ظن الكثيرون أن العلاقات الأمريكية – السعودية ستكون أول المتضررين من السياسات التي ستتخذها إدارة الرئيس الأمريكي الجديد، جو بايدن. ولعلها ستكون كذلك، لكن هذه العلاقات تتعزز في الوقت الحالي. ففي 25 يناير/كانون الثاني 2021، ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن “القوات الأمريكية توسع انتشارها في السعودية”. وفي 24 يناير/كانون الثاني 2021، أفادت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية أن “إسرائيل تسمح للولايات المتحدة بنشر نظام القبة الحديدية للدفاع الصاروخي في الخليج”. ولم يتم الكشف عن الدول الذي ستنشر فيها الصواريخ، لكن من الواضح أن السعودية ستكون إحدى هذه الوجهات.
ومع ذلك، فإن هذه التطورات، التي وضعت في شكلها النهائي على ما يبدو في الأشهر الأخيرة، أو حتى في الأسابيع الأخيرة، من إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، هي بالتأكيد عرضة لأية إعادة لتعديل للعلاقات أو لأية خطوة تتخذها الولايات المتحدة لتقليص تواجدها في الخليج. وبشأن السعودية، فإن الكونغرس قلق أساساً من إبرام اتفاق معها لتزويد قواتها الجوية بذخائر إضافية قد تستخدم على الأرجح، وبدرجات متفاوتة من الدقة، ضد أهداف حوثية في اليمن. وحول الإمارات، فأثناء كتابة هذه السطور في 27 يناير/كانون الثاني 2021، علقت إدارة الرئيس بايدن بيعها طائرات مقاتلة متطورة من طراز “إف-35”.
ويمكن توضيح وضع العلاقات الحقيقي بين واشنطن والرياض إذا وعندما يتم الكشف عن التقييم الذي تجريه وكالة المخابرات الأمريكية بشأن كاتب العمود في صحيفة “واشنطن بوست” جمال خاشقجي (الذي قتل في قنصلية بلاده في اسطنبول في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018). ووعدت أفريل هينز، التي تم تأكيد تعيينها مديرة للاستخبارات الوطنية الأمريكية الأسبوع الماضي، برفع السرية عن تقرير المخابرات عن الحادث أثناء مثولها أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي.
وهذا التطور هو بمثابة “سيف دموقليس” يضرب به المثل ويتدلى فوق رأس ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، الزعيم الفعلي للسعودية. وفي التقرير المؤقت حول حقوق الإنسان نشر في 26 يناير/كانون الثاني/يناير 2021، فحتى (المعهد البحثي) المحافظ “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات” وصف ولي العهد بأنه “الجاني الأساسي” في مقتل خاشقجي.
وتشمل البنود الأخرى، على أية أجندة ليبرالية تقريباً والموجهة ضد السعودية، استمرار احتجاز الناشطات ومن بينهن لجين الهذلول، التي قد يتم الإفراج عنها في نهاية الشهر المقبل. إلا أن لجين ستظل ممنوعة من مغادرة المملكة خلال السنوات الخمس المقبلة، وهذا تقييد ستعترض عليه بشدة هي وغيرها. ويبدو أن الأمير محمد بن سلمان يدير “الأذن الصماء” للاضطراب الذي تثيره مثل هذه الخطوات. ويقول دبلوماسيوه إن حقوق الإنسان هي قضية محلية ولا تهم الأجانب. لكنه أعلن في نهاية الأسبوع المنصرم عن خطط لمضاعفة قيمة صندوق الثروة السيادية للمملكة إلى أكثر من تريليون دولار. ولكنه إذا أراد جذب المستثمرين الأجانب، فقد يحتاج إلى تغيير طريقة تفكيره.
وفي غضون ذلك، يواجه الأمير محمد بن سلمان مشكلة أخرى، فهناك جهة تستهدف عاصمته الرياض بصواريخ أو بطائرات مسيرة. ففي 23 يناير/كانون الثاني ومرة أخرى في 26 يناير/كانون الثاني (2021)، سمع السكان دوي انفجارات ورأوا دخاناً عالياً في السماء. والتزمت وسائل الإعلام السعودية الصمت، لكن السفارة الأمريكية أصدرت تنبيهاً أمنياً قدم بعض التأكيد على وقوع شيء ما سيء. وفي 27 يناير/كانون الثاني، ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن مجمعاً ملكياً مهماً تعرض لأضرار طفيفة. وربما جاء الهجوم الأول من العراق، حيث أن وضعه الأمني ضعيف ويمكن للجماعات الموالية لإيران العمل فيه بحرية. وقد يكون مصدر الهجوم الثاني هو اليمن، حيث تدعم إيران حكومة المتمردين الحوثيين، على الأقل من الناحية العسكرية.
إن عدم وقوع أضرار واضحة لا يبعث الكثير من الارتياح للسعودية أو لحلفائها العرب في الخليج، الذين هم أكثر عرضة للهجمات المباشرة من إيران أو بتحريض منها. وقد بدأت هذه الحسابات الجديدة تأخذ مجراها منذ الهجوم بطائرات بدون طيار وبصواريخ جوالة على مصنع بْقيق المهم لمعالجة النفط في السعودية ومنشأة أخرى، سبتمبر/أيلول 2019. وإذا أرادت إيران شن هجوم، فبإمكانها القيام بذلك. ومن المحتمل أن تكون حوادث المضايقات الصغيرة متعمدة، وليست إشارة إلى فشل المعدات.
إن العنصر السياسي الذي يفتقر إلى الوضوح في الوقت الحالي هو المدى الذي تريد إدارة الرئيس بايدن الذهاب إليه للتوصل إلى حل وسط مع طهران بشأن القيود المفروضة على برنامجها النووي. فمع المصادقة على تعيين أنطوني بلينكن، وزيراً للخارجية الأمريكية فقد تتغير الأمور، على الرغم من أن الكثيرين يتوقعون أن الدبلوماسية ستكون بطيئة، وكما هو الحال في الاتفاق النووي الأصلي من العام 2015، فقد يكون لها تأثير محدود على أنشطة إيران في المنطقة.
وذكر تقرير صحيفة “وول ستريت جورنال” أن القوات الأمريكية ستعمل انطلاقاً من قواعد جوية في الطائف وتبوك غربي المملكة، وكذلك من قاعدة “الأمير سلطان” الحالية جنوب الرياض. وسيُستخدم ميناء ينبع المطل على البحر الأحمر لسفن النقل، بتجنبها مضيق هرمز. وتذكرنا الكثير من هذه الأمور ببصمة القدم (العسكرية) التي كانت للولايات المتحدة في أواخر التسعينيات عندما كان من الضروري ردع الرئيس الراحل صدام حسين في العراق. ولم يتم الكشف بعد عما إذا كانت إدارة بايدن تعلم أنها ورثت هذه الاستراتيجية أم لا.
*متخصص في شؤون الطاقة والدول العربية المحافظة في الخليج
المصدر: معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.
مصدر الصورة: يورو نيوز.
موضوع ذا صلة: الحلقة المفرغة في العلاقات السعودية – الأمريكية