محمود حسين

نقاش محتدم يدور بين خبراء التقنية وأمن المعلومات حول العالم، وحتى بين المستخدمين العاديين، حول سياسة الخصوصية الجديدة التي قرر تطبيق التراسل المجاني “واتساب”، التابع لشركة “فايسبوك” إعتمادها، وهي تتعلق فقط بالمستخدمين خارج المنطقة الأوروبية والتي تمنع قوانين حماية البيانات في تلك الدول من تطبيقها، لتتصاعد الدعوات لمغادرة التطبيق واللجوء إلى بدائل “أكثر أماناً”.

ما الهدف؟

وبحسب شركة “فايسبوك”، فإن السياسة الجديدة تهدف إلى ربط تطبيق “واتساب” بخدمات موقع “فايسبوك”، مثل “إنستغرام” و”فايسبوك ماسنجر” وغيرهما، ومشاركة بيانات مستخدمي التطبيق معه، بالإضافة إلى جهات أخرى.

والهدف، بحسب الشركة، هو “تشغيل وتحسين الخدمات وتجربة خدمات جديدة وتقديم إقتراحات للمستخدم (على سبيل المثال، عن أصدقاء، أو إتصالات جماعية، أو محتوى مثير للإهتمام)، وإظهار العروض والإعلانات ذات الصلة عبر منتجات فايسبوك، وربط تجارب المستخدم في واتساب بمنتجات فيسبوك الأخرى مثل السماح بربط حساب Facebook Pay الخاص بالدفع على واتساب.”

هذا الربط هو ما أطلق عليه مارك زوكربيرغ، المدير التنفيذي لشركة “واتساب”، مصطلح interoperability أو التشغيل البيني، حسب ما كتب في منشور سابق قال فيه “مع إمكانية التشغيل البيني، ستكون قادراً على إستخدام وإتساب لتلقي الرسائل المرسلة إلى حسابك على فايسبوك دون مشاركة رقم هاتفك، وفي المعاملات التجارية لن يضطر المشتري إلى القلق بشأن ما إذا كنت تفضل أن يتم إرسال الرسائل على شبكة أو أخرى.”

ومن المقرر أن تطبق سياسة الخصوصية الجديدة في 8 فبراير/شباط 2021، وليس لدى المستخدم خيار سوى أن يقبل بها أو يتم إلغاء حسابه على تطبيق “واتساب”.

سبب المشكلة

يعترض المستخدمون على كم البيانات الشخصية الهائل الذي تسمح السياسة الجديدة بالحصول عليه من الشخص، فمثلاً رغم بقاء الرسائل بين الأشخاص عبر التطبيق مشفرة، إلا أن التطبيق (وبالتالي باقي تطبيقات “فايسبوك”) سيعلم من الذي تتصل به وفي أي وقت وكم مرة يتم هذا الإتصال خلال اليوم.

كما أن كافة أرقام الهواتف المسجلة لدى المستخدم ستصبح لأطراف أخرى، بهدف تجاري وإعلاني حسب ما تقول الشركة، لا تقتصر فقط على “فايسبوك”. لكن أكثر ما يخشاه المستخدمون في الحقيقة هو تتم مشاركة تلك البيانات بشكل غير رسمي مع أنظمة سلطوية وقمعية. في حين يخشى كثيرون من أن يتمكن المخترقون والمحتالون في وقت ما من سرقة تلك البيانات أو شرائها بطريقة ملتوية من شركة أخرى “وسيطة” مع “فايسبوك” لتتم مساومة العملاء على بياناتهم لاحقاً.

هذا إلى جانب أن فكرة إستغلال البيانات الشخصية لتوجيه الرأي العام من خلال حملات دعائية سياسية أدت في النهاية، على سبيل المثال، إلى خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي، أو إغراق الولايات المتحدة بشائعات مغلوطة عن هيلاري كلينتون تسببت في خسارتها للإنتخابات الرئاسية، هي وقائع ما زالت ماثلة للعيان حتى اليوم وهو ما عرف لاحقاً بفضيحة “كامبريدج أناليتيكا”.

تطبيقات أكثر أماناً

ولعل أبرز من ساورته تلك المخاوف هو الملياردير ايلون ماسك، صاحب شركات “تسلا” و”سبيس أكس”، حتى أنه دعا علناً إلى إستخدام تطبيق آمن مثل “سيغنال”، فيما أكد تطبيق “سيغنال” على أن كافة بيانات مستخدميه في أمان وأنه “لن توجد به إعلانات أبداً لأن بيانات المستخدمين مملوكة لهم وليس للتطبيق”.

وبحسب ما نشر موقع “مدى مصر”، إن منظمة “سمِكس”، المعنية بتعزيز الحقوق الرقمية، قامت بمقارنة على موقعها بين “واتساب”، وبدائله الأكثر أمناً، “تلغرام” و”سيغنال” و”واير”، لتوضيح المعلومات التي يسجلها كل تطبيق منهم. وبينما حظى “واتساب” على العلامة الكاملة في مراقبة كل شيء، لا يسجل “سيغنال” سوى رقم هاتف مستخدمه فقط”.

تسبب ذلك في رفع عدد من حملوا التطبيق حول العالم بشكل كبير. فبحسب موقع سي.إن.بي.سي الأمريكي نقلاً عن شركة “سينسور تاور” لتحليل البيانات، فإن تطبيق “سيغنال” شهد ما يقرب من 7.5 مليون عملية تثبيت على مستوى العالم من خلال متجر تطبيقات “آبل” و”بلاي ستور” في الفترة من 6 إلى 10 يناير/كانون الثاني، وهذا الرقم يمثل 43 ضعف رقم التحميلات في الأسبوع الماضي. وفي الوقت نفسه، شهد تطبيق تلغرام نحو 5.6 مليون عملية تنزيل على مستوى العالم من الأربعاء إلى الأحد 10 يناير/كانون الثاني.

لم تكن تلك هي الواقعة الأولى التي تتم فيها مهاجمة سياسات الخصوصية لشركات عملاقة، مثل “غوغل” و”فايسبوك” وغيرها والتي تتعامل مع الداتا الضخمة – Big Data التي تجمعها من مستخدميها كأساس لوجودها وبقائها وإستمرارعملها، ما صعد من فكرة الرفض لتربح الشركات من البياتات الشخصية.

لهذا السبب ومنذ عدة سنوات، إنبرت مجموعة من خبراء التنقية والنشطاء والصحفيين بهدف إنتاج تطبيقات ذكية ومتصفحات للإنترنت للإفلات من التطبيقات والمتصفحات التي تجمع بيانات المستخدمين بكافة الأشكال والوسائل، إضافة إلى محاولة التخلص من رقابة الأنظمة الديكتاتورية التي تطارد المعارضين عبر هواتفهم المحمولة وكذا للحفاظ على الخصوصية بشكل عام، فظهر تطبيق “سيغنال” ومتصفح تور – Tor.

“واتساب” يرد

مع تصاعد الحملة ضد التطبيق والمطالبة بحذفه من الهواتف، كتب ويل كاثكارت، الرئيس التنفيذي لـ “واتساب”، عدة تغريدات متتابعة في حسابه على “تويتر” قال فيها إن لدى الجميع حرية قبول أو رفض تلك التحديثات وأنه للمستخدم أن يقبل أو يرفض التواصل مع إحدى الشركات عبر التطبيق والتي حصلت على بياناته بهدف تقديم خدمات له، مضيفاً أن هذا التحديث لا يتسبب في أي تغيير فيما يتعلق بممارسات مشاركة البيانات عبر “واتساب” مع “فايسبوك”، كما أنه لا يؤثر في خصوصية تواصل المستخدمين مع أصدقائهم أو عائلاتهم حول العالم، مؤكداً على أن شركة “واتساب” ملتزمة تماماً بحماية خصوصية مستخدمي التطبيق.

كما نشر التطبيق رسالة مطولة بالصور على فيسبوك وتويتر أكد فيها على أن ما يقال عن انتهاك الخصوصية هي شائعات وأن “رسائل” المستخدمين المتبادلة في أمان تام من خلال التشفير ثنائي الاتجاه وأن تحديث سياسة الخصوصية لا يؤثر على خصوصية الرسائل مع الأصدقاء أو العائلة.

تهويل وتضخيم

على جانب آخر، يرى البعض آن المسألة مجرد “زوبعة في فنجان”، وأن أغلب المستخدمين ليسوا نشطاء سياسيين أو صحفيين أو رجال سياسة ليخشوا بهذا الشكل على بياناتهم الشخصية، وأن أغلب عمليات التواصل التي تتم عبر التطبيق هي علاقات إجتماعية.

ويضيف المؤيدون لإستخدام التطبيق، بعد سياسة الخصوصية الجديدة، أنه من غير المنطقي أن يستخدم أحدنا كل هذه الخدمات مجاناً دون مقابل، وعليه فإن المقابل هو سماح المستخدم بإتاحة بياناته لتستفيد منها الشركة في الإعلانات بشكل أساسي.

في هذا السياق، كتب الصحفي المصري، محمد أبو الغيط، مؤكداً على أن أغلب الأجهزة الإلكترونية حول العالم مخترقة بشكل أو بآخر، وبما أن الشخص لا يشارك بيانات هامة عبر تطبيقات مثل “واتساب” فلا يمنع ذلك من إستخدامها، على أن يستخدم من يخشى على بياناته تطبيقات أخرى أكثر أماناً.

في المقابل سخر آخرون من مناقشة المواطنين في العالم العربي لفكرة خصوصية البيانات، في الوقت الذي تم فيه إختراق هاتف الصحفي السعودي الراحل، جمال خاشقجي، وإنتهى الأمر بقتله داخل قنصلية بلاده في تركيا، كما في مصر حيث يقوم أفراد الأمن بتوقيف المواطنين وفحص هواتفهم بما عليها من صور شخصية للغاية وبيانات مالية وغيرها بهدف ملاحقة النشطاء والمعارضين. ممارسة دفعت المجلس القومي المصري لحقوق الإنسان، جهة حكومية، لإنتقادها بشدة مشيراً إلى أنها “تمثل عدواناً على الحقوق التي كفلها الدستور ونص عليها القانون”، لترد وزارة الداخلية المصرية بأن “الإجراء قانوني ودستوري، وأن من حق مأموري الضبط القضائي تفتيش الأشخاص وما بحوزتهم من متعلقات منقولة ومن بينها الهواتف المحمولة “.

العنوان الأساسي: “سياسة الخصوصية الجديدة لتطبيق واتساب.. ما سر كل هذا الهلع؟”

المصدر: دي دبليو.

مصدر الصور: الشرق – نون بوست.

موضوع ذا صلة: وسائل التواصل الإجتماعي: إستخدامها وتأثيرها في مجالي الأمن والدفاع