تعتبر العولمة واحدة من الظواهر المثيرة للجدل والتي دارت حولها العديد من النقاشات الساخنة منذ نشأتها حتى يومنا هذا، واختلفت الآراء حول تعريفها وسلبياتها وإيجابياتها. وعلى الرغم من أنها ظاهرة قديمة نسبياً حيث يرجح الباحثون أن عمرها لا يقل عن 5 قرون إلا أنها لا تزال غامضة.
ويعرف المفكرون العولمة على أنها تطور تاريخي أو عملية مقصودة تهدف إلى تقارب الشعوب وقولبة العالم في نموذج واحد وفق قيم مشتركة، مما يسهل المبادلات بمختلف أنواعها (تجارية، سياسية، معلوماتية.. إلخ). وعلى الرغم من التسهيلات التي قدمتها العولمة لنا، إلا أن سلبياتها والانتقادات التي وجهت لها عديدة، آخرها المساهمة في الانتشار السريع للفيروسات والأمراض المعدية.
العولمة وفيروس “كورونا”
بينما كان يسافر الناس والمنتجات والغذاء ورأس المال حول العالم بأعداد غير مسبوقة وبسرعات تاريخية، كذلك كان يقوم عدد لا يحصى من الكائنات الحية الدقيقة المسببة للأمراض. إن الانتقال المرعب والمذهل للفيروسات بسبب حركة السفر والتنقل الميسرة جعل فكرة عولمة الفيروسات واقعية، فلم يسبق من قبل أن تحرك الكثير من الناس بهذه السرعة في جميع أنحاء العالم. ويوضح لنا التاريخ أن انتشار الفيروسات ظاهرة قديمة مرتبطة بفكرة العولمة نفسها، ولكن في الماضي كانت العدوى تنتقل بشدة وبسرعة أقل مما نعيشه حالياً.
وكمثال على ذلك، في القرن الرابع عشر ظهر الطاعون في مقاطعة هوباي الصينية وراح ضحيته 5 ملايين صيني أغلبهم من هذه المقاطعة. حدث هذا في الثلاثينيات من ذلك القرن، ولكن الأمر استغرق سنوات حتى وصل المرض إلى إيران ومنها انتقل بعد سنوات عديدة إلى إيطاليا حيث دخلها في 1347 من ميناء جنوا، ومن إيطاليا انتشر في أوروبا.
في إيران وأوروبا، حصد الوباء أرواح نصف سكان كل منهما. وفي العام 1988 بعد سبع سنوات فقط من التعرف على مرض نقص المناعة “الإيدز”، كان هناك 150 ألف حالة في جميع أنحاء العالم، ولكن بحلول العام 1991 أصيب أكثر من 400 ألف شخص.
وعلى الرغم من كونها قضية عالمية، حيث تعمل جميع الشركات العالمية والحملات والمنظمات غير الحكومية للمساعدة في إيجاد حل لها، إلا أن الدولة الحديثة كان لها أيضاً دور مهم تلعبه في مكافحة انتشار هذا المرض من خلال تفعيل أنظمتها الصحية العامة ومن خلال المشاورات الحكومية مع المنظمات الدولية.
وقد فتح فيروس “كورونا”، أو “كوفيد – 19″، النقاش حول سلبيات العولمة من جديد، فالفيروس الذي بدأ في الصين، انتشر بسرعة كبيرة في كل العالم بسبب حركة السفر والتنقل السريعة والسهلة، مما أدى إلى استنفار كبير وغلق كل الحدود الدولية ووقف الرحلات، وكان هذا أكبر دليل على الأضرار التي ألحقتها سهولة التنقل بين الدول وصعوبة المراقبة بالعالم.
وأظهرت لنا “كورونا” أن العالم أصغر من قرية بكثير وأكثر ضعفاً مما كان يُعتقد سابقاً. فلقد كان الفيروس بمثابة “إرهاب بيولوجي” ضد الدولة والأفراد.
في بداية الجائحة، تناولت مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية تأثير انتشار فيروس “كورونا” على “العولمة” وترابط العالم، حيث وضحت بأمثلة لشركات ودول مُتقدِّمة قامت بنسف مبدأ العولمة تماماً في محاولة السيطرة على الفيروس ومنعت مساعدتها عن دول وشعوب أخرى.
على الرغم من أن استخدام مصطلح “العولمة” في أدبيات العلوم الصحية يشير عموماً إلى الترابط العالمي المتزايد بطريقة إيجابية كما يتجلى في زيادة السفر الدولي، ولكن في الحقيقة ظاهرة العولمة تشمل ما هو أكثر من ذلك بكثير. لهذا يجب تعزيز دور الدولة في المجال الصحي لوقف الانتشار المستقبلي لفيروس “كورونا” بمختلف سلالاته، والإيدز وغيرهما من الأمراض المعدية.
*العنوان الأساسي: “بعد فضحه هشاشة النظام العالمي.. هل تموت العولمة على يد فيروس كورونا؟”
**كاتبة – الجزائر.
المراجع:
Knobler S – Mahmoud A – Lemon S / The Impact of Globalization on Infectious Disease Emergence and Control /
Institute of Medicine (US) Forum on Microbial Threats /Washington National Academies Press
Shona Buchanan/ Has Globalisation Altered the Role of the State?/ E-international relations/ Nov 24 2012
المصدر: عربي بوست.
مصدر الصورة: دي دبيلو.
موضوع ذا صلة: