د. حكمت مصلح*

عرفت الصين عبر العصور أنها مصدر الحكمة لا المرض، وأنها بلاد يحصنها سور عظيم يحميها من الغزو الخارجي، وهي أكبر دول العالم من حيث السكان، وثالث دولة بعد روسيا والولايات المتحدة من حيث المساحة. كما تعتبر إحدى أهم دول “البريكس” التي احتلت موقع الصدارة في الصناعة العالمية، لا بل هي الدولة الوحيدة التي يبلغ ديون الولايات المتحدة لديها حدود الـ 1.2 ترليون دولار.

هنا ومن خلال ما سبق، تكمن علة المواجهة بين الطرفين؛ فهذه القوة الإقتصادية مترافقة قوة عسكرية، وبالتالي قد تكون قادرة على القيام بأية خطوة مثل:
ــ إعلان حمايتها لأية دولة ضمن جنوب شرق آسيا أو العالم.
ــ إعلان قدرتها على تقديم المبادرات الإقتصادية تجاه أية دولة لجهة تحقيق نهوضها أو إعادة استنهاضها، كما هو الحال بالنسبة إلى سوريا ولبنان.

بهذا، تؤكد الصين على أنها “التنين الأصفر” الصاعد، والدولة القادرة على ريادة العالم وقيادته، مع غيرها من الدول مثل روسيا وألمانيا، وهو ما يقلق الولايات المتحدة. فأية حرب عالمية جديدة ستكون عواقبها وخيمة عليها وعلى العالم بأسره، وأي حصار غير منمق للصين، إن صح التعبير، سيعيق حركة التجارة العالمية حتماً.

لذلك، إفتعل وباء “كورونا”. أما وأن إنطلاقته كانت من الصين فهذا لا يعني أن الأمر مفتعل فكل التقارير الطبية الصينية أكدت أن مختبرات ووهان ليست مصدراً له، لا عن قصد ولا بالخطأ. والسؤال هنا: هل بإمكان الولايات المتحدة محاكمة الصين بموجب القانون الدولي بحجة أنها مسؤولة عن تصنيع جرثومة “كورونا” والسبب في انتشارها؟

تجيب على هذا السؤال بعض النصوص القانونية، مثل المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 12 من الإتفاقية الدولية للحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية، على أن خير تفصيل لموضوع انتشار الأوبئة جاءت به اللوائح الصحية العالمية. فما هي اللوائح الصحية العالمية؟ وهل بإمكان الولايات المتحدة اثبات مسؤولية الصين القانونية عن الوباء وإنتشاره بموجبها؟

إن اللوائح العالمية، وبحسب تعريف منظمة الصحة العالمية، هي صك قانوني دولي ملزم الهدف منها “منع الإنتشار الدولي للمرض والحماية منه، وتقديم الإستجابة للصحة العمومية، والحد من التعطيل البغيض للمواصلات والتجارة على الصعيد العالمي.” من خلال هذا نفهم أن العالم، وعند وقوع مرض معدٍ، يتحول إلى قوى تستجيب النداءات بعضها بعضاً، وهو ما اوضحته تلك اللوائح أيضاً عندما عرَّفت الحالة الطارئة الصحية بأنها “يجب أن تكون طارئة صحية عمومية، تسبب قلقاً دولياً، وبأنها حدث استثنائي، يشكل خطراً محتملاً يحدق بالصحة العمومية في الدول الأخرى. وذلك بسبب انتشار المرض دولياً، وأنه قد يقتضي استجابة دولية.”

فإذا عدنا الى نص المادة 2 من اللوائح الصحية، نجد أن الهدف هو الحد من انتشار المرض وتعطيل التجارة العالمية. لكن وباء “كورونا” لم تستطع الصين الحد منه وتعطلت معه التجارة العالمية، كما وتحول الوباء إلى طارئ صحية عالمية عمومية، وسببت قلقاً لا بل ذعراً وموتاً على امتداد قارات العالم ودوله، كما خرج من كونه ضرراً محتملاً ليصبح ضرراً محقق الوقوع، وشُكلت استجابة دولية واسعة لمواجهته قل نظيرها إذ سعت كل دولة لحماية نفسها وعدم إلحاق الضرر بأية دولة أخرى.

أيضاً، جاء في الإتفاقية الدولية لحضر الأسلحة البيولوجية، لعام 1972، بأنه “تتعهد كل دولة من الدول الأطراف في هذه الإتفاقية، بأن لا تعمد في أي ظرف من الظروف إلى استحداث أو إنتاج أو تخزين ما يلي أو إقتناؤه، أو حفظه على أي نوع آخر: العوامل الجرثومية، أو العوامل البيولوجية الأخرى، أو التسكينات أيًا كان منشؤها، أو اسلوب إنتاجها من الأنواع والكميات التي لا تكون موجهة لأعراض الوقاية والحماية أو الأغراض السلمية الاخرى.” كما طالبت المادة الثانية من نفس الإتفاقية، الدول الأطراف فيها بـ “تدمير جميع العوامل والتسكينات والأسلحة والمعدات المشار إليها في المادة الأولى”.

هنا نسأل: هل قامت الصين بإنتاج سلاح جرثومي ولم تلتزم بالإتفاقية الدولية؟ يأتي الجواب من أعلى منظمة عالمية متخصصة منظمة الصحة العالمية، التي أصدرت تقريراً في 21/4/2020 قالت فيه “إن مصدر كورونا فيروس وليس مختبر ووهان، إنما عدوى انتقلت من حيوان إلى انسان على الأغلب”، وهذا الأمر يؤكد أن الصين غير مسؤولة من خلال مختبراتها عن انتشار الفيروس.

في المقابل، تتذرع الولايات المتحدة تتذرع بنص المادة السادسة في اللوائح الصحية العالمية، والتي تنص على أن “كل دولة مشاركة في المنظمة عليها أن تخبر منظمة الصحة العالمية خلال أربع وعشرين ساعة عند وقوع أي طارئ يستدعي القلق بشأن الصحة العامة داخل أراضيها”، معتبرة أن الصين قصرت في واجباتها الدولية وبالتالي مسؤولة عن انتشار الفيروس.

لكن هذه الحجة مردود عليها بما يلي:
1. الفيروس ليس السل ولا الطاعون ولا الملاريا، فتلك الأمراض القاتلة التي حدد الطب تشخيصاتها وصفاته وكيفية علاجها ووجد الدواء لها حتى كيفية انتشارها فهناك إتفاقية دولية، موقعة في العام 1969، تحدد تلك الأمراض السابقة وتستوجب إعلام الدول بها عند حدوثها فوق إقليم أية دولة.
2. ليس الفيروس حشرة ظاهرة، مثل الجراد، أو مرض يصيب الشجر وله علاجاته ووسائل التصدي له.
3. إن للفيروس صفات النزلة الصدرية والتهابات الرئة والرشح الموسمي، ولم يكن بإمكان الصين المعرفة بأسس تشخيصه بداية. رغم ذلك وبعد شهر من انتشاره، نبهت الصين إلى خطورة ما تتعرض له وهو ما يزال ضمن اقليمها، لكن منظمة الصحة العالمية ودول العالم لم تبادر إلى إدراك الخطر الذي تتعرض له الصين؛ لذلك، كانت الإستجابة الدولية لإنقاذ بكين من الجائحة، في البداية، غير موجودة.
4. بعد إنتشار الفيروس في العالم، قامت الصين بإرسال البعثات والمعدات الطبية إلى البلدان المتضررة، كإيطاليا، حيث تحملت مسوؤلية المساعدة في وقف إنتشار الوباء.

كل ذلك يجعل من الصين غير مسؤولة عن انتشار جائحة “كورونا” في العالم.

*باحث قانوني – لبنان

مصدر الصور: البيان – سي.أن.أن عربية.

موضوع ذا صلة: ترامب وسياسة الفشل في إحتواء وباء “كورونا”