نيكولا ميركوفيتش*
كان مشروع نورد ستريم – 2، أو السيل الشمالي – 2، يسير وفق المخطط المرسوم له. وكان من النادر أن يسمع أحد عن عراقيل تتخلل مشروع الطاقة الأوروبي هذا، والذي من المفترض أن ينقل 55 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً إلى أوروبا الغربية. بدأ إنشاء خط أنابيب غاز هذا في العام 2015، لربط روسيا بألمانيا عبر بحر البلطيق.
اللافت أن الجهات التي تقف خلف مشروع نورد ستريم – 2 هي 100% شركات أوروبية، مثل كونسورتيوم وشركة “إنجي” الفرنسية، حيث وصل العمل بالمشروع على بعد 100 كلم من الساحل الألماني، لكن الولايات المتحدة تبذل قصارى جهدها لمحاولة إجهاضه.
وقع المشروع تحت نظر واشنطن منذ البداية، وكان لا بد من تأجيله لمدة عام تقريباً بسبب العقوبات الأمريكية، حيث مارست إدارات الرئيسين الأمريكيين السابقين، باراك أوباما ودونالد ترامب، ضغوطاً دبلوماسية رهيبة، تلتها عقوبات ضد أي شركة تعمل ضمن المشروع، حتى أن واشنطن أصدرت قانوناً محدداً لفرض عقوبات، هو قانون “بييس” الغرض منه هو حماية أمن الطاقة في أوروبا.
والجدير بالذكر أن زبيغنيو بريجينسكي، المفكر الإستراتيجي ومستشار الأمن القومي لدى الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، كتب في “لو غراند إشيكيه”، أن أوروبا الغربية هي “محمية أمريكية”. لكن على الرغم من الترهيب والتهديد الأمريكي بسلاح العقوبات، قرر المطورون استئناف البناء في ديسمبر/كانون الأول 2020، مما أغضب واشنطن.
بناء على ذلك، سارعت الولايات المتحدة للتصويت على جولة جديدة من العقوبات الإقتصادية، يتم من خلالها استهداف 120 شركة وأكثر من 12 دولة أوروبية. لكن الجديد في جولة التهديدات الأمريكية هذه أن الشركات الأوروبية أخذتها على محمل الجد. فقبل أيام قليلة، انسحبت شركة الإستشارات الدنماركية “رامبول” من المشروع خوفاً من الانتقام الأمريكي. وقبل أيام قليلة أيضاً، قامت الشركة النرويجية “دي إن في جي إل” بالإنسحاب.
فعلى الرغم من أن ما تقوم به الولايات المتحدة مخالفٍ للعرف القانوني المتعلق بهذا الشأن، إلا أن الشركات الأوروبية العاملة بشكل قانوني، وفقاً للقوانين الإتحاد الأوروبي ودوله، مهددة بالعقوبات من قبل دولة أجنبية ليست لا جزءاً من القارة الأوروبية. فواشنطن تريد معاقبة روسيا رسمياً على إعادة ضم شبه جزيرة القرم والوضع في الدونباس.
في الواقع، لا علاقة لهذا الأمر بالأزمة الأوكرانية بل له علاقة برغبة واشنطن في أن تصبح الموّرد الرئيسي للهيدروكربونات لأوروبا، حيث تحاول الولايات المتحدة، أكبر منتج للغاز في العالم، القضاء على نورد ستريم – 2 من أجل إجبار الأوروبيين على استيراد غازهم الصخري، الأغلى ثمناً من الغاز الروسي، والضار بالبيئة.
بالتالي، تستمر السياسة العالمية للعقوبات الأمريكية ضد روسيا في الإضرار بالدول الأوروبية، حيث أظهرت دراسة أجراها الباحثان جي هينز وإم كروزيت، في مجلة السياسة الاقتصادية المرموقة العام 2019، أن أوروبا تتعرض لتأثيرات شديدة بسبب العقوبات الأمريكية، حيث تصل خسائر الدول الأوروبية إلى عشرات المليارات من اليوروهات، الأمر الذي يطلق عليه الأكاديميون مصطلح “النيران الصديقة”، وهو المصطلح العسكري الأمريكي لإطلاق النار على خلفائها.
من هنا، على الدول الأوروبية أن تتحلى بالشجاعة للتحدث علانية ضد الولايات المتحدة، ولكن دعونا لا ننسى أنه في السنوات الأخيرة منعت واشنطن فرنسا من بيع سفنها من طراز “ميسترال” إلى روسيا، وفرضت غرامة قدرها 9 مليارات دولار على شركة بي.إن.بي، وفرضت 700 مليون دولار على بنك كريدت أغريكول، بينما لم تخرق هذه الشركات الفرنسية أي قانون دولي. في هذا الوقت بالذات، يفرض الأمريكيون ضريبة استثنائية بنسبة 25% على النبيذ الفرنسي، والتي وفقاً لصنّاعه، ستؤدي إلى خسارة المزارعي حوالي مليار يورو.
وبرغم كل تلك السلبيات، إلا أن هناك إيجابية مهمة وهي أن الألمان هم المستفيدون الرئيسيون من خط الغاز هذا، يريدون الوقوف بوجه “العم سام” والرئيس جو بايدن، إذ حان الوقت لنتذكر أن أمريكا ليست دولة أوروبية، وأن الدول الأخيرة له الحق في شراء المواد الهيدروكربونية من أية جهة تريد.
بالمحصلة، لا ينبغي لأية دولة أجنبية أن تفرض علينا غازها أو عقوباتها. إنها مسألة إحترام لسيادتنا الوطنية واستراتيجيتنا للطاقوية والقانون الدولي.
*كاتب ومحلل سياسي صربي – فرنسا
المصدر: وكالة رياليست
مصدر الصورة: روسيا اليوم
موضوع ذا صلة: أوروبا وأمن الطاقة.. ما بين المصدر الروسي والعقوبات الأميركية