قديماً، كانت المواضيع الاقتصادية تدخل ضمن الدراسات الأكاديمية للعلاقات الدولية، حيث إعتبرت أقل أهمية مقارنة بالسياسات العُليا للعلاقات بين الدول، في وقت كانت فيه النظرة الواقعية من أهم الحقول الفرعية في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي العالمي، لنصل بعدها إلى مفهوم العولمة الذي كان – ولا يزال – محط اهتمام كبير ضمن فكر الاقتصاد السياسي العالمي.

إن تقديم مفهوم العولمة ليس بالأمر السهل على الرغم من أننا نعيش اليوم في عصر يعمكن إعتباره “عصر دراسات العولمة” الحقيقي، وإن إدراك الطبيعة المتشابكة للسياسة والاقتصاد قد أدى منذ سبعينيات القرن الـ 20 إلى ظهور مقاربة جديدة في العلاقات الدولية، تُعرف بالاقتصاد السياسي العالمي. إن جذور الاقتصاد السياسي العالمي موجودة فيما يسمى بالاقتصاد السياسي – في القرنين الـ 18 والـ 19 – كأساس لدراسة النشاط الاقتصادي ضمن سياقات سياسية وقانونية.

وتضم قائمة أشهر الاقتصاديين السياسيين أمثال آدم سميث، مؤلف الرسالة الليبرالية في القرن الـ 18 بعنوان “ثروة الأمم”، وكذلك كارل ماركس فيلسوف القرن الـ 19 الراديكالي. وفي القرن ال20، توزع الاقتصاد السياسي على حقول دراسة منفصلة عن بعضها البعض في العلوم السياسية والاقتصاد؛ وبالتالي، بات يمثل الاقتصاد السياسي العالمي عودة إلى منهج أكثر شمولية في فهم العالم الاجتماعي، مع أنه منهج يتطلب فهم العلاقة بين السياسة والاقتصاد، حيث من الممكن وصع مثل هذا التحليل ضمن سياق دولي أو عالمي.

من هنا، رأى العديد من مفكري الاقتصاد السياسي العالمي أن المساومة الاقتصادية بين الدول هي شكل من أشكال الدبلوماسية مثل المساومة بين الدول على قضايا معينة، كالممتلكات الجغرافية أو اتفاقيات السلام، لكن لا يزال هناك بعض الكتّاب، ضمن الاقتصاد السياسي الدولي، يعتقدون أساساً بفكرة أن الدبلوماسية الاقتصادية هي إحدى الوسائل العديدة التي تستخدمها الدول لضمان مكاسبها النسبية مع الدول الأخرى، ما يعني أن بعض الإجراءات – مثل العقوبات الاقتصادية وأمور التجارة في منظمة التجارة العالمية وإبرام الاتفاقيات بخصوص الهجرة غير الشرعية أو قرار وحدة العملة كما في أوروبا – هي قرارات تتخذها الدول في ضوء مصالحها وعينها على الكيفية التي قد تؤثر بها هذه الاتفاقيات على مكانة القوة عند الدول الأخرى.

في نفس السياق وضمن هذه النظرة الأكثر واقعية حول الاقتصاد السياسي الدولي، تبقى الدول هي اللاعبة الأساس والأهم باستخدامها لمثل هذه الأدوات من أجل ضمان أقصى درجات القوة.

إلى ذلك، إن المستويات المتنامية من الاعتماد المتبادل في الاقتصاد الدولي أكثر أهمية من رغبة الدول الدائمة في التفوق على بعضها البعض؛ وبالتالي، فقد أولى التراث الليبرالي الخاص بالاقتصاد السياسي الدولي أهمية للطريقة التي قللت من خلالها المستويات المتنامية من الاعتماد الاقتصادي المتبادل وانتشار التجارة الحرة من تصرفات الدول “الأنانية”؛ وحسب هذه النظرة، فإن المجال الاقتصادي سيكون دائماً أكثر أهمية من الطلبات السياسية للدول خاصة بعد اتساع الاعتماد الاقتصادي المتبادل، في ضوء التطور الذي حدث خلال الأعوام الأخيرة، الذي فتح آفاقاً للمفكرين الاقتصاديين بدمج تحليل ظاهرة، تعرف بالعولمة، في إطار دراسة النظام الدولي.

وفي الوقت الذي تمثل فيه الليبرالية إحدى وجهات النظر المهيمنة في تحليلات العولمة، إلا أنها تبقى واحدة من عدة وجهات نظر، وضمن الاقتصاد السياسي الدولي، حيث احتلت الواقعية مقعداً خلفياً إلى حد ما، بينما نجد أن الليبرالية هي التي كان يعترف بها على أنها المهيمنة في فكر الاقتصاد السياسي الدولي.

من جهة، يمكننا الإشارة إلى اقتصاد ليبرالي وضعي صريح يعتمد على نظرية اقتصادية ليبرالية، ويفهم العولمة على أنها عملية اقتصادية لا مفر منها، من خلال النظرة القائلة “لا ينبغي للدولة أن تلعب دوراً هاماً في الاقتصاد، وأن سياسات الخصخصة وتخفيف القيود والقوانين هي أفضل الوسائل التي تبقى الاقتصادات من خلالها في حالة تنافسية.”

لكن الأهم أنه ومن خلال مناقشة الليبرالية الجديدة – بوصفها نظرية اقتصادية – نجد أن هذا المصطلح هو دائم الإستخدام ضمن العلاقات الدولية.

ومن الجهة الأخرى، هناك خط يرى أن الرأسمالية المعولمة – إذا ما نظمت بالشكل المناسب – يمكنها أن تحدث تغيراً اجتماعياً إيجابياً؛ وبكل الأحوال، إن الفهم الليبرالي الاقتصادي الجديد للاقتصاد السياسي هو الأكثر تأثيراً بالسياسات الاقتصادية للدول عبر العالم، ويعتبر على نطاق واسع أنه الفلسفة الاقتصادية التي تكمن وراء المؤسسات المالية الدولية القوية، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

وبعيداً عن النظرة الليبرالية المهيمنة، هناك نظريات أخرى كتلك المرتبطة بالاقتصاد السياسي الماركسي، إذ تمثل الماركسية إحدى أهم الإيديولوجيات في الاقتصاد السياسي، حيث توجد مجموعة تنافسية كبيرة من أشكال الفهم لدى الماركسية والماركسيين عن العولمة، وتتشاطر اهتماماً بالطريقة التي تُصبح فيها علاقات هيمنة الطبقة سمة أساسية في توسع الإنتاج الرأسمالي الذي يحدث في عصر العولمة؛ وبحسب هذه النظرة، العولمة هي الرأسمالية. لذا، فإن الأدوات والأفكار التحليلية التي طورها ماركس، بخصوص دراسة تطور الطريقة الرأسمالية في الإنتاج، مهمة لتحليل عولمة الرأسمالية اليوم.

ختاماً، يمكن القول بأن العولمة أدت إلى محاولات لتطوير وجهات نظر بديلة من الممكن وصفها بوجهات نظر تحررية عن العولمة ومعانيها في هذا الإطار.

مصدر الصورة: المنتدى الاقتصادي العالمي.

موضوع ذا صلة: هل تموت العولمة على يد فيروس “كورونا”؟

عبد العزيز بدر القطان

مستشار قانوني – الكويت