ليلة حامية شهدتها مدينة طرابلس اللبنانية على وقع الاحتجاجات التي دامت على مدار الأيام الماضية نتيجة الوضع الاقتصادي الذي وصلت إليه المدينة، بسبب قرار الحكومة اللبنانية الإغلاق العام دون خطة معالجة لواقع الأسر الأكثر فقراً والتي تعيش على قُوت يومها. احتجاجات أسفرت عن حرق مبنى بلدية طرابلس، ومبنى المحكمة الشرعية، ومؤسسات تجارية خاصة.

مصدر في الحكومة يقول، لـ “عربي بوست”، إن لقوى إقليمية ودولية مصلحة في تغيير مسار التحركات الشعبية لتأخذ شكلاً عنفياً في إطار السعي لتأزيم المشهد السياسي والأمني من خلال الفوضى، ليصبح ملف تشكيل الحكومة جاهزاً للقيام بتنازلات بين الأطراف.

وبحسب المصدر، فإن هناك تقاطعاً فرنسياً – أمريكياً لإعادة إحياء المبادرة الفرنسية بشروط جديدة تفرض على القوى المتصارعة، رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره الوزير جبران باسيل من جهة والرئيس المكلف سعد الحريري من جهة أخرى.

ويؤكد المصدر أن الميدان اللبناني المتأزم قد يكون بوابة العبور الجديدة للمبادرة الفرنسية، المدعومة أممياً من الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والفاتيكان، في ظل تعهد مصري بإقناع الدول العربية بدعم المبادرة الفرنسية، إذا التزمت القوى السياسية بالشروط الموضوعة حول الإصلاحات وإبعاد حزب الله عن الحكومة.

الإنتفاضة.. الثوار لا يخربون

يؤكد الدكتور جيمي كرم، ناشط سياسي في مجموعات الانتفاضة في مدينة طرابلس، أن الأصل في حراك المدينة خلال الأيام السابقة هو أن الناس وصلوا لأفق مسدود في ظل تعاطي السلطة مع مشاكلهم والإهمال في إنقاذ الواقع الاقتصادي الذي فرضته الأزمة الاقتصادية بداية، والتي تتحمل السلطة مسؤوليتها، وثانياً تداعيات أزمة “كورونا” التي لم تكن الحكومة والدولة على قدر المسؤولية في أي قطاع من قطاعاتها الصحية والتربوية والإدارية.

ويضيف كرم أن التحركات نابعة من ألم وغضب المواطنين بسبب غياب الدولة، وما جرى حول دور الأمن وغيابه عن مسرح الأحداث غريب، متسائلاً عن سبب بطء القوى الأمنية في وقف عملية الإحراق والعبث، ولماذا لم تقُم القوى المختصة بالإسراع بوقف أعمال التخريب في المدينة، مؤكداً أن ما جرى لا يعني القبول بـ “شيطنة” تحركات أبناء طرابلس وغيرها من المدن اللبنانية التي تتشارك معنا المأساة.

مَن يحرِّك المجموعات التخريبية لضرب حراك طرابلس؟

يؤكد المحلل السياسي ربيع دندشلي، لـ “عربي بوست”، أن تردي الأوضاع الاقتصادية مع انعكاسات وتبعات تقلب سعر الصرف وعدم وجود رقابة أو عدم قيام الدولة بضبط هذه الأوضاع من أبرز العوامل التي تجعل الساحات الفقيرة مستنقعاً خصباً للإستغلال في أجندات داخلية وخارجية.

ويؤكد دندشلي أن حالة الركود والجمود بالملف الحكومي تجعل فرقاء عدة في الداخل، كـ “تيار المستقبل”، الأكثر رغبة بتحريك هذا الملف عبر التهديد بانفجار الأوضاع في الشارع، كما أن التيارات المطالبة بتنحية الرئيس عون من سدة الرئاسة أو انتخابات نيابية مبكرة، كحزب القوات اللبنانية وحزب الكتائب، قد “تُسر” بهذه الأوضاع، ومن مصلحة رجل الأعمال، بهاء الحريري، أن يحرك هذا الجمود، لعله يأتي على حصان أبيض ليقوم بدور المنقذ بمباركة خارجية، بعد فشل شقيقه سعد في معالجة ذيول الأزمة.

يرى مصدر في المعارضة بطرابلس أن ما جرى عبر إحراق مبنى البلدية والمحكمة الشرعية وإلقاء القنابل اليدوية على عناصر قوى الأمن داخل سرايا مدينة طرابلس وغيرها من المؤسسات، في ظل تلكؤ الأجهزة الأمنية في التصدي للتخريب، يؤكد أن جهازاً أمنياً مقرباً من التيار الوطني الحر مسؤول عن حالة الفوضى في المدينة كرسالة للرئيس المكلف سعد الحريري، على حد تعبيره، وأن التيار قادر على اللعب بالأوراق السياسية في مناطق ضمن نفوذ تيار المستقبل، بعد إصرار الحريري على عدم التنازل لرئيس الجمهورية ميشال عون بخصوص عملية تشكيل الحكومة. ووفق المصدر، فإن الوزير جبران باسيل هو “المستفيد الأول” من هذه التحركات التي تهدف إلى ضرب الرئيس الحريري داخل بيئته السنّية، وتحميله مسؤولية ما يجري للضغط عليه و”ليِّ ذراعه” وإجباره على تقديم تنازل في الحكومة.

وبحسب المصدر، فإن التيار الوطني الحر دخل المشهد السياسي في طرابلس عن طريق أحد رجال الأعمال، كمرشح للوزير جبران باسيل، لإدارة معرض طرابلس الدولي، وكاستثمار لإحداث تغييرات في نظام المعرض تتيح بيع مساحات من أرضه لصالح أحد مشاريع باسيل المشبوهة.

إتهامات متبادلة وصلت حد المخابرات اللبنانية

فيما يشدد الصحفي منير الربيع على أنه تحت سقف هذه الاتهامات السياسية، تدور اتهامات في الكواليس السياسية في طرابلس، حول مجموعات يتم تحريكها عبر جهات متعددة، كذلك يدور الحديث عن وجود صراع داخل أجهزة أمنية على أرض المدينة وصلت حد اتهام الجيش اللبناني ومديرية المخابرات بالضلوع بذلك، بالإضافة إلى أجهزة أمنية أخرى، خصوصاً أن الجيش اعتبر أن هناك “فخاً” يتم نصبه له لاستدراجه للدخول في مواجهة مع الناس، وهي اتهامات يتم توجيهها نحو النائب جبران باسيل، إذ تستخدم طرابلس في سياق معركة رئاسة الجمهورية، وليس في سياق المعركة على تشكيل الحكومة.

مصادر الحريري: البلاد في وادٍ من المعاناة وعون في وادٍ آخر

ترد مصادر رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، عبر “عربي بوست”، بالقول إنه من المؤسف والمؤلم جداً أن يصدر الكلام المنقول عن الرئيس عون، عن مسؤولية “تيار المستقبل” عن أحداث المدينة، فيما البلاد تواجه سيلاً من الأزمات الصحية والأمنية والسياسية، وتشهد العاصمة الثانية طرابلس هجمة منظمة تثير الريبة في أكثر من اتجاه، ويضيف المصدر أن البلاد في وادٍ من المعاناة والأزمات، والعهد القوي في وادٍ سحيق آخر من اللا مبالاة والإنكار والتجني على الآخرين.

تركيا: جاهزون لترميم مبانٍ حكومية في طرابلس اللبنانية

وفي ظل الغياب الدولي والعربي عن لبنان وفي ظل الأزمة الأخيرة، أعلنت سفارة تركيا في لبنان استعداد أنقرة للمساعدة في ترميم مبانٍ حكومية بمدينة طرابلس، بينها مبنى البلدية الذي يعود للعهد العثماني، وتضرره جراء مواجهات بين الأمن ومحتجين قبل أيام.

جاء ذلك خلال لقاء السفير التركي مع رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية حسان دياب، في مقر مجلس الوزراء وسط بيروت، بحسب بيان لرئاسة الحكومة، حيث لفت السفير إلى استعداد تركيا كذلك لتقديم مساعدات اجتماعية للعائلات الأكثر فقراً في طرابلس والمتضررة من الأحداث، وفق البيان.

العنوان الأساسي: “ليلة حُرقت فيها مؤسسات طرابلس.. هل تدخلت قوى خارجية لحسم ملف تشكيل الحكومة اللبنانية”

المصدر: عربي بوست.

مصدر الصور: الحرة – موقع نبض.

موضوع ذا صلة: لبنان أين.. لا إلى أين؟