واجهت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، جرعة مزدوجة من الأخبار السيئة وغير السيئة بشأن إيران؛ من جهة، ألمح القادة الإيرانيون إلى أنهم يعيدون التفكير في تعهدهم بعدم السعي أبداً لامتلاك سلاح نووي. ومن جهة أخرى، أشارت معلومات استخباراتية اسرائيلية إلى أن أمام إيران عامين على الأقل لإنتاج هذا السلاح.
وأثار وزير الاستخبارات والأمن الإيراني، محمود علوي، احتمال أن تضطر بلاده إلى السعي لامتلاك أسلحة نووية إذا لم يتم رفع العقوبات الأميركية، وهو خروج ملفت للانتباه عن تعهد إيران بأن برنامجها للطاقة الذرية سيكون دائماً سلمياً. فلقد أضافت تصريحات الوزير الضغط على إدارة الرئيس بايدن، التي بلغ عمرها ثلاثة أسابيع فقط، لتجنب أزمة جديدة مع إيران في الوقت الذي تكافح فيه حالات الطوارئ الاقتصادية والصحية الناجمة عن جائحة “كورونا”. ووصف مسؤول في الإدارة تصريح السيد علوي بأنه “مقلق للغاية”.
في الوقت نفسه، قال تقييم استخباراتي جديد أجراه الجيش الإسرائيلي إنه إذا اختارت إيران صنع قنبلة، فستحتاج إلى حوالي عامين، لأنها تفتقر إلى جميع المكونات والقدرة التقنية. يتناقض التقييم مع التأكيدات الأكثر إثارة للقلق التي أدلى بها كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، وكبار أعضاء الإدارة الأميركية الجديدة، وهذه المعلومات تشير إلى أنه قد يكون هناك متنفّس دبلوماسي لتجنب المواجهة.
لطالما أصرت إيران على أنه لا مصلحة لها في امتلاك سلاح نووي، إذ أصدر القائد الأعلى علي خامنئي، صاحب الكلمة الأخيرة في الشؤون العسكرية والأمنية، فتوى العام 2003 بأن الأسلحة النووية “محرمة”، وهذا هو الموقف الرسمي لإيران.
لكن الوزير علوي قال إن العقوبات الأميركية، التي دمرت الاقتصاد الإيراني، يمكن أن تفرض تغييراً في تلك الفتوى، حيث قال عبر التلفزيون الحكومي أن “برنامجنا النووي هو برنامج سلمي وقد قال القائد الأعلى بوضوح في فتواه إن إنتاج أسلحة نووية مخالف للشريعة وأن الجمهورية الإسلامية تعتبره ممنوعاً”، مضيفاً “ولكن دعني أخبرك. إذا وضعت قطة في الزاوية، فقد تتصرف بشكل مختلف عن القط الذي يتجول بحرية. إذا دفعوا إيران في هذا الاتجاه، فلن يكون ذلك خطأ إيران بل خطأ أولئك الذين دفعوا إيران إلى ذلك”. وقال محللون إيرانيون إن صوت السيد علوي له وزنه لأنه أحد أعضاء مجلس الوزراء المعينين من قبل القائد الأعلى.
جاءت هذه التعليقات على خلفية تصعيد المواجهة بين إيران والرئيس بايدن، الذي قال إن الولايات المتحدة ستلغي العقوبات إذا عادت إيران أولاً إلى الالتزامات التي تعهدت بها بموجب الاتفاق النووي، لعام 2015. من جيتها، قالت إيران إن العقوبات، التي فرضها الرئيس دونالد ترامب بعد انسحابه من الاتفاق العام 2018، يجب أن تُلغى أولاً، وأنها يجب أن تكون قادرة على التحقق من هذه الخطوة.
أدت حملة الضغط التي شنها الرئيس ترامب على إيران إلى زيادة الحديث بين المعلقين في وسائل الإعلام الإيرانية المتشددة عن ضرورة اعتبار الأسلحة النووية رادعاً فعالاً “ضد الأعداء”. أثارت ملاحظات علوي تلك المناقشة علناً على مستوى رفيع.
في واشنطن، وصف المتحدث بإسم وزارة الخارجية، نيد برايس، تعليقات علوي بأنها “مقلقة للغاية”، مضيفاً أنه لم يتضح بعد ما إذا كان السيد علوي “كان يتحدث نيابة عن أي شخص غير نفسه”، مضيفاً أن إيران ملزمة بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، التي صادقت عليها العام 1970، بأن لا تحصل على هذا السلاح “أبدا، أبدا، أبدا، أبدا”، ولقد جددت إيران التأكيد على هذا الالتزام في الاتفاق النووي لعام 2015.
في ظل التسلسل الهرمي للجمهورية الإسلامية، من غير المرجح أن يظهر وزير الاستخبارات، المعين من قبل السيد خامنئي، على التلفزيون الحكومي ويدلي بتصريحات حول سياسة رئيسية في البلاد دون موافقة من القمة. وقال بعض المحللين إن تصريحاته جزء من تصعيد منظم للتهديدات، وهي تشمل مهلة نهائية، يوم 21 فبراير/شباط 2021، بموجب قانون إيراني جديد يمنع المفتشين الدوليين من زيارة المواقع النووية الإيرانية إذا لم يتم إلغاء العقوبات.
مثل هذه الخطوة، ستكون انتهاكاً جديداً مهماً للإتفاق النووي، المعروف بإسم “خطة العمل الشاملة المشتركة”، التي تفاوضت عليها إيران مع القوى الكبرى قبل ست سنوات. منذ انسحاب الرئيس ترامب من الاتفاقية وفرض عقوبات جديدة إضافة للقديمة، تجاهلت إيران بشكل متدرج بنود الاتفاق، بما في ذلك القيود المفروضة على مخزونها من الوقود النووي.
في هذا السياق، أوضح مهرزاد بوروجردي، مدير كلية الشؤون العامة والدولية في “فيرجينيا تيك”، ضمن حديث مع الصحيفة أن “هذا جزء من استراتيجية تتبعها إيران في الوقت الحالي لممارسة أكبر قدر ممكن من الضغط على إدارة بايدن للعودة إلى الاتفاق النووي”، مضيفاً “هذه هي المرة الأولى التي يقوم فيها شخص ما في التسلسل الهرمي بمثل هذا التهديد الصريح”.
من جهته، وصف ريتشارد غولدبرغ، مساعد مستشار الأمن القومي الأميركي السابق في عهد الرئيس ترامب والمستشار الحالي في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (وهي مجموعة عارضت الاتفاق النووي لعام 2015)، تصريحات علوي بأنها “ابتزاز”، مضيفاً “إنهم يحاولون كل ما في وسعهم، دون تجاوز أية خطوط حمراء، بالنسبة للولايات المتحدة أو إسرائيل، للاستيلاء على عناوين الأخبار وجذب الانتباه لدفع تخفيف فوري للعقوبات لأنهم ما زالوا يعانون من الانهيار الاقتصادي.”
حتى وقت قريب، كان الدعم العلني لبرنامج الأسلحة النووية في إيران يعتبر من المحرمات، ولم تكن الشخصيات العامة تجرؤ على الانحراف عن الخط الرسمي لفتوى السيد خامنئي. واستشهد وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، بالفتوى كضمان لمنتقدي إيران، لكن يبدو أن هذه النظرة قد تغيرت.
من هنا، تدعو الأصوات البارزة بين الشخصيات السياسية المحافظة والمحللين والشخصيات الإعلامية علناً لأول مرة إيران لإمتلاك سلاح نووي، ويسمونها “الأسلحة النووية كرادع”. وقبل أسبوعين، نشرت صحيفة “تابناك” المحافظة عموداً تحت عنوان “لماذا يجب أن تسعى إيران إلى قنبلة نووية؟”.
ايضاً، قام رضا رمضان نجاد، المدير التنفيذي لشركة الطاقة والذي ينشط على وسائل التواصل الاجتماعي في إيران، بنشر صورة لموقع نووي على صفحته الخاصة، وكتب “إن شاء الله، قريباً ستصدر أخبار على الصفحة الأولى بأن إيران اختبرت رؤوساً نووية على صواريخ محلية.”
في إسرائيل، التي تعتبر إيران العدو الأقوى لها، رحب العديد من القادة الإسرائيليين، وخاصة نتانياهو، برفض الرئيس ترامب للاتفاق النووي، كما أعربوا عن قلقهم من أن الرئيس بايدن يبدو مستعداً للدخول مرة أخرى في الاتفاق، بحجة أن الاتفاق ضعيف للغاية.
جادل بايدن ومرؤوسوه بأن استراتيجية سلفه جاءت بنتائج عكسية لأن إيران لم تعد تلتزم بقيود الصفقة، مما أدى إلى تقصير الجدول الزمني الذي تحتاجه إيران لبناء سلاح نووي.
أما بالنسبة إلى التقييم الذي نشرته شعبة الاستخبارات في جيش الدفاع الإسرائيلي إلى جانب تقييم سابق من قبل الموساد وكالة المخابرات الإسرائيلية، فإنه يشير إلى أن إيران لا تزال على بعد عامين على الأقل من هذه القدرة. وقال مسؤولو المخابرات الإسرائيلية، الذين تحدثوا للصحيفة شريطة عدم الكشف عن هويتهم عند مناقشة أنشطة إيران النووية، إنهم يعتقدون أن إيران جمعت اليورانيوم الكافي لصنع ما يقرب من ثلاث قنابل نووية، إذا تم تخصيب اليورانيوم إلى مستوى صنع أسلحة. وقال المسؤولون إن مثل هذا التخصيب كان من الممكن، نظرياً، تحقيقه في حوالي خمسة أشهر.
لكن تقييمات المخابرات الإسرائيلية قالت إن إيران ما زالت تفتقر إلى الإمكانيات العلمية والتقنية لصنع سلاح، حيث قال قائد إسرائيلي رفيع المستوى للصحفيين إن اغتيال محسن فخري زاده، كبير العلماء النوويين الإيراني في تشرين الثاني/نوفمبر 2020، وجه “ضربة قاسية للمشروع”.
من جيتها، ألقت إيران باللوم على إسرائيل، بتحريض من الولايات المتحدة، لقتل العالم زاده، الذي حددته أجهزة المخابرات الأميركية والإسرائيلية منذ فترة طويلة باعتباره الشخصية الأساسية في مشروع السلاح النووي الإيراني حسب وصفهم. لكن إيران قالت أن السيد زاده كرس نفسه للتطبيقات السلمية للعلوم النووية.
العنوان الأساسي: “صحيفة نيويورك تايمز الأميركية – تصعيد إيراني جديد بعد التلميح لامكانية امتلاك طهران أسلحة نووية”.
المصدر: جاده إيران
مصدر الصور: قناة الغد – سبوتنيك.
موضوع ذا صلة: تطوير الصواريخ الإيرانية في الخطاب الإسرائيلي