منذ وصولهم إلى مدينة ووهان الصينية حيث يخضعون لأسبوعين من الحجر الصحي الصارم في أحد الفنادق الفخمة، يعقد خبراء بعثة منظمة الصحة العالمية المكلفة بالتحري عن منشأ فيروس “كورونا” المسبب لمرض “كوفيد – 19″، إجتماعات إفتراضية كل يوم بعضهم مع بعض، ومع عشرة من زملائهم الصينيين، لتحضير الأنشطة التي من المقرر أن يقوموا بها قبل بداية عطلة رأس السنة القمرية.
مقابلات مع عشرات الأطباء والمرضى المعافين والتجار، ومقارنة مئات التحاليل والبيانات، والبحث عن أجوبة لما يحملون وينشأ لديهم من استفسارات. كل ذلك عليهم إنجازه في أقل من أسبوعين عندما يخرجون من الحجر، في 28 يناير/كانون الثاني الحالي (2021).
الهدف من هذه البعثة التي ولِدت بعد مفاوضات قيصرية وطال انتظار وصولها إلى الصين، هو محاولة تحديد منشأ الفيروس الذي منذ أكثر من عام يقض مضاجع حكومات العالم والأوساط العلمية، علماً بأن خبراء البعثة أنفسهم قد نبهوا مراراً أن التوصل إلى إستنتاج نهائي قد يستغرق سنوات، هذا إذا تمكنوا من ذلك.
وفيما صرحت رئيسة قسم الطوارئ الناشئة في منظمة الصحة، ماريا فإن كيركوفي، بأنه “من المحتمل ألا نتوصل أبداً إلى تحديد المريض صفر، أي الذي تعرض للإصابة الأولى بالفيروس”، قالت عالمة الفيروسات الشهيرة أنجيلا راسموسين “مثل هذه البحوث التي ستقوم بها بعثة منظمة الصحة هي مشاريع طويلة الأمد. والبحث عن المصدر الحيواني لفيروس قد يحتاج لعقود، وربما لا نتمكن أبداً من تحديد موقع الخفاش أو الجنس الحيواني الوسيط الذي انتقل هذا الفيروس عبره إلى البشر.”
لكن رغم ذلك، فإن البعثة حيوية في رأي رئيسها بيتر بن امباريك، الأخصائي في سلامة الأغذية وأحد كبار العلماء في الصحة الحيوانية، يقول “إذا تمكننا من تحديد المصدر، نستطيع عندئذ منع عودة الفيروس إلى الإنتشار بين البشر.. وإذا تبيننا كيف انتقل إلى الإنسان بوسعنا منع تكرار مثل هذه الجائحات في المستقبل.. وإذا عثرنا عليه وعرفنا كيف كان قبل أن ينتشر بين البشر، سنكون في وضع أفضل لتطوير علاجات ولقاحات ضد الوباء.”
ويشير التوافق الراهن في الآراء بين خبراء البعثة إلى أن الفيروس نشأ في خفاش، ومنه انتقل إلى الإنسان عبر حيوان وسيط لم تتوصل البحوث حتى الآن إلى تحديده، وترجح منظمة الصحة أن يكون هذا الوسيط من فصيلة الثدييات، لكن عدد المشتبه بها يزيد عن الـ 500.
وإلى جانب أهميتها العلمية تحمل البعثة وزراً سياسياً ثقيلاً، خاصة أن الصين تحاول بشتى الطرق رفض أن يشار إليها بالبنان على أنها مصدر الجائحة التي أصابت أكثر من 90 مليون نسمة وقضت على ما يزيد عن مليوني شخص في العالم حتى الآن. ولا توفر السلطات الصينية مناسبة إلا وتشدد فيها على أن الوباء يمكن أن يكون قد ظهر في مكان آخر ثم انتقل إلى الصين التي كانت أول من اكتشفه. وتسعى بكين منذ أشهر إلى تسليط الأضواء الإعلامية على الأنباء التي تشير إلى العثور على بقايا فيروسية في أغلفة أسماك مجلدة مستوردة من الخارج إلى الصين، أو إلى الدراسات التي رصدت آثار الوباء في أوروبا قبل أشهر من ظهوره في ووهان.
وتوجه بلدان عدة، في طليعتها الولايات المتحدة، انتقادات للصين بسبب من تعتيمها على كل ما يحيط بالفترة التي ظهر فيها الوباء، ولمماطلتها في السماح للبعثة بالسفر إلى ووهان، مما أدى مؤخراً إلى احتجاج شديد اللهجة من المدير العام لمنظمة الصحة، تادروس أدحانوم غيبريسوس، علماً بأن اثنين من الخبراء، أحدهما بريطاني والآخر سوداني، منعا من مواصلة الرحلة واضطرا للبقاء في سنغافورة بحجة عدم استيفائهما الشروط الصحية المفروضة على المسافرين إلى الصين.
يضاف إلى ذلك أن الإدارة الأميركية ما زالت تصر على ترجيحها نظرية تسرب الفيروس من معهد العلوم الفيروسية في مدينة ووهان. وكان وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، قد طلب أن تشمل البعثة في برنامجها معاينة لهذا المعهد الذي أكد أن واشنطن تملك معلومات تفيد أنه قبل أشهر من الأزمة الصحية ظهرت على عدد من عمال المعهد عوارض شبيهة بتلك التي تظهر على المصابين بـ “كوفيد – 19”.
الصين من جهتها تصر على أن تحديد منشأ الفيروس مهمة علمية، وأن خبراء البعثة يجب أن يواصلوا تحرياتهم في بلدان أخرى. وكان مدير المركز الصيني لمكافحة الأمراض السارية، فينغ زيجان، قد صرح بالقوله “منذ اليوم الأول، طالبت الصين بتحقيق جماعي تشارك فيه الأسرة الدولية لتحديد منشأ الفيروس، والخبراء الصينيون على استعداد للتعاون مع خبراء البعثة عندما يصلون إلى ووهان لإنجاز مهمتهم.”
ومن ناحيته، صرح مدير برنامج الطوارئ في منظمة الصحة، مايك رايان، قائلاً “البعثة ليست في وارد إلقاء اللوم على أحد. نبحث عن أجوبة يمكن أن تنقذنا من جائحات أخرى في المستقبل”.
ومن المقرر أن يعقد خبراء البعثة أربعة اجتماعات مع نظرائهم الصينيين قبل الاطلاع على الملفات الطبية للمرضى المعافين والضحايا ودراسة البيانات والعينات البيئية التي لم تكشف عنها بعد السلطات الصحية الصينية، وذلك في محاولة لمعرفة ما الذي حصل بالضبط، وما كان يمكن أن يحصل أو ما لم يخضع لتحليل الكافي، وما يمكن ولا يمكن القيام به الآن لانقضاء فترة طويلة عليه.
وسيقوم خبراء البعثة بزيارة سوق المحار في هوانان الذي يعتبر نقطة بداية الأزمة، ومعاينة الوضع الميداني لمعرفة طريقة عمل سلاسل الإمداد التي كانت تستخدم لنقل الحيوانات التي تباع هناك، وذلك لمعرفة ما إذا كان السوق فعلاً هي المكان الذي انتقل عبره الفيروس إلى البشر. ومن المنتظر أيضاً أن يزور خبراء البعثة المستشفيات التي عولجت فيها الإصابات الأولى، وأن يتحدثوا إلى الباعة والتجار في السوق، لكن لم يتأكد بعد إدراج معهد العلوم الفيروسية على برنامج زياراتهم.
المصدر: مركز دراسات الصين وآسيا.
مصدر الصور: الحرة.
موضوع ذا صلة: رفع مسؤولية الصين عن نشر وباء “كورونا”