جذورها منذ مجيء آبى أحمد رئيساً للحكومة في العام 2018، حيث رأت “جبهة تحرير تيغراي” الحاكمة في الإقليم، والتي قادت المشهد السياسى في البلاد خلال الفترة (1991- 2018)، أن خطط آبي أحمد الإصلاحية تستهدف قياداتها ورموزها فأصبحت جبهة تيغراي من أشد وأبرز المعارضين له.
كما تعمقت خلافات الجانبين بعد المصالحة مع إريتريا، حيث تعتبر الجبهة الرئيس الإريتري، أسياس أفورقي، عدواً لها وهو ما زاد من حالة الخلاف بين الجبهة وآبي أحمد، بالإضافة إلى رفض تيغراي الإندماج ضمن حزب الإزدهار الذي أعلن آبي أحمد تدشينه والذي يتكون من 3 أحزاب رئيسية من الإئتلاف الحاكم، وهم حزب “الأورومو الديمقراطي” و”الأمهرة الديمقراطي” و”الحركة الديمقراطية لشعوب جنوب إثيوبيا”، إلى جانب الأحزاب الموالية للائتلاف وهى “عفار” و”الصومال الإثيوبي” و”جامبيلا” و”بني شنقول” و”جومزوهرر”. وعلى الرغم من أن عرقية تيغراي تشكل نحو 5% من الشعب الإثيوبي الذي يصل تعداده إلى 109 مليون شخص، إلا أن الإقليم غني بتاريخه السياسي ونفوذه مقارنة بالمناطق الأخرى التى تفوقه حجماً.
تزايد النزعة الإنفصالية
وفي ظل هذه الأزمة هناك تخوفات من أن يؤدي الصراع بين الحكومة الفيدرالية وإقليم تيغراي إلى تفاقم التوترات العرقية وإذكاء المزيد من المشاعر الإنفصالية في أجزاء أخرى من البلاد، الأمر الذي يسهم في إشتعال الوضع الداخلي في إثيوبيا وتشجيع عرقيات أخرى على العصيان وطلب الإنفصال بحكم شبه ذاتي خاصة أن الدستور الإثيوبي يقر هذا الحق للجميع، فهناك حوالى 8 جماعات عرقية تستهدف الحصول على الإستقلال الذاتي على غرار قومية سيداما؛ ففي يوليو/تموز 2019، قامت بعض مناطق قومية “الولايتا” برفع العلم الخاص بها إلى جوار العلم الإثيوبي الفيدرالي.
وفي تقرير صادر عن معهد الولايات المتحدة للسلام الأمريكي أن تقسيم وتفكك الدولة الإثيوبية سيكون أكبر إنهيار للدولة في التاريخ الحديث، ومن المرجح أن يترتب عنه صراع بين الأعراق والأديان المختلفة داخل إثيوبيا، فضلًا عن تسببه في أزمة إنسانية وأمنية تؤثر على أفريقيا بشكل عام وعلى منطقة القرن الإفريقي بشكل خاص وتُلقي بظلالها على الصراعات القائمة في دول الجوار مثل جنوب السودان والسودان والصومال واليمن.
وعلقت الولايات المتحدة الأمريكية على الحرب بين إثيوبيا وتيغراي، فأصدر وزير الخارجية، مايك بومبيو بياناً دعا فيه إلى إنهاء أي قتال، فيما قالت السفارة الأمريكية في إثيوبيا إنها تتابع تطورات الأوضاع في إقليم تيغراي الإثيوبي، كما حثت على ضرورة عدم التصعيد في الإقليم، مطالبة بأن يكون الرد محسوباً من الطرفين، وتشجيع جميع الأطراف على إعطاء الأولوية لسلامة المدنيين وأمنهم.
الإبادة بحق المدنيين
خسائر كبيرة في الأرواح شهدها إقليم تيغراي. وبالرغم الإعلان بشكل رسمي من قبل الحكومة الإثيوبية أن قواتها قتلت نحو 500 من مقاتلي “جبهة تحرير شعب تيغراي”، إلا أنه بحسب المنظمات الدولية الحقوقية فأن عدد القتلى تخطى الـ 600 قتيل، فضلًا عن الآلاف من المصابين ووجود كارثة نزوح جماعي وتشريد لعشرات الآلاف، بل تفيد التقارير الرسمية الواردة من ولاية كسلا عن إستقبال نحو 11 ألف نازح إثيوبي، والعدد مرشح للزيادة وكلهم فروا من القتال الدائر بين الجيش الإثيوبي بين الحكومة المحلية في إقليم تيغراي، فضلًا عن أن منظمة العفو الدولية أكدت أن ثمة مذبحة وقعت في الإقليم بحق المدنيين، كما أن هناك 9 ملايين شخص معرضون للنزوح بسبب الصراع المحتدم في الإقليم بحسب الأمم المتحدة، وصدرت إدانة واسعة من الأمم المتحدة لمحاولات القتل الجماعي للإثيوبيين في تيغراي، خاصة أن من ضمن القتلى أطفال وشيوخ ونساء.
ويشير قرار آبي أحمد بسحب قواته العاملة في الصومال وإعادة نشر حوالي 3000 جندي للمساعدة في هجوم تيغراي، والمعروف أن هذه القوات التي يتم سحبها هي من جنود الجيش الإثيوبي ولا تخضع لقيادة قوة حفظ السلام التابعة للإتحاد الأفريقي البالغ قوامها 5000 فرد في الصومال، إلى تعقد الأمور وسقوط مزيد من الضحايا في إقليم تيغراي وزيادة آلاف النازحين والمشردين بسبب الحرب داخل إثيوبيا وأعمال القتل بسبب الهوية.
إقالات مفاجئة
وفي إطار التصعيد العسكري في إقليم تيغراي، قام آبي أحمد بحملة إقالات حيث أعلن أن حكومته قامت بتعيين رئيس جديد للإقليم شمال البلاد، وهو مولو نيجا في منصب الرئيس التنفيذي والمعروف بولائه لآبي أحمد، وتأتي هذه الخطوة بعد قيام الحكومة الإتحادية برفع الحصانة البرلمانية عن نحو 39 مسؤولاً من الإقليم، كما قام آبي أحمد بتعيين مقربين منه على رأس المناصب الأمنية، حيث تم إقالة قائد الجيش الجنرال آدم محمد ليعين مكانه نائبه الجنرال برهانو غولا، وحل في منصب رئيس جهاز الإستخبارات الوزراء تيميسغين تيرونه، الذي كان رئيس إقليم أمهرا، مكان دميلاش جبريمايكل الذي أصبح مفوضاً للشرطة، وتولى نائب رئيس الوزراء جاماك ماكونن منصب وزير الخارجية بعد إقالة جيدو أندارغاشو، ومن المعروف أن المعينين الجدد معرفون بقربهم وتحالفهم مع رئيس الوزراء وأن هذه التغييرات تأتي في ظل مخاوف من تصعيد المواجهة العسكرية مع “جبهة تحرير شعب تغراي”.
هل تنزلق إثيوبيا في حرب أهلية؟
بعد مرور عام على جائزة نوبل للسلام التي تم منحها لآبي أحمد، تضاعفت أزمات إثيوبيا الداخلية، إلا أن أشدها التي تهدد مصير الدولة الإثيوبية هو الحرب على إقليم تيغراي، وذلك نظراً لقوة الطرفين ووجود داعمين لهما من الداخل والخارج. فالحكومة الفيدرالية الاثيوبية تحصل على دعم وقد يكون هناك مشاركة في الهجوم على إقليم تيغراي من جانب إريتريا، وذلك نظراً للخلاف الكبير بين تيغراي وإريتريا برئاسة أسياس أفورقي، وإعتراض تيغراي على إتفاقية السلام بين إثيوبيا وإريتريا وعرقلة وضع حل لمدينة بادمي التي ترغب إريتريا أن تستردها من إثيوبيا وفق قرار لجنة الحدود المدعومة من الأمم المتحدة بتسليم المدينة، وهو الأمر الذي لن يتم بدون تعاون الحكومة الإثيوبية مع إقليم تيغراي لإنها هي التي تدير المنطقة وهو ما يرفضه زعماء الإقليم الذين يعتبرون أن آبي أحمد يريد التضحية بأراضيهم من أجل مصالحه الخاصة، بالإضافة إلى أن التيغراي لهم أطماع تاريخية في إريتريا وجنود تيغراي كانوا عماد الجيش الإثيوبي في الحرب مع إريتريا.
بالإضافة إلى دعم قوات إقليم الأمهرا لآبي أحمد والتي تحملت عبء الحرب ضد تيغراي، حيث قال رئيس إقليم أمهرا، تيميسغين تيرانه، أن أفراد قوات الأمن التابعة لتيغراي مرحب بهم للإنشقاق إلى منطقته، وكتب “نعلم أنكم تقاتلون لأنه ليس لديكم خيار آخر”، في الوقت التي فرضت السودان فيه رقابة صارمة على الحدود مع إثيوبيا منعاً لتسلل موالين للمقاتلين تيغراي، بالإضافة إلى الصومال التي تتخذ موقفاً بجانب الحكومة الفيدرالية ضد “جبهة تحرير شعب تيغراي” والجماعات المدعومة من قبلها، فضلاً عن إسرائيل التي وقعت إتفاقاً مع إثيوبيا بعد إعلان آبي أحمد الحرب على الإقليم بهدف التعاون في مجال المخابرات والأمن بما في ذلك مكافحة الإرهاب، وهو ما قد يشير إلى وجود دعم إسرائيلي لآبي أحمد في حربه ضد تيغراي وإعتبار موقف الأخير من الحكومة الفيدرالية الإثيوبية إرهاباً.
وعلى الجانب الآخر، فإن “جبهة تحرير تيغراي” بالرغم من أنها ليست الطرف الأقوى إلا أنه لا يستهان بها، حيث أن معظم المعدات العسكرية الإثيوبية موجودة في تيغراي بسبب الحرب طويلة الأمد ضد إريتريا والتي إنتهت في العام 2018 عندما وقعت البلدان إتفاق سلام. وعلى الرغم من محاولة آبي أحمد طرد عناصر الحرس القديم المرتبطين بتيغراي من الجيش، إلا أنه ما زال هناك عدد كبير منهم يحتفظ بمكانته، كما أن منطقة تيغراي هي موطن لجزء كبير من الأفراد العسكريين الفيدراليين؛ لذلك، فإن إقليم تيغراي يمكن أن يحشد أكثر من نصف من إجمالي أفراد القوات المسلحة، فضلاً عن أنه في المقابل قد يتسع النطاق بدخول العفر والأورومو والإقليم الصومالي إلى جانب جماعة تيغراي ضد آبي أحمد.
في ضوء هذه المعطيات، فإنه قد تنزلق إثيوبيا في سيناريو الحرب الأهلية والنزاعات بين الجماعات المختلفة في حالة الفشل في الوصول لحل سياسي وحوار وطني بين جميع الأطراف المتنازعة مدعوم بوساطة إقليمية من قبل الإتحاد الافريقي، بحيث تعمل هذه الأطراف على تدعيم فكرة الحوار الوطني في إثيوبيا، ومنعها من الإنخراط في حرب أهلية تهدد السلم والأمن في إثيوبيا ومنطقة القرن الأفريقس المأهولة بالصراعات.
العنوان الأساسي “شبح الحرب الأهلية يهدد إثيوبيا الفيدرالية… أبي أحمد يقع في مأزق التيجراي”
**باحثة متخصصة في الشؤون الأفريقية
المصدر: المركز الديمقراطي العربي.
مصدر الصور: الخليج 365 – العربي الجديد.
موضوع ذا صلة: تيغراي.. إرتيريا جديدة؟!