حسن فحص*

يبدو أن نتائج الحوار غير المباشر بين واشنطن وطهران بدأت بالظهور التدريجي في ما يتعلق بالخطوة الأولى لتخفيف التوتر بين الطرفين، وتمهيد الطريق أمام العودة إلى تفعيل الاتفاق النووي من دون أن يكون أي طرف مجبراً على الاعتراف بالتنازل الذي قدمه من أجل ذلك.

فالكلام الصادر عن وزير الخارجية الأميركية الجديد أنتوني بلينكن الذي رفع فيه مستوى المخاوف من قدرة إيران على امتلاك القدرة على التصنيع الحربي النووي خلال أسابيع، لم يكن الهدف منه على ما يبدو الذهاب نحو مزيد من التشدد في التعامل مع النظام الإيراني وفرض مزيد من الضغوط عليه، بل محاولة تسويغ أية خطوة أميركية باتجاه الانفتاح على طهران، بذريعة ضرورة العمل الجدي والخطوات السريعة من أجل الحد من قدرات إيران النووية، ومنعها من تطوير هذه القدرات.

وتفرض المرحلة المقبلة على واشنطن العودة إلى الاتفاق، وما يفترضه ذلك من تعطيل مفاعيل الإجراءات التي اتخذتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب والعقوبات التي فرضتها، وهي الخطوة التي تفتح المجال أمام واشنطن إمكان الجلوس إلى طاولة التفاوض مع طهران، وبحث الملفات الأخرى، بخاصة ما يتعلق بالمخاوف المتزايدة من البرنامج الصاروخي والنفوذ الإقليمي، وتأجيل فتح ملف حقوق الإنسان من بوابة المطالبة بإطلاق المعتقلين الأميركيين في السجون الإيرانية، بعيداً من أزمة الاتفاق النووي، بحسب ما أكد بلينكن.

في المقابل، لم يتردد نظيره الإيراني محمد جواد ظريف في توجيه رسائل إيجابية تلاقي ما لم يقله الوزير الأميركي صراحة، وتبرّع بإيجاد الحل للخروج من أزمة ومعضلة “الخطوة الأولى”، من خلال طرح “التزامن” في الخطوتين الأميركية والإيرانية، بحيث تنضم الأولى للاتفاق، وما يعنيه ذلك من العودة إلى الشروط والأوضاع التي كانت قائمة قبل مايو/ أيار 2018، وقرار ترامب الانسحاب منه.

وتزامناً مع ذلك، تعلن طهران العودة إلى الالتزام بكامل تعهداتها في الاتفاق، والتراجع عن الخطوات التي قلصت بموجبها التزامها بشروطه.

مبادرة “حسن النية” كما وصفها ظريف، حملت بعداً آخر إلى جانب الغزل مع واشنطن، هذه المرة باتجاه الاتحاد الأوروبي، عبر منحه دوراً قيادياً في إعداد الأرضية التي تشكل المخرج لالتقاء الطرفين، من خلال الإشارة إلى إمكان لعب منسق العلاقات الخارجية في الاتحاد جوزيبي بوريل دور “العراب” بين الطرفين، باستغلال موقعه كمنسق لعمل اللجنة المشتركة للإشراف على تنفيذ الاتفاق النووي، وتحويلها إلى منصة تساعد في التقريب بين الخصمين، بخاصة أن اجتماعات هذه اللجنة التي جرت خلال السنتين الماضيتين كانت من دون مشاركة أميركية وقائمة على معادلة “4+1”.

وبغض النظر عن الموقف الفرنسي الذي أعلنه الرئيس إيمانويل ماكرون من شروط جديدة يجب على إيران تنفيذها من أجل إعادة تفعيل الاتفاق النووي، بخاصة ما يتعلق بتوسيع دائرة الدول المشاركة فيه، يبدو أن الوزير الإيراني متسرع لإيجاد الطرق التي تساعد في الخروج من نفق المواقف التصعيدية المسدود.

ويبدو أيضاً أن خطوته لم تأتِ بعيدة من التنسيق مع المرشد الأعلى الذي وضع معادلة إلغاء العقوبات أولاً، ومن ثم العودة الأميركية إلى الاتفاق في مقابل عودة طهران إلى التزاماتها.

والتعجل الإيراني هدفه تحقيق الخطوة الأولى قبل 21 فبراير/شباط 2021، وهو تاريخ دخول قرار تعليق بروتوكول التفتيش المباغت الذي جاء في القانون الذي أقره البرلمان الإيراني في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 حيّز التنفيذ، والذي يضع إيران أمام إشكال تفسير هذه الخطوة مع المجتمع الدولي، الذي يلامس قرار الانسحاب من الاتفاق النووي.

تأكيد ظريف على دور منسق اللجنة المشتركة للاتفاق النووي، ومنسق السياسات الخارجية في الاتحاد الأوروبي، على الرغم من كل الانتقادات التي وجهها النظام لـ “ترويكا” الأوروبية بعدم التزامها بالتعهدات التي قدمتها لمواجهة العقوبات الأميركية، إلا أنه يشكل التفافاً على الموقف الفرنسي الذي أثار ردود أفعال واسعة داخل النظام والحكومة.

ترافق هذا الموقف مع موقف لمسؤول السياسات في الاتحاد، جوزيف بوريل، الذي اعتبر أن مواقف الرئيس الفرنسي لا تمثل موقف الاتحاد الأوروبي ورأيه، ما يعزز الاعتقاد بأن بوريل يستعد للعب دور الوسيط بين واشنطن وطهران لإخراج آليات عودة واشنطن إلى الاتفاق بالتزامن مع عودة طهران إلى التزاماتها بعيداً من الموقف الفرنسي وشروط الرئيس ماكرون.

وبقليل من التدقيق في المواقف والأنشطة التي تقوم بها طهران والوفود التي تستقبلها، يمكن القول إنها بدأت بتوجيه رسائل حول إمكان التعاون الإيجابي مع واشنطن في ملفات منطقة غرب آسيا، فهي دخلت على مسار الحفاظ على اتفاق السلام الموقع بين واشنطن وحركة طالبان (29 يناير/كانون الثاني 2020) في الدوحة، واستقبلت منسقة الأمم المتحدة في العراق جنين بلاسخارت، وتستعد لاستقبال وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، في ما يبدو أنها خطوات تصب في إطار تسهيل عملية التحول السياسي على الساحة العراقية من خلال الانتخابات البرلمانية المقبلة التي قد لا تكون مبكرة (تم تحديد موعدها الثاني في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021)، فضلاً عن إشارات لإمكان تعاون إيجابي في الأزمة اليمنية والحوار مع المملكة العربية السعودية، بما يقطع الطريق على ما لوّحت به واشنطن من دون الإصرار عليه، وما اشترطه الرئيس الفرنسي بتوسيع دائرة الدول المشاركة في الاتفاق النووي. فهل هي تنازلات إيرانية أم قراءة واقعية لحدود قدرتها على فرض أجنداتها على الآخرين؟

*كاتب وصحفي.

المصدر: الإندبندنت عربية.

مصدر الصور: أرشيف سيتا + إندبندنت عربية.

موضوع ذا صلة: واشنطن تعيد كتابة قانون “قيادة العالم”