إبراهيم ناصر*
تنشتعل هذه الأيام القنوات الإعلامية ووسائل التواصل الإجتماعي، بعملية اختفاء الصحافي السعودي جمال خاشقجي في اسطنبول التركية، إذ تُروج بعض وكالات الأنباء الدولية بأن الرجل لقى حتفه في مباني قنصلية بلاده هناك، وفي الوقت عينه ظهر تلاسن بين الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وولي العهد السعودي، محمد بن سلمان.
فقلد صرح ترامب أمام تجمع انتخابي، في ساوثافن- مسيسبي ومن المصادفة هو نفس اليوم الذي اختفى فيه الصحافي خاشقجي، قائلاً “نحن نحمي السعودية. ستقولون إنهم أغنياء. وأنا أحب الملك، الملك سلمان. لكني قلت أيها الملك. نحن نحميك. ربما لا تتمكن من البقاء لأسبوعين بدوننا. عليك أن تدفع لجيشنا.”
أيضاً، كان لافتاً تزامن تصريح ترامب المسيء والجديد للرياض، مع تصريح آخر شبيه قبل يومين فقط في تجمع انتخابي للجمهوريين بولاية فرجينيا، حيث قال “أبلغت الملك سلمان بالإتصال الهاتفي الأخير أنه ربما لن يكون قادراً على الإحتفاظ بطائراته، لأن السعودية ستتعرض للهجوم”، وتابع “لكن معنا أنتم في أمان تام، لكننا لا نحصل في المقابل على ما يجب أن نحصل عليه.”
وفي حوار نشرته وكالة “بلومبيرغ”، الجمعة 5 أكتوبر/تشرين الأول 2018، رد ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، على تصريحات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بالقول إن بلاده “لن تدفع في الوقت الراهن أي شيء مقابل أمنها”، وأضاف أن الرياض تشتري الأسلحة من الولايات المتحدة بأموالها ولا تأخذها مجاناً، وأن علاقة السعودية مع ترامب جيدة ومميزة، وأنه يحب العمل مع الرئيس الأمريكي.
بالرغم من أن تلك التصريحات أثارت غضب بعض وسائل الإعلام المناوئة للمملكة، غير أنه يلاحظ، في المقابل، تلقي الإعلام السعودي والمحللين السياسين المقربين من الرياض الأمر بـ “غاية الإيجابية”. على سبيل المثال، قال الصحافي عضوان الأحمر، الكاتب بجريدة الشرق الأوسط، بأن العلاقات السعودية – الأمريكية “على أحسن ما يكون”، وإن تصريحات الرئيس ترامب لم يعني بها السعودية فحسب، بل إنه يعني كل الدول الحليفة لواشنطن، كألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية.
نعم، ما ذهب إليه عضوان الأحمر يحمل في طياته كثيراً من الصواب لأن الرئيس ترامب يتبع سياسة “متغطرسة” تجاه حلفاء بلاده، ويطلب منهم بصورة متكررة بأن يدفعوا مقابل الحماية التي يقدمها لهم الجيش الأمريكي. غير أن ترامب عندما يعلن عن تصريحات “ابتزازية” كتلك، فإنه لا يكترث إلى “الإحراج الدبلوماسي” الذي قد يتعرض له شركاؤه.
ولكننا هنا لا بد من قراءة تصريحات ترامب بشكل يتناسب مع الوضع الداخلي الأمريكي، فالرجل مقبل على انتخابات نصفية، وهذه التصريحات تأتي في إطار كسب أصوات داعمة له من أجل التمديد لفترة حكمه المتبقية. وبتعبير آخر، إن هدف ترامب عند إدلائه بتلك التصريحات يكمن في توظيفها لخدمة الحملة الإنتخابية، فهو دائماً ما يسعى إلى إظهار نفسه أمام منتخبيه بأنه الشخص القوي المدافع عن مصالح بلده. بالتالي، فهي تصريحات يمكن اعتبارها على أنها تقع ضمن “الإستهلاك المحلي” لا أكثر.
أما بالنسبة للرد الخجول الذي صرح به ولي العهد، فيمكن ربطه، برأينا، أما بطلب الرياض من إدارة ترامب مشاركة الجيوش الأمريكية في الحرب اليمنية من أجل إنهاء الإستنزاف التي تتعرض له منذ سنوات؛ أو أن الرياض تريد من واشنطن القيام بتوجيه ضربات عسكرية إلى الداخل الإيراني، بحيث تزيد من تفاقم الأوضاع الإقتصادية الإيرانية الآيلة للتأزم.
لذلك، فضل الأمير محمد بن سلمان عدم إثارة غضب الرئيس ترامب، من خلال اتخاذ مواقف حادة، لأنه قانع تماماً بأن المقصود بتصريحات ترامب هو “الناخب الأمريكي” من أجل الظفر بفرصة التجديد النصفية، حيث أنه يعلم بأن تعزيز مقعد ترامب في البيت الأبيض يصب في صالح السعودية، لأن تسلم شخص من الديمقراطيين هرم السلطة في البيت الأبيض، قد يأزم العلاقات الأمريكية – السعودية، وهذا ما سيؤثر على أمن واستقرار المملكة مستقبلاً، طبقاً لما حصل في فترة الرئيس السابق باراك أوباما، ولذلك فضَّل عدم التصعيد.
أما عن ملابسات عملية اختفاء الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، في البداية لا بد من التأكيد بأن ثمة من هو مستفيد من اختفاء الرجل، وأمر اختفائه سيؤدي حتماً إلى تأزيم علاقات تركيا مع السعودية. ولكن كلا الطرفين على دراية بأن تأزم علاقتهما قد يتسبب في إضعاف موقفهما، ويقوي موقف غريمهما الإقليمي الأول، أي طهران. وبالتالي، يمكن وضع إيران في دائرة الإتهام لأن خاشقجي يعد من أكبر المعارضين لسياستها في المنطقة، وكان دائماً ما يوصي بتنسيق تركي – سعودي من أجل “قصقصة أجنحتها” في كل من سوريا والعراق.
وانطلاقاً مما تقدم، يمكن القول بأن المستفيد الأول من اختفاء جمال، إيران ظاهرياً، ولكننا نستبعد بأن تكون طهران خلف عملية خطفة أو استهدافه لأن المعطيات تثبت غير ذلك. وبالتالي، هناك طرف ثالث خلف عملية الإختفاء تلك، ونحن نعتبر هذا الطرف هو واشنطن لأنها تسعى إلى تأزيم علاقات السعودية مع باقي دول العالم، بما فيها تركيا، كي تتمكن من الإنفراد بـ “الكعكة السعودية” وحدها.
*باحث بمركز أنقرة لدراسة الأزمات والسياسات – “أنكاسام”.
مصدر الصورة: إرم نيوز.