يُعد الإدمان والعواقب الناتجة عنه من أكبر مشاكل المجتمعات البشرية، حيث أن معدل الإدمان مرتفع جداً لدرجة أننا نلحظ هذه الأيام بعض التلاميذ المدمنين وقد أصبحوا جزءاً من هذه المجموعة. وبالإضافة إلى ذلك، يتم تأكيد وفاة 13 إيرانياً بسبب تعاطي المخدرات يومياً. ومن وجهة نظر المدير العام للعلاج والدعم الاجتماعي لهيئة مكافحة المخدرات، فإن تعقيد موضوع الإدمان والذي هو ظاهرة اجتماعية جعلت من الصعب التحكم بها والسيطرة عليها. وكذلك هنالك ما يقارب المليونان و800 ألف شخص يتعاطى المخدرات بشكل منتظم أو كما يقال مدمنين وهو ما معدله 5.4% من السكان الفاعلين في البلاد. كما ويوجد مليون و600 ألف شخص في البلاد يتعاطون المخدرات بشكل غير منتظم أو كما يقال كنوع من الترفيه.

وبشكل عام، فإن معدل انتشار التعاطي في البلاد يبلغ 5.4% حيث تُشكل نسبة الطبقة العاملة من هذه النسبة 22.3% و2% هي حصة التلاميذ و4.7% من نصيب طلاب الجامعات و0.6% هي حصة المرأة.

الإحصائيات المرتفعة للإدمان في البلاد

تحدّث سيد حسن موسوي تشلك، رئيس نقابة الخدمة الاجتماعية الإيرانية، حول هذا الموضوع وقال “وفقاً للإحصاءات التي تم الإعلان عنها من قبل الهيئة الطبية في البلاد، فقد لقي 972 شخصاً حتفهم نتيجة الإفراط في تعاطي المخدرات خلال العام 2020 حيث أن هذا الرقم ارتفع بمقدار 10.6% مقارنة بالعام 2019. كما ولقي 212 شخصاً حتفهم هذا العام بالسبب ذاته حيث أن هذا الرقم يزيد عن العام 2019 بنسبة 2.4%؛ وفي المحصلة، فإن مجموع الوفيات الناجمة عن تعاطي المخدرات العام 2020 بشكل عام العام بلغ 4637 شخصاً والذي يعتبر زيادة بنسبة 3.6% مقارنة بالعام 2015.”

ويضيف تشكل “أسباب ارتفاع معدلات الإدمان في البلاد كثيرة، ومن ضمنها التشرد وفقدان العمل والسجل الجنائي وإلى ما هنالك. والمدمنون هم من جميع طبقات المجتمع. والجدير بالذكر أننا لا نملك معدلات مرتفعة للإدمان ضمن التلاميذ وطلاب الجامعات مع العلم أنني أعتبر هذه النسب مرتفعة وخطيرة؛ وبالنهاية، يجب القول إن معدلات الإدمان في البلاد هي مرتفعة بالنسبة لتعداد السكان.”

الإدمان قضية اجتماعية بأبعاد اقتصادية عميقة

تحدّث سيد جواد ميري، عالم الاجتماع والباحث، حول هذا الموضوع وقال “من وجهة نظري، فإن النقاش حول موضوع المخدرات في إيران هو نقاش مهم للغاية وأساسي وذلك لأن مجتمعنا اليوم منخرط بقضية الإدمان على كافة الأصعدة، وكأن المخدرات وجدت علاقة وثيقة مع كافة طبقات المجتمع الإيراني. كما ويمكن القول إن إحدى المشاكل المهمة في موضوع دراسة الإدمان في إيران وتأثيرها على كافة شرائح المجتمع الإيراني على اختلافها، هي أنهم ما زالوا يدرسون مسألة الإدمان بشكل فردي ويعملون على الفرد المدمن بدلاً من أن ينظروا لمسألة الإدمان على أنها بمثابة قضية اجتماعية ضمن المجتمع الإيراني، حيث أن الاختلاف بين هذين الأمرين هو أننا عندما نحصر الإدمان بالفرد نعتقد أن مسألة الإدمان هي مسألة نفسية وأن الفرد ونتيجةً لأسباب معنوية ونفسية انخرط بهذه المسألة بينما الأمر أنه عندما ننظر للإدمان على أنه بمثابة قضية اجتماعية فإن أولى وآخر حلقات دراستنا لن تكون منحصرة بالشخص المدمن بل ستكون النظرة عن الإدمان بمثابة قضية اجتماعية والتي لها روابط اقتصادية وشبكات إنتاج وتوزيع وإيرادات بطريقة تعتمد على أنواع المخدرات التي تستهدف الطبقات المختلفة للمجتمع الإيراني. وبناءً على ذلك، يقومون بتكوين الشبكات وسلسلة الإنتاج.”

ويضيف ميري “لذلك، عندما نأخذ جميع هذه الأمور بالحسبان سندرك أن قضية المخدرات والإدمان في إيران هي قضية اقتصادية مربحة جداً وعميقة حيث لا يمكن القضاء على هكذا شبكة بمجرد التركيز على الشخص المدمن أو من خلال مراكز الاستشارة والتوقف عن الإدمان.”

يجب الاعتماد على الرؤية العامة فيما يتعلق بالمخدرات

وتابع الخبير الاجتماعي، سيد جواد ميري، قائلاً “كل ما ذكرته هو من أجل أن أوضّح هذه الفكرة والتي هي أننا عندما نتحدث عن المخدرات فالمشكلة هي أن المسؤول عن مسألة الإدمان في إيران عادة هو الهيئة الطبية والصحية، في حين أن هذا الهيكل وهذا النهج لا يمكنه بأيّ شكل من الأشكال أن يُعطي وجهة نظر خبيرة في موضوع المخدرات والإدمان في إيران؛ وبالأساس، فإن مسألة المخدرات أو الإدمان هي مسألة متعددة الجوانب وأحد جوانبها الفرد المدمن. حيث أن هنالك جوانب مهمة جداً والتي هي مثل الأخطبوط وتؤثر على المجالات المختلفة في المجتمع بما في ذلك المجال الاقتصادي والسياسي والأمني والتجارة الدولية، وهي أبعاد ضمن مجال بحث ودراسة علماء الاجتماع، هذا من ناحية؛ ومن ناحية أخرى، من أجل أن ندرك ما هي الأسس الثقافية الموجودة نحتاج لإلقاء نظرة على الإنثوغرافيا (وصف الأعراق البشرية) بحيث أنه لماذا انتشر ضمن المجتمع الإيراني الإدمان على المخدرات بدلاً من الإدمان على الكحوليات، حيث لا يمكن للأطباء وعلماء النفس أن يتحدثوا عن سبب تواجد أكثر من 12 مليون شخص مدمن على المخدرات في إيران، وحيث لا يمكن دراسة هذه القضية من خلال النهج الطبي والنفسي.”

ويضيف ميري “والجدير بالذكر أن القسم الأكبر من مسألة المخدرات مرتبط ببحث غسيل الأموال. وهنالك نقطة أخرى وهي أن المخدرات اليوم تنقسم إلى قسمين تقليدية وصناعية؛ ومن أجل الحصول على منتجات صناعية مثل الماريغوانا والكراك، فإننا نحتاج لأن تشتمل هذه التجارة على جزء من الخبرات ونظرة فنية وعلمية في هذا المجال، أي أن هذا القطاع استطاع مواكبة التطورات البشرية أيضاً. هذا يدل على أننا عندما نريد أن ندرس قضية المخدرات في إيران من الناحية الصناعية، فينبغي أن يكون لدينا نظرة عامة وشاملة.”

تعاطٍ مرتفع للمخدرات ضمن الطبقات الدنيا

رداً على السؤال عن سبب الانخراط الشديد للطبقة العاملة بمسألة الإدمان، قال ميري “لا أعتقد أن هذه الطبقة منخرطة فقط. ولكن السؤال الأدق: لماذا تنخرط الطبقات الدنيا في المجتمع بقضية المخدرات الصناعية القاتلة؟ والجواب هو لأن هذه الطبقات لا تمتلك المال الوفير حيث أنهم يمكن أن يكونوا قوة دافعة ضمن المجتمع. والجدير بالذكر أن الضرر الذي يلحق بهذه الطبقة مرتفع للغاية وذلك لأن المواد المتاحة لهم هي مواد قاتلة، حيث أن الأثرياء في المجتمع ما زالوا يتعاطون المواد التقليدية والتي تتمتع بقدرة تدميرية أقل على الجسم. وبنهاية المطاف، فإن العلاقة بين مسألة البطالة المستشرية في المجتمعات ومسألة الإدمان هي علاقة مهمة وملفتة للانتباه.”

قلة الحيوية الاجتماعية

تحدّثت فاطمة رسولي، باحثة مختصة في علم النفس، حول هذا الموضوع قائلة “إن معدلات الإدمان ضمن طبقة العاملين مرتفعة وأحد أسباب الإدمان ضمن هذه الطبقة، هي أنهم يشكلون القسم الأكبر من الأفراد العاملين؛ أي أن عدد الأشخاص الذين يعملون كعمال هم أكثر من الوظائف والمناصب الأخرى. وبما أن عددهم مرتفع، فإن معدلات الإدمان بينهم مرتفعة أيضاً أو أن الأشخاص ضمن الطبقة العاملة وبسبب المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وانعدام العدالة في المجتمع والفواصل الطبقية فهم أكثر عرضة للإصابة بالإكتئاب ومن المحتمل أن يلجأوا لعلاج أنفسهم بذاتهم لتقليل الاكتئاب والاضطراب حيث أن أحد طرق العلاج الذاتي التي يستخدمونها هي اللجوء لتعاطي المخدرات لتخفيف البؤس، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، نعاني من نقص في الحيوية الاجتماعية في مجتمعنا، وذلك لأننا في حاجة بشكل أو بآخر للترفيه على كافة مستويات المجتمع حتى يتمكن شبابنا من الوصول للحيوية الاجتماعية. كما وأن أحد الأمور التي يقوم بها الأشخاص لاكتساب الحيوية هي اللجوء للمخدرات ليحصلوا على حيوية زائفة.”

النساء المدمنات سراً

تابعت الخبيرة قائلة “بشكل عام، لا يمكن الوثوق بالإحصاءات الرسمية وذلك لأن الكثير من المدمنين متسترين خاصة ضمن الأُسر؛ وحتى الآن، لا تزال العائلات متسترة على أفرادها المدمنين وذلك بسبب الخوف من العار. ومن هذا المنطلق، فإننا لا نملك إحصائيات دقيقة عن هؤلاء الأشخاص وما تزال المرأة مدمناً متستراً ضمن مجتمعنا.”

من المزيد من العمل وحتى إنقاص الوزن وزيادة التركيز

تحدّثت بهاره زارع زاده، ماجستير في علم النفس، حول هذا الموضوع قائلة “فيما يتعلق بإدمان العمال على تعاطي المخدرات التقليدية بما في ذلك الأفيون والذي يلقى رواجاً ضمن هذه المجموعة أسباب كثيرة، كالبقاء يقظاً في وقت متأخر من الليل وحتى الصباح وكذلك العمل الإضافي لسد الاحتياجات والتحرر لفترة قصيرة من الضغوط وإلى ما هنالك حيث يؤدي تعاطي العمال للمواد لزيادة النشاط لإنجاز العمل، وكذلك يقلل من مصاعب العمل حيث أن العمال يستخدمون الأفيون من أجل تسكين الآلام ويستخدمون الميثامفيتامين للقيام بعمل أكثر ولكن تأثير هذه المواد على الشخص يتناقص تدريجياً ويفقد العامل قدرته على العمل.”

وتضيف زاده “وبخصوص المرأة، فإن إحدى المشاكل التي تواجهها المرأة اليوم هي مسألة إنقاص الوزن. ومن أجل الحصول على نتيجة، تتجه النساء نحو تعاطي المخدرات وعندما تتوقف شهيتها عن الطعام بسبب التعاطي فإن أغلبهن يرغبن بالاستعانة بالمخدرات، كما وأن الآخرين يُشجعونهنّ على ذلك، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، إن المشاكل الزوجية والاضطرابات النفسية تجعل المرأة تنجرف نحو تعاطي المخدرات.”

بالنسبة للتلاميذ، تقول زاده “إن أحد أسباب اتجاههم نحو المخدرات هو من أجل إرضاء الفضول لديهم. كما وأن التعبير عن الذات وملىء الفراغ العاطفي وعدم اهتمام الأسرة والإدمان ضمن الأسرة، هي من ضمن أسباب توجه اليافعين نحو الإدمان. وفيما يتعلق بطلاب الجامعات، فإننا نلحظ انتشار تدخين السجائر والنرجيلة والمشروبات الكحولية يلقى رواجاً أكبر ضمن هذه المجموعة. ومن الأسباب لتعاطي المخدرات بين طلاب الجامعات هو اعتقادهم الخاطىء بأن هذا التعاطي هو للترفيه ولن يؤدي للإدمان. كما وأن هذه المجموعة تعتقد أنه من خلال تعاطي هذه المواد سيرتفع مستوى التعلم والنباهة لديهم وحتى أن تعاطي هذه المواد سيؤدي لزيادة تركيزهم. كما ويمكن أن يكون ابتعاد طلاب الجامعات عن أهلهم سبباً آخر من انتشار هذا الأمر ضمن هذه المجموعة. وأخيراً، فالإدمان موجود ضمن كافة الأطياف وتكمن الجذور الرئيسية لذلك في الضغوط التي تقع على كاهل الفرد.”

المصدر: صحيفة “آفتاب يزد” الاقتصادية – تعريب ونشر: جاده إيران.

مصدر الصور: الحرة – العربي الجديد.